خاص: السعودية ماضية في برنامج «التوطين» رغم تحديات تشكك بنجاحه

الخميس 20 أبريل 2017 10:04 ص

خطى حثيثة ومتسارعة للقيادة السعودية منذ وصول الملك «سلمان بن عبد العزيز» لحكم المملكة في يناير/كانون الثاني 2015 نحو توطين الوظائف أو سعودتها (قصرها على السعوديين)، رغم ما تواجهه من عقبات كبيرة قد تشكك في إمكانية نجاح الأمر في نهاية المطاف.

مساع تم إدماجها ضمن أهداف «رؤية السعودية 2023»، التي ترمي إلى خفض معدل البطالة بين مواطني المملكة، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، إلى 7% بدلاً من 12.3% حالياً.

وضمن أحدث خطوات السعودية في هذا الاتجاه، أصدر وزير العمل السعودي «علي الغفيص»، اليوم الخميس، قراراً وزارياً بقصر العمل في المراكز التجارية المغلقة (المولات) على السعوديين والسعوديات فقط، رغم أن الوزير لم يشر إلى موعد تطبيق القرار رسمياً.

وقبل ذلك، كانت هناك قرارات أخرى في الصدد ذاته؛ منها سعودة قطاع بيع وصيانة الجوالات في السعودية بحلول سبتمبر/أيلول 2016، فضلاً عن قصر العمل في جميع مهن ووظائف قطاع الموارد البشرية على السعوديين.

مخططات لتعزيز السعودة

أيضاً، كانت هناك إعلانات متلاحقة عن مخططات لتعزيز السعودة؛ فوزارة العمل أعلنت،  في مارس/آذار 2016، أنها تبحث «سعودة» كاملة أو جزئية لـ6 قطاعات خلال الفترة المقبلة هي العقار، والسياحة، وسائقي الأجرة، وصيانة الحاسب، محال بيع الذهب، ومحال بيع الفواكه والخضروات.

وخلال الشهر ذاته، أعلن «عمر السحيباني»، المدير العام للإدارة العامة لمكافحة التستر التجاري بوزارة التجارة والصناعة السعودية، عن توجه الحكومة لتوطين قطاع التجزئة خلال السنوات الخمس المقبلة، دون أن يفصح عن ملامح  هذا التوجه الحكومي.

أيضا، وقعت وزارتي «العمل» و«الخدمة المدنية» في السعودية، في مارس/آذار 2016، اتفاقية لتطبيق ما يُعرف بـ«برنامج تنمية وكفاءة» الذي يتضمن جدولا زمنيا لاستبدال العمالة الوطنية بالأجنبية في القطاع الحكومي.

وحسب بنود الاتفاقية المبرمة، «ستعمل الوزارتان وفقاً للبرنامج الزمني على حصر الوظائف المشغولة بكوادر أجنبية في القطاع العام، والفرص الوظيفية المتاحة، تمهيداً لإحلالها بالكوادر الوطنية».

«سياسة العصى والجزرة»

«سياسة العصى والجزرة» تسارع استخدامها بقوة في سياق حديث «السعودة» المتصاعد.

ومن ذلك، اعتبار «السعودة» من أهم شروط إقراض المشاريع في القطاع الخاص، وزيادة الغرامات المالية على الشركات التي توظف وافدين في مهام مقصورة على السعوديين.

وفي هذا السياق، صدرت قرارات تتضمن حجب تسهيلات وخدمات عن الشركات الواقعة ضمن النطاقين «الأحمر» و«الأصفر»، في برنامج «نطاقات»، مع منح حوافز في المقابل للشركات الواقعة ضمن النطاقات «البلاتيني» و«الأزرق» و«الأخضر».

وبرنامج «نطاقات»، الذي انطلق في العام 2012، يتم وفقاً له تقييم الشركات على أساس نسبة شغل السعوديين للوظائف داخلها، وتم تقسيمها إلى مجموعات تحت ألوان مختلفة؛ حيث تأتي الشركات ذات أعلى نسبة في تطبيق «السعودة» تحت ألوان (بلاتيني/ أزرق/ أخضر)، والشركات ذات نسب «السعودة» المنخفضة تحت ألوان (أصفر/ أحمر).

التضييق على الوافدين

وترافق ذلك مع قرارات للتضييق على الوافدين، والتي - وفق مراقبين – سيجعل أفراد هذا القطاع  - المقدر بنحو 8 ملايين عامل – يفكر جدياً في مغادرة المملكة من تلقاء نفسه، بينما ستتراجع مكانة السعودية كوجهة مفضلة للباحثين عن عمل في الخارج.

إذ أعلنت المملكة في ديسمبر/كانون الثاني 2016 عن برنامج «المقابل المالي» الذي يتضمن فرض رسوم شهرية على العمالة الوافدة والمرافقين لهم كمصدر من مصادر الإيرادات غير النفطية للمملكة التي تضررت جراء هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014.

وسيتم فرض هذا المقابل بشكل تدريجي وتصاعدي انطلاقاً من النصف الثاني من 2017، ليصل ذروته في العام 2020.

ومع زيادة رواتب السعوديين تزامناً مع رفع الدعم عن الطاقة في العام الماضي، كان الوافدون القطاع الأكبر الذي تحمل عبء القرار.

ويصب في هذا الاتجاه، قرار تخفيض مدة إقامة العمالة الوافدين في المملكة في 6 سنوات إلى سنتين فقط بدءا من 20 أبريل/نيسان 2015، والتي يُطبق فقط على الشركات الواقعة ضمن النطاق «الأصفر» في برنامج «نطاقات».

«السعودة» بين الماضي والحاضر

والسؤال المطروح الآن: هل يمكن أن تؤتي مثل تلك الجهود جهودها لإنجاح برنامج «السعودة» الذي حالفه الإخفاق لعقود طويلة؟

فقد بدأ الحديث عن «السعودة» في سبيعنيات القرن الماضي، وبدأت أولى سياسات السعودية تجاه عملية «السعودة» في سبتمبر/أيلول 1994، وتبعتها عدة خطوات على مدى سنوات طويلة، لكن كانت عبارة عن جهود من عدة قطاعات حكومية، دون وجود تنسيق بينها، وهو الأمر الذي يعتبره مراقبين سبباً أساسيا في فشلها.

ومن بين عوامل الفشل، أيضا، عدم توفير التعليم والتدريب اللازمين للسعوديين للوصول إلى الحد الأدنى من المهارات المطلوبة للوظائف التي ستتاح لهم.

علاوة على ذلك، لم يكن لدى الحكومة السعودية في السابق خطة موحدة أو توقعات واقعية تجاه العديد من المبادرات السابقة.

ففي منتصف العقد الماضي على سبيل المثال، حاولت الرياض إجراء عملية «سعودة» راديكالية بين وكالات السفر في المملكة.

في هذا الوقت، أعلن قطاع التجزئة، والذي يتضمن وكالات السفر، الوصول لشغل نسبة 11% من الوظائف بموظفين سعوديين، إلا أن الحكومة السعودية وبشكل مفاجئ، طالبت وكالات السفر في عام 2004، الوصول لنسبة 100% من شغل السعوديين للوظائف في أقرب وقت ممكن (ولم تعط وقتًا محدًدا للتنفيذ). وقف أصحاب المصالح ضد هذا المرسوم واحتجوا بشدة بعدم واقعية هذه النسبة، وقصر الوقت المسموح للوصول لها.

وبعد أن أغلقت قرابة الـ200 وكالة، وتم إلقاء القبض على عديد من الوكلاء، شكل ملاك الأعمال لجنة للتفاوض مع وزارة العمل، والتي رضخت لهذا الأمر، ووضعت مواعيد جديدة، ولوائح جديدة مربكة بعض الشيء لكنها أكثر مرونة. وكشفت هذه التجربة السيئة افتقار الحكومة السعودية للاستراتيجية اللازمة لتجاوز تحديات «السعودة»، وأن القطاع الخاص لديه القوة ليقاوم هذه الإصلاحات.

إيجابيات

لكن النهج السعودي الجديد للسعودية يحمل ربما يحمل بعض أوجه الإيجابيات – مقارنة بالسابق -؛ فتوحيد الجهة  القائمة خلف برنامج «السعودة» في «وزارة العمل والتنمية الاجتماعية» أمر إيجابي، وقد يضفي عامل نجاح.

أيضاً، يُعتبر تبني المملكة برامج من قبل التدريب المسبق للسعوديين قبل إحلالهم في قطاعات يتم سعودتها، أمرا إيجابيا، وإن كان البعض يقول فترات التدريب والتي لا تتجاوز عدة أشهر غير كافية.

وكذلك يقوم النهج الجديد على العمل بشكل تدريجي؛ بحيث لا يتم استبعاد العمال الأجانب بأعداد كبيرة دفعة واحدة أمراً جيداً؛ ما يقلل من مخاطر «السعودة» على الاقتصاد السعودي القائم حتى الآن بشكل كبير على أكتاف العمالة الأجنبية.

تحديات عدة

حتى مع ما سبق، فإن خطة «السعودة» الجديدة التي تتبعها الحكومة ستواجه العديد من التحديات.

وأول هذه التحديات، أنّ العديد من القطاعات المستهدفة في برنامج «السعودة» الكاملة، تُقدم وظائف منخفضة المهارة والتي يرفضها السعوديون تمامًا وينظرون لها بدونية؛ ما يعني وجود حاجة ماسة إلى تبنى برامج توعوية ضخمة لتعديل الثقافة المجتمعية تجاه العمل.

كما لا يزال التوافق غير قائم بين الحكومة والقطاع الخاص بشأن «السعودة»؛ بغض النظر عن ما يتم نشره من أرقام لالتزام القطاع الخاص بـ«السعودة»؛ فغالبيتها «وهمية».

و«السعودة الوهمية»، وهي حيلة يلجأ إليها بعض أصحاب المؤسسات والمنشآت الخاصة من إلحاق عدد من السعوديين بكشوف العمل بالمؤسسات أو ما شابه، لعدم الوقوع تحت طائلة القانون الذي يقضي بتعيين واستمرار عدد معين من السعوديين بالأعمال الخاصة التجارية بالمملكة كشرط للاستمرار.

فأصحاب العمل يفضلون العمالة الأجنبية على السعودية؛ فالأولى أقل تكلفة وأكثر مهارة.

والتحايل على «السعودة» له صور كثيرة، ومن ذلك ما كشف عنه مراقبون بخصوص مسالة «سعودة» قطاع الجوالات مؤخراً؛ حيث قام بعض ملاك المحال من السعوديين بإرسال الجوالات – التي تحتاج لصيانة - إلى عمالة وافدة تعمل في الباطن من منازلها، وهنا تبرز الحاجة مجدداً إلى تأسيس ثقافة مجتمعية إيجابية تجاه العمل.

كذلك، تشتكي وزارة العمل من عدم تعاون بعض الجهات معها في «سعودة» بعض الوظائف المشغولة بغير سعوديين مثل الجامعات والمؤسسات والهيئات العامة التي لا تملك الوزارة صلاحيات التوظيف على وظائفها.

وأخيرًا، لا تواكب المبادرات التعليمية في المملكة أهداف «السعودة». فضلا عن وجود اعتبارات اجتماعية تناهض خطط إلحاق النساء في بعض القطاعات.

تحديات عديدة تنبئ بأن الخطة الأحدث للسعودية باتجاه «السعودة» لن تكون مهمة سهلة، وإن كانت تتمتع بعديد من الإيجابيات، استفادة من إخفاقات الماضي.

لكن السعودية على ما يبدو ماضية قدماً في برنامج «السعودة» بعدما بات ضرورة ملحة نظرًا للارتفاع الكبير في مستوى البطالة بين الشباب، مع تزايد السكان، وانخفاض مداخيل النفط.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية سعودة توطين بطالة