«غزة والحركة الفلسطينية» كتاب للفلسطيني «حسان البلعاوي» يبرز أهمية القطاع الاستراتيجية

السبت 22 أبريل 2017 07:04 ص

صدر حديثًا عن «دار الشروق للنشر والتوزيع» في الأردن، كتاب «غزة والحركة الوطنية الفلسطينية» للدبلوماسي والإعلامي «حسان فتحي البلعاوي» .

أهدى المؤلف كتابه الأول باللغة العربية إلى ذكرى والده «فتحي البلعاوي» الذي عاش في غزة مطلع الخمسينات من القرن الماضي؛ وشغل منصب نقيب المعلمين الفلسطينيين وتميز بقدرته على جمع القوى السياسية الرئيسية في ذلك الحين: من جماعة «الإخوان المسلمين»، والحزب «الشيوعي الفلسطيني» في القطاع، و«التيار القومي»؛ وقادت نقابة المُعلمين التحركات الجماهيرية الكبرى ضد مشاريع توطين السكان اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء  وقتها، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية «سما».
جاء الكتاب في مائتي وأربع وعشرين صفحة من القطع المتوسط  مُوزعة على تسعة فصول تبدأ من تاريخ غزة القديم منذ الكنعانيين وصولًا إلى أعتاب العدوان (الإسرائيلي) على غزة في نهاية عام 2008 .

دور غزة داخليًا وخارجيًا

حاول «البلعاوي» تقديم  وقائع تاريخية وإسقاطها على الوضع السياسي الحالي وعرض تفسير للاستخدام السياسي لهذه الوقائع  اعتماداً على تجربته الشخصية و المهنية في المؤسسة الفلسطينية.

والكتاب مزيج من التاريخ المختصر والتحليل السياسي من منظور شخصي لمُخاطبة الرأي العام الغربي بهدف إيصال فكرة بسيطة تتمحور حول أنه لا سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الاوسط وضفتي البحر الأبيض المتوسط دون تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني المُتمثلة في المشروع الوطني الفلسطيني بما فيه غزه التي تُشكل فقط  1.33% من مساحة فلسطين، ومع ذلك شكلت منذ نكبة فلسطين الأولى في عام 1948 الساحة الرئيسة التي تتحدد فيها ملامح  المشهد السياسي الفلسطيني والذي يمتد الى بقية مساحات الوطن أو في منافي اللجوء  والشتات.

يتناول الكتاب الموقع الاستراتيجي المهم لغزة كمنطقة تواصل بين قارتي أسيا وإفريقيا لموقعها جنوب البحر الأبيض المتوسط، والتي  قال عنها القائد الفرنسي «نابليون بونابرت» بانها بوابة آسيا و جسر إلى إفريقيا.

وكانت غزة أول مركز إداري للكنعانيين في فلسطين، وقلعة متقدمة للفراعنة في مصر تصد الغزوات القادمة من آسيا، بالإضافة إلى كونها من أقدم مدن العالم كما أظهرت حملات تنقيب الآثار الأوروبية التي بدأت لعام 1894 بفريق سويسري مرورًا بالبعثات  البريطانية خلال الانتداب البريطاني، وصولًا إلى البعثات الفرنسية مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية والتي أشارت إلى وجود مدينة رومانية في مخيم الشاطئ.

الحقب التاريخية

 يستعرض الكتاب سريعًا الحقب التاريخية التي مرت بها غزة من فترة حكم الإمبراطور «الأسكندر المقدوني» وقيام مدارس فلسفية وجامعة، مرورًا بالحقبة المسيحية التي تركت عدة كنائس وآثارًا تاريخية مهمة ما زالت قائمة حتى اليوم، وانتهاءً بالفتح الإسلامي الذي شيد مساجد غنية بالمستوى المعماري، ومنها مسجد «السيد هاشم» ، جد رسول الله محمد «صلى الله عليه واله وسلم» والذي أعطى المدينة اسم غزة هاشم ، وصولًا إلى حقبة الحروب الصليبية أو حروب الفرنجة التي شهدت صلح الرملة بتوقيع القائد «صلاح الدين الأيوبي» مع ملك الفرنجة «ريتشارد قلب الأسد».

بالإضافة إلى توقف الكتاب أمام مرحلة النكبة وأثرها في التغير الجذري لغزة من زيادة سكانية تقدر بنحو 300% نتيجة لتدفق اللاجئين وما فرضه ذلك من وقائع جديدة، ووقائع عقد أول مجلس وطني فلسطيني برئاسة مفتي فلسطين الحاج «أمين الحسيني مطلع اكتوبر/تشرين الأول من عام 1948 في مدرسة الفلاح الذي اعتمد العلم الفلسطيني الحالي، كما دعم إنشاء حكومة عموم فلسطين كأول محاولة «كيانية فلسطينية» نالت اعتراف الجامعة العربية آنذاك، وكانت تصدر جواز سفر خاص بها ولديها وزراء ومبعوثين تجولوا في العالم لشرح القضية الفلسطينية بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة .

تأثير الإخوان

كما تناول «البلعاوي» الأسباب التي جعلت من جماعة «الإخوان المسلمين» الأكثر تأثيرًا في القطاع، والتي خرجت من رحمها الطلائع الأولى المُؤسسة لحركة «فتح"، كما تناول الكتاب تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة مطلع الخمسينيات من القرن الماضي لتُشكل إحدى الحاضنات  الرئيسية لولادة «الفكرة الوطنية الفلسطينية» بإسناد التحركات الجماهيرية التي قادتها نقابة المعلمين كائتلاف  بين تياري «الإخوان المسلمين» و«الحزب الشيوعي» وعدد من الشخصيات المُستقلة في محاولة لإفشال مخطط التوطين.

الاحتلال (الإسرائيلي)

كما استعرض الكتاب مرحلة الاحتلال (الإسرائيلي) الأولى للقطاع إثر «العدوان الثلاثي» على مصر في عام 1956 مُركزًا على تجربة «المقاومة الشعبية»؛ وعلى الرفض الشعبي لتدويل قطاع غزة طبقًا لمشروع طرحة وزير الخارجية الكندي آنذاك، متناولًا بروز الشخصية الوطنية الفلسطينية ببعدها القومي ودعوة الرئيس المصري الراحل«جمال عبد الناصر» إلى تأسيس «الاتحاد القومي» ثم «المجلس التشريعي» عام 1962 وصولًا إلى إنشاء منظمة «التحرير الفلسطينية».

قدم الكاتب قراءة لتطور المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة حركة «فتح» عبر مراحل متعددة  بدءًا من معركة «الكرامة» 1968 مُرورًا بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في عام 1982 والذي دفع إلى عودة الثقل النضالي الفلسطيني إلى الداخل المحتل واشتعال الانتفاضة الأولى من مخيم جباليا أواخر عام 1987 وما صاحب ذلك من هجوم السلام الفلسطيني والذي تجسد بدورة الاستقلال في «المجلس الوطني الفلسطيني» في الجزائر عام 1988 وصولاً إلى «حرب الخليج الثانية» وما نتج عنها من مؤتمر مدريد للسلام قاد إلى «اتفاق أوسلو» عام 1993 .

إنشاء السلطة الوطنية

ألقي الكتاب الضوء على انشاء «السلطة الوطنية» كمرحلة جديدة في مسار الحركة الفلسطينية تتلخص في محاولة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، حسب وصف  الرئيس الحالي«محمود عباس» لدى اجتماع المجلس المركزي لمنضمة التحرير في تونس في أكتوبر/تشرين الأول 1993.

ويقدم الكتاب قراءة  للمعادلة الصعبة التي حكمت النظام الفلسطيني الوليد بمحاولة الانتقال من حركة تحرر وطني إلى بناء مؤسسات دولة في ظل تجربة فريدة من نوعها  في تاريخ الشعوب الواقعة تحت الاحتلال تتمثل في إنجاز مُهمتين في آن واحد: البناء واستكمال مهام التحرير ويبرز الكاتب نهج «المدرسة العرفاتية» نسبة إلى الرئيس الراحل «ياسر عرفات» في قيادة الشعب الفلسطيني الى بر الامان بكل الطرق والوسائل وضمن خيارات وآليات سياسية يصعب فهمها ضمن منطق معيار الادارة الدولية.

الانتفاضة الفلسطينية الثانية

كما تناول الكتاب اندلاع «الانتفاضة الثانية» عام 2000 والتغير الجذري الذي فرضته، مرورًا بحصار الرئيس «ياسر عرفات واستشهاده وأثر ذلك على مجمل النظام الفلسطيني، ثم انتخاب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير «محمود عباس» رئيسًا  وانسحاب (إسرائيل) من قطاع غزة وصولًا إلى فوز «حركة حماس» في  انتخابات الدورة الثانية للمجلس التشريعي مطلع العام 2006.

شرح «البلعاوي» طبيعة وأسباب أول فوز للحركة الإسلامية في المشرق العربي وأبعاده مرورًا بالتجربة  القصيرة لحكومة الوحدة الوطنية، ثم الانقسام الواقع وسيطرة حركة «حماس» على غزة والذي  تبعه إعلان (إسرائيل) للقطاع ككيان معادٍ  وصولًا إلى المرحلة التي سبقت العدوان (الإسرائيلي)  في نهاية 2008  والذي توقعه الكاتب .

الكتاب وإن تحدث بوضوح عن المسؤولية الفلسطينية في مأساة غزة، إلا أنه لا يغفل مسؤولية (إسرائيل) المباشرة الأصلية ومسؤولية المجتمع الدولي تاريخيًا وعلى جميع الأصعدة في استمرار الاحتلال (الإسرائيلي)، ويُشير بوضوح إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية قوية وموحدة تضم جميع القوى الفلسطينية بما في ذلك «حماس» و«الجهاد الإسلامي»؛ وهي وحدها القادرة على صنع السلام القائم على الحد الأدنى من العدل المُرتبط بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية.

وطالب الكاتب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والتاريخية والأخلاقية ليعم السلام والعدالة في منطقة الشرق لتعود غزة مركز التقاء الحضارات كما كانت على مدى العصور.

يذكر ان المؤلف هو دبلوماسي واعلامي فلسطيني، يعمل منذ 26 عامًا في المؤسسات الإعلامية والسياسية لمنظمة التحريرالفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. ولد في نابلس في يوليو /تموز 1965 وأنهى دراسته الجامعية في فرنسا بحصوله على ماجستير من جامعة «السوربون» في الدراسات الأوروبية وكانت اطروحته الجامعية حول المتاحف في فلسطين وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا ENA.

المصدر | سما

  كلمات مفتاحية

غزة حركة فلسطينية أهمية القطاع