«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: رغم تباين المصالح.. الولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى السعودية

الأحد 23 أبريل 2017 05:04 ص

في 18 أبريل/نيسان، قام وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» بزيارة استمرت ليومين للعاصمة السعودية في إطار جولةٍ إقليمية لمدة أسبوع. وفي مؤتمر صحفي، قال الجنرال الأمريكي السابق أنّ المملكة «تسير نحو دورها القيادي الإقليمي». وأشار «ماتيس» أيضًا إلى السعودية باعتبارها أفضل شريكٍ للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.

وتتطلب كلمات «ماتيس» الدافئة بعض التفسير لأنّ العلاقات الأمريكية السعودية ظلت متراجعة لأكثر من عقدٍ من الزمان. وتاريخيًا، تعاملت الولايات المتحدة مع السعودية كحليفٍ وثيق، على الرغم من الاختلاف الكبير في القيم بين البلدين. لكن تضررت العلاقة بسبب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، التي نفذتها مجموعة تشترك في نفس الفكر السلفي الأساسي النابع من السعودية. ويذكر أنّ قرار عام 2003 الذي أصدرته إدارة الرئيس «جورج بوش» لتغيير النظام فى العراق والذي مكن القوات الشيعية الموالية لإيران من الاستيلاء على البلاد، قد زاد من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة. وازدادت حدة الانقسام بسبب قرار إدارة الرئيس «باراك أوباما» بالتوقيع على اتفاقٍ نووي مع إيران عام 2015. ومنح هذا الاتفاق الولايات المتحدة حليفًا قويًا في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنّه عزز قوة طهران في الوقت الذي كانت الرياض تعاني فيه من تراجع عائداتها.

ويتناقض هذا الاتجاه الأخير بشكلٍ حاد مع العلاقة بين البلدين منذ اجتماع عام 1945 الشهير بين مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك «عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود» مع رئيس الولايات المتحدة آنذاك «فرانكلين روزفلت»، على متن السفينة يو إس إس كوينسي في أكبر البحيرات المرة في مصر. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، تولت الولايات المتحدة وظيفة الحامي الأعظم للنظام في الشرق الأوسط.

وسابقًا، شغلت بريطانيا العظمى هذا الدور. وكان البريطانيون على علاقة وثيقة جدًا مع الملك «عبد العزيز» خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين. وخلال ذلك الوقت، قاد الأخير مجموعة من المحاربين القبليين والدينيين غزا بهم معظم الجزيرة العربية، وفي عام 1932، أسس المملكة العربية السعودية. واعتمد السعوديون على البريطانيين كضامنٍ أمني، خاصةً في الأيام التي سبقت حصول النظام الملكي على عائدات تصدير النفط الخام، الذي اكتُشف في عام 1938. وكان من الطبيعي بالنسبة للسعوديين احتضان الأمريكيين عندما برزت الولايات المتحدة كزعيم جديد للعالم الغربي.

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، كان الاتحاد السوفييتي قد تجاوز كونه حليفًا في الحرب العالمية الثانية ليصبح أكبر خصمٍ لأمريكا. واتبعت واشنطن استراتيجية احتواء ضد السوفييت. وتطلبت هذه الاستراتيجية حلفاء، وخاصةً في الشرق الأوسط، حيث سعى الكرملين أيضًا إلى المواءمة مع القوى العربية اليسارية التي كانت ثوراتها آخذة في الارتفاع في ذلك الوقت. وكانت السعودية، بحكمها الملكي الديني، حليفًا طبيعيًا في للجهود الأمريكية الرامية لمواجهة الأنظمة العلمانية الموالية للسوفييت، والتي ظهرت في العديد من الدول العربية بما فيها مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وجنوب اليمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية ذلك الوقت.

نتيجةً لذلك، أصبح النظام السعودي، بالإضافة إلى دولٍ عربية أخرى (وخاصة في الخليج العربي)، فضلًا عن تركيا وإيران، حليفًا وثيقًا للمعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومن المفارقات أنّ الولايات المتحدة، في محاولةٍ منها لمواجهة الاتحاد السوفييتي ووكلائه العلمانيين، قامت بتمكين الجماعات الإسلامية. وقد تعززت العلاقات الأميركية السعودية بشكلٍ أكبر حين أطاح الإسلاميون الشيعة المناهضون للولايات المتحدة بالملكية في إيران في ثورة 1979. ولكن لم يكن التحالف الأمريكي السعودي ضد الشيوعية أكثر أهمية في أي مكان مما كان عليه الحال في أفغانستان في الثمانينات. وقد دعمت الولايات المتحدة والسعودية، بالتعاون مع النظام العسكري الإسلامي في باكستان، المتمردين الإسلاميين ضد القوات السوفييتية التي كانت تدعم النظام الأفغاني الشيوعي.

وأنفق السعوديون مليارات الدولارات من عائدات النفط  لمساعدة الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. وفي المقابل، ظلت الولايات المتحدة هي الضامن الأساسي لاستقرار المملكة. وفي تلك الأيام، تغاضت الولايات المتحدة عن الطبيعة غير الديمقراطية للنظام السعودي وأيديولوجيته السلفية المتقلبة. ونشرت الولايات المتحدة 500 ألف جندي لحماية السعوديين بعد غزو العراق للكويت عام 1990، الأمر الذي قاد إلى حرب الخليج عام 1991.

وكان ذلك العام نقطة تحولٍ رئيسية. انهار الاتحاد السوفييتي، وانتهت الحرب الباردة. وفي الوقت نفسه تقريبًا، برزت حركة جهادية عالمية وتشكّل تنظيم القاعدة، وبرز كتهديد للمصالح العالمية الأمريكية. وكما أظهرنا سابقًا، كان الجهاد العابر للحدود هو النمو الطبيعي للسلفية، والتي كانت جذورها عميقة في السعودية. وقد تم تعزيز الجهاد العابر للحدود من خلال حاجة الولايات المتحدة إلى ميليشيات إسلامية متطرفة لمحاربة السوفييت وحلفائهم الشيوعيين.

تباين المصالح

ولذلك، تجاهلت الولايات المتحدة الروابط العضوية بين النظام السعودي والجهاديين لعقدٍ آخر. وقد خطط تنظيم القاعدة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول لكسر التحالف الأمريكي السعودي. وبالرغم من عدم نجاح الحركة الجهادية في تحقيق هذا الهدف، أضعفت الهجمات الروابط الأمريكية السعودية. وظهر تباين كبير بين المصالح الأميركية والسعودية. وأصبح واضحًا بشكلٍ تدريجي للأمريكيين أنّ القتال ضد الجهاديين والحفاظ على العلاقات مع المملكة، لم يكن ممكنًا في الوقت نفسه.

ولا يعد الجهاديون حلفاءً للنظام السعودي. بل يريدون إسقاطه أكثر من أي شيء. ومع ذلك، ونظرًا للتداخل في هوية وأيديولوجية الجهاديين والمملكة، لا تستطيع الرياض مواجهة الحركة. ولا يستطيع السعوديون تغيير طبيعتهم السلفية، ولا يمكن للجهاديين إضعاف النظام السعودي. وبما أنّ واشنطن بحاجة إلى شريك في هذه المعركة، فقد دخلت في علاقة معقدة ولكن تعاونية مع عدو الرياض الرئيسي، طهران.

وكان عام 2011 عامًا فاصلًا كذلك. وقد سحبت الولايات المتحدة قواتها من العراق، وتركت البلاد مفتوحة للإيرانيين. وبحلول ذلك الوقت، كان الربيع العربي قد بدأ منذ عام، وبدأ يجتاح العالم العربي. وكانت الدولة العربية الرئيسية الوحيدة التي لم تتأثر بالربيع العربي هي السعودية، والتي اضطرت للتعامل مع الفوضى الإقليمية. ومما زاد الأمور سوءًا، هبوط أسعار النفط عام 2014، الأمر الذي أدى إلى إصابة السعوديين بأضرارٍ خطيرة.

وعلى الرغم من تباين المصالح، لا تزال واشنطن بحاجة إلى الرياض بسبب الاستراتيجية الأمريكية لتوازن القوى. ولا ترغب الولايات المتحدة في أن ترى إيران تستفيد من الفوضى في العالم العربي وتستحوذ على كمية غير متكافئة من النفوذ. ولتحقيق هذه الغاية، يميل الأمريكيون أيضًا إلى تركيا لتولي دورًا إقليميًا أكثر بروزًا، وخاصةً في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتعتبر تركيا هي الزعيم الطبيعي للمنطقة، ولكن بسبب قضاياها الداخلية، فإنّ الأتراك ليسوا في وضعٍ يسمح لهم بالتدخل في هذا الوقت.

ويعني هذا أنّ الأميركيين بحاجة إلى السعوديين، وذلك على الرغم من أنّ الرياض لا تستطيع ضمان أمنها، وتعمل بشكلٍ وثيق مع الباكستانيين من أجل المشاركة مع التحالف الإسلامي العسكري على الأرض. وعلى أقل تقدير، لا ترغب الولايات المتحدة في أن يضعف السعوديون. لأنّ هذا قد يخلق مساحة أكبر، ليس فقط لإيران، ولكن أيضًا لتنظيم الدولة، وهذا هو الخوف الذي يشكل الآن أساس الشراكة الأمريكية السعودية.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية ترامب الولايات المتحدة العلاقات السعودية الأمريكية