مشروع قانون كارثي يخضع «الأزهر» وشيخه وهيئة «كبار العلماء» لهيمنة الرئاسة والأمن

الثلاثاء 25 أبريل 2017 06:04 ص

كشف مشروع قانون الأزهر الذي سيناقشه البرلمان المصري، عن ملامح مخطط الدولة لإخضاع المؤسسة الدينية الأولى، للسلطة التنفيذية، والقضاء على ما تبقى من استقلالها، والذي تعزز نسبيا عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

حيث سمح التعديل بتدخل واسع للرئاسة والأجهزة الأمنية في تعيين هيئة كبار العلماء، الجهاز الأهم في المؤسسة والمسؤول عن انتخاب ومحاسبة وربما عزل شيخ الأزهر، فضلا عن دوره في اختيار مفتي الجمهورية.

كما همش دور مشيخة الأزهر في ترشيح أعضاء الهيئة لصالح جهات تنفيذية تابعة للدولة أو مؤسسات لا علاقة لها بالأزهر معروف تبعية إدارتها لجهاز الأمن الوطني.

وكانت أصوات تعالت الفترة الماضية، تطالب بتعديل قانون الأزهر، وتتهمه بأنه عائق أمام حركة تجديد الخطاب الديني، وتعتبر مناهجه سببا في انتشار التطرف والإرهاب في مصر.

وتأتي الخطوة عقب صدام حاد، بين مشيخة الأزهر، ومؤسسة الرئاسة المصرية، على خلفية ما يسمى بـ«تجديد الخطاب الديني»، وأزمة «الطلاق الشفهي»، و«الخطبة الموحدة».

هيئة كبار العلماء

وتعد هيئة كبار العلماء، هي محور مشروع قانون «أبو حامد»، فمن خلالها يعين شيخ الأزهر، وعبرها يمكن محاسبته، والتحقيق معه، وعزله.

هذه الهيئة، في مشروع القانون، حكومية تابعة للسلطة بامتياز، بحسب ما وصفها مراقبون.

الهيئة خرجت من كونها تتم عن طريق ترشيحات شيخ الأزهر يتم اعتمادها من الرئاسة، إلى تعيين مباشر من رئاسة الجمهورية.

وبحسب مشروع القانون، زاد عدد أعضاء الهيئة من 40 إلى 50 شخصا (40 عضوا من كبار علماء الأزهر المتخصصين في مجالات المعرفة الإسلامية، من بينهم 4 سيدات على الأقل، و10 أعضاء من الخبراء في العلوم الدنيوية الأساسية، بينهم سيدتان على الأقل).

ويعد تفصيل هذه الهيئة، تدخلا تنفيذيا كبيرا من الدولة، في اختيار الأعضاء، الذي عادة ما يتم في مصر عبر تقارير أمنية.

ترشيحات الأعضاء خرجت أيضا من سيطرة شيخ الازهر، إلى مؤسسات أخرى، كرئيس جامعة الأزهر (المعين من الرئيس)، ووزير الأوقاف (المعين من الرئيس وعضو الحكومة التنفيذية)،  ومفتى الديار المصرية (المعين من الرئيس) ونقيب الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية (وهي كيانات لا تأثير لها وتدار من داخل الأجهزة الأمنية)، والمجلس القومي للمرأة (أسسته زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك ويهتم بأمور نسائية وحقوق المرأة لا علاقة له بامور دينية)، والمجلس الأعلى للجامعات المصرية (مكون من رؤساء الجامعات المعينين من الرئاسة بناء على تقارير أمنية) ووزير الشباب ووزير التربية والتعليم (المعينان من الرئيس وعضوا الحكومة التنفيذية)، والمجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي).

وبحسب مشروع قانون «أبو حامد»، فإن أمين عام الهيئة، يصدر بحقه قرار تعيين من رئيس الجمهورية.

المجلس الأعلى للأزهر

التدخل الحكومي، بدا واضحا أيضا في المجلس الأعلى للأزهر، وهو أعلى هيئة تضع سياسيات المؤسسة الدينية في البلاد.

وجاء تشكيل المجلس، طبقا لمشروع القانون برئاسة شيخ الأزهر، وعضوية وزير الأوقاف، ومفتى الديار المصرية، ونقيب الأشراف، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، ووكلاء الأزهر (معينين بقرار من الرئاسة)، ورئيس جامعة الأزهر، ونواب رئيس جامعة الأزهر (معينين بقرار من الرئاسة)، اثنان من أعضاء هيئة كبار العلماء (معينين)، واثنان من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية (معينين)، والأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر (معين بقرار رئاسي)، ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وأحد وكلاء الوزارة من كل من وزارات العدل، والتربية والتعليم، والتعليم العالى، والمالية، والخارجية (معينين)، و5 شخصيات عامة يعينهم رئيس الجمهورية.

تعيين وعزل شيخ الأزهر

القانون الجديد الذي اقترحه «أبو حامد»، تجاوز فكرة انتخاب شيخ الأزهر، ليجعلها بالتعيين من رئيس الجمهورية بناء على ترشيحات هيئة كبار العلماء.

فأطلقت المادة (8) من مشروع القانون، يد رئيس الجمهورية في تعيين شيخ الأزهر، إذ تقول: «يعين رئيس الجمهورية إمام وخطيب الجامع الأزهر من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء».

وهذه المادة، تتجاوز فكرة انتخاب شيخ الأزهر، حيث تضمنت المادة (5) من القانون الساري المعدل في يناير/ كانون الثاني 2012، على شروط لتولى المنصب، على أن «تختار هيئة كبار العلماء لهذا المنصب ثلاثة من بين أعضائها الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة بشأن شيخ الأزهر عن طريق الاقتراع السري في جلسة سرية يحضرها ثلثا عدد أعضائها، ثم تنتخب الهيئة شيخ الأزهر من بين المرشحين الثلاثة في ذات الجلسة بطريق الاقتراع السري المباشر، ويصبح شيخا للأزهر إذا حصل علي الأغلبية المنطلقة لعدد أصوات الحاضرين».

فضلا عن ذلك، حدد مشروع القانون مدتين فقط لشيخ الأزهر، تكون المدة فيها لمدة 6 سنوات، حين نصت المادة «تحدد مدة ولايته بستة سنوات، ويجوز إعادة انتخابه بعد انتهاء ولايته لمرة واحدة فقط».

مشروع القانون أيضا، لم يقصر إجراءات اختيار «الإمام الأكبر» على هيئة كبار العلماء، بل يشاركها في اختيار الثلاثة، أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، التي يتم تعيينها حكوميا، بناء على تقارير أمنية.

كما أن مشروع القانون الجديد، اقترح لأول مرة، معاقبة شيخ الأزهر، وإمكانية التدخل لعزله.

حيث نصت المادة (5) من القانون أنه «في حالة إخلال شيخ الأزهر بواجبات وظيفته يحال إلى لجنة تحقيق تشكل من أقدم سبعة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وذلك بناء على قرار من ثلثي أعضاء هيئة كبار العلماء، وتتولى هذه اللجنة التحقيق معه، فيما ينسب له وسماع أقواله، وتعد تقريرا بناء على ذلك إما بتبرئة ساحته، أو بإدانته مع اقتراح أحد الجزاءات التالية: الإنذار، اللوم، عدم الصلاحية. ويعرض هذا التقرير على هيئة كبار العلماء ويتخذ القرار فيه بأغلبية الثلثين».

وهذه المادة، تخالف قانون الأزهر الذي تم إقراره في يناير/ كانون الثاني 2012، ونص على انتخاب شيخ الأزهر وانتهاء خدمته ببلوغه سن الثمانين.

يشار إلى أنه في يوليو/ تموز 2015، أصدر «السيسي»، قرارا بقانون أعطى لنفسه الحق في إعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وهو ما روج له البعض بأن منصب شيخ الأزهر ضمن هذه الهيئات.

بيد أن هذا السعي، اصطدم مع المادة (7) من الدستور، التي تنص على أن «شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء».

وعلى الرغم من أن مشروع قانون «أبو حامد»، أعطى الحق في عزل شيخ الأزهر عن طريق هيئة كبار العلماء، إلا أنه زعم في تصريحات صحفية أن «القانون لا يخالف الدستور».

«الطيب» في سطور

والاسم الكامل لشيخ الأزهر الحالي، هو «أحمد محمد أحمد الطيب»، من مواليد 1946، في محافظة قنا بصعيد مصر (جنوب).

يحتل في الترتيب الرقم 48 بين أئمة الأزهر، حيث تولى منصبه في مارس/ آذار 2010، بقرار من الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك».

شغل من قبل، رئاسة جامعة الأزهر، حيث أنه أستاذا للعقيدة الإسلامية.

يتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وترجم عددا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، وعمل محاضرا جامعيا في فرنسا، ولديه مؤلفات عدة في الفقه والشريعة والتصوف الإسلامي.

وكان «الطيب» عضوا بأمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وعندما عُين شيخا للأزهر رفض الاستقالة من الحزب بذريعة عدم وجود تعارض بين الاثنين، لكنه بعد ذلك تقدم باستقالته.

كانت له فتوى مثيرة للجدل خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 (اطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك) بأن «المظاهرات حرام شرعا، ودعوة للفوضى».

وبالرغم من موقفه هذا، إلا أنه أيد مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 ضد الرئيس الأسبق «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب، وشارك في الصف الاول لبيان انقلاب الجيش عليه في 3 يوليو/ تموز 2013.

أعلن الاعتزال بقريته في الصعيد، أياما، عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، احتجاجا، قبل أن يعود مجددا إلى ممارسة مهامه، غير أن حملات الهجوم الإعلامي تتجدد كل فترة، وسط إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل وتلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط في إقصائه من المشهد.

أزمة تتصاعد

والأزمة بين «الطيب» ومؤسسة الرئاسة، تصاعدت في الشهور الماضية، على خلفية 3 أزمات رئيسية، بدأت برفض «الطيب» تكفير منتسبي تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم رفضه «الخطبة الموحدة»، وأزمة «الطلاق الشفوي»، وأخيرا أزمة «تجديد الخطاب الديني». (طالع المزيد)

وعقب وقوع أحداث تفجيرات الكنيستين، الشهر الجاري، قرر «السيسي» تشكيل «مجلس أعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف»، ومنحه صلاحيات لضبط الموقف على كل المناحي في مصر، وذلك خلال اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني، وهو ما وصفه بعض الإعلاميين بأنه تحجيم لدور الأزهر.

حيث من المتوقع، أن يتم إسناد مهام ما يسمى بـ«تجديد الخطاب الديني»، إلى المجلس الجديد، بصلاحيات تتجاوز المؤسسة الدينية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف، في ظل خلافات بين مؤسسة الرئاسة، و«الطيب».

الهجمة الإعلامية التى شُنت على الأزهر ومشايخه، فسرها سياسيون بأنها امتداد للأزمة المعروفة إعلاميا بـ«الطلاق الشفوى» التي وقعت في فبراير/ شباط الماضي، وذهب بعضهم إلى وصف الحملة بأنها تدل على الرغبة في السيطرة على مرافق الأزهر من قبل السلطة السياسية.

وظل الهجوم على الأزهر وقيادته أمراً نادراً في مصر، إلا من أصوات مفكرين قليلين يجاهرون بانتقادات لنهجه، لكن لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة حدة الانتقادات الموجهة للمؤسسة، والنبش في مناهجه وانتقاء نصوص منها، وتحميلها جزءاً من مسؤولية انتشار الفكر المتطرف.

إلا أن تصاعدت حدة الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، تصاعد منذ بداية العام الجاري، في ظل استغلال الأذرع الإعلامية المحسوبة على الدولة، للهجوم على المؤسسة الدينية الأولى في مصر. (طالع المزيد)

وبدا أن «السيسي»، غير راضٍ عن جهود الأزهر في هذا الصدد، إذ مازح شيخ الأزهر في خطاب، اقترح فيه تقييد مسألة الطلاق الشفوي، قائلاً: «تعّبتني يا فضيلة الإمام».

وسارع البرلمان المصري، فور إطلاق «السيسي» دعوته، إلى الإعلان عن إعداد مشروع قانون يحظر الطلاق الشفوي، بل يرتب عقوبات على الأزواج الممتنعين عن دفع حقوق زوجاتهم، فيما لاقت الدعوة ترحيبا من منظمات نسوية، لكن الملف أثار جدلا بين الفقهاء، وأعلن الأزهر رفضه صراحة المقترح الرئاسي.

وعلى الرغم من أن «الطيب» كان أحد أبرز الداعمين للانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، وشارك في البيان الذي ألقاه «السيسي» حينما كان وزيرا للدفاع آنذاك للإعلان عن خارطة الطريق، في مرحلة ما بعد «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، فإن حملات الهجوم الإعلامي تتواصل ضده، وسط إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل وتلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط في إقصائه من المشهد، وذلك عقب تشريعات برلمانية. (طالع المزيد) (طالع أيضا)

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزهر كبار العلماء تدخل حكومي السيسي مصر الأمن