سيناء خارج السيطرة.. عيد تحرير بـ«الأغاني» وقوى دولية تدير الملف السيناوي

الثلاثاء 25 أبريل 2017 03:04 ص

3 مظاهر فقط، تذكر المصريين كل عام بـ«عيد تحرير سيناء»، أولها اعتبار اليوم الذي يوافق 25 إبريل/نيسان من كل عام، إجازة رسمية في جميع مؤسسات الدولة، ثانيها أجواء احتفالية بالأغاني، مرورا باستعراض العديد من الأفلام السينمائية كخطوة ثالثة خلدت الذكرى في وجدان المصريين، دون صدى على أرض الواقع، أو حقائق تؤكد اكتمال عملية التحرير.

«سينا رجعت كاملة لينا.. ومصر اليوم في عيد»، «صباح الخير يا سينا»، «يا رايح على صحراء سينا»، «أرض الفيروز»، هكذا يحتفل المصريون كل عام بعيد تحرير سيناء، وهو اليوم الذي استردت فيه مصر سيناء بعد انسحاب الاحتلال (الإسرائيلي) منها، وفقا لمعاهدة «كامب ديفيد»، فيما تم استرداد مدينة «طابا» لاحقا بالتحكيم الدولي في 15 مارس/آذار 1989.

لكن «الرصاصة لا تزال في جيبي»، و«العمر لحظة»، و«سمراء سيناء»، و«الطريق إلى إيلات»، إضافة إلى مسلسلي «دموع في عيون وقحة»، و«رأفت الهجان»، وهي أعمال سينمائية ودرامية جسدت الصراع المصري (الإسرائيلي)، لم تستطع أن تعيد سيناء كاملة للمصريين، في ظل واقع يحمل حقائق أخرى، ومشاهد عنف وقهر ودمار تؤكد أن سيناء باتت خارج السيطرة، ولم ترجع بعد للمصريين.

تسريب مروع

التزامن المؤسف بين احتفالات مصر بـ«عيد تحرير سيناء»، والتسريب المروع، الذي بثته منذ أيام قناة «مكملين» المناوئة للانقلاب العسكري في مصر، يحمل اتهامات خطيرة للجيش المصري بتنفيذ عمليات قذرة في سيناء بحق سيناويين تمت تصفيتهم بدم بارد بعد القبض عليهم وهم معصوبي الأعين، ومكبلي الأيدي. 

«تسريب سيناء» أظهر عددا من الجنود المصريين مدعومين بميليشيا محلية في سيناء يطلقون النار بشكل مباشر على رأس اثنين من الشباب السيناوي العزل فيما يشبه الإعدام الميداني دون محاكمة أو تحقيقات، كما كشف الفيديو عن قيام منفذي عملية الإعدام، بإلقاء أسلحة آلية بجوار جثث الضحايا، والتقاط صور لهم، لإظهار مصرعهم وكأنه حدث إثر اشتباكات، لم تحدث من الأساس، بحسب التسريب.  

أصداء التسريب التي ترددت في أروقة الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية دولية، حملت إنذارا قاسيا بأن الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، حول ما كان قبل خمسة أعوام مجرد انتفاضة محلية صغيرة بدأت في سيناء إلى تمرد مسلح واسع النطاق في كل أرجاء مصر، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية.

يشير الخبراء إلى «وقوع هجوم إرهابي واحد على الأقل كل يوم في سيناء، في نفس هذا المكان الذي خاض فيه الجيش المصري ثلاث حروب مع إسرائيل»، ما يعني أن سيناء في عيد تحريرها الـ 35 تواجه عدوا داخليا شرسا مدعوما بقدرات تسليحية ضخمة، وتمويل أجنبي، فضلا عن قوى استخباراتية إقليمية ودولية باتت لها أصابع على علاقة وثيقة بتحريك دفة الملف السيناوي.

تنظيم الدولة

أحد أبرز اللاعبين الرئيسين على الطاولة السيناوية، ينفذ عمليات نوعية ضد مواقع وكمائن الجيش والشرطة في سيناء، مكبدا النظام المصري خسائر فادحة، امتدت من شمال سيناء، إلى جنوبها (هجوم سانت كاترين نموذجا)، وصولا إلى العاصمة المصرية القاهرة (هجوم الكنيسة البطرسية نموذجا)، ومدن دلتا النيل (هجوم كنيسة طنطا نموذجا)، ومحافظات الشمال (هجوم كنيسة الإسكندرية نموذجا).

وتنشط في محافظة شمال سيناء عدة تنظيمات؛ أبرزها «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مبايعة زعيم «تنظيم الدولة»، «أبو بكر البغدادي»، وغير اسمه لاحقا إلى «ولاية سيناء».

التنظيم الأخطر في سيناء، يقوده «أبوهاجر الهاشمي»، وهو ضابط سابق بالجيش العراقي، عقب تصفية «أبو دعاء الأنصاري» على يد الجيش المصري في أغسطس/آب الماضي»، ويملك تغيير دفة الأمور في سيناء، وتوريط مصر في أزمات كبرى (قصف ميناء إيلات الإسرائيلي نموذجا)، و(تفجير طائرة الركاب الروسية نموذجا).

يهاجم بقوة أكثر من 170 ارتكازا للجيش المصري، ويعتمد تكتيك العبوات الناسفة، والأحزمة الانتحارية، والهجمات المزدوجة، ما بين هجمات على  كمائن، وتنفيذ عمليات انتحارية بسيارات مفخخة، والهجوم بصواريخ متطورة، إلى تفجير مقار سكنية، وكمائن أمنية، وطائرات، وعمليات قنص، وغيره.

نظم التنظيم استعراضات عسكرية لقدراته في سيناء، ونفذ عدة عمليات كبرى في الشهور الأخيرة، ما كشف عن ثغرات في أكبر جيوش العالم العربي. وهو جيش تزيد خبرته في الحروب التقليدية عن الخبرة في التصدي لحركات تمرد.

نجح في إجبار الأسر المسيحية على النزوح عن محافظة «شمال سيناء»، رافعا عدد المهجرين قسريا إلى 155 أسرة، بإجمالي 546 فردا، بالإضافة إلى ذبح وتصفية 7 مسيحيين، وسط تهديدات باستهداف الأقباط داخل مصر.

ومنذ سبتمبر/أيلول 2013 تشن قوات مشتركة من الجيش والشرطة المصريين حملة موسعة في سيناء، امتدت من حملات الاعتقال العشوائي، إلى عمليات تصفية بحق مدنيين، إلى تهجير أهالي رفح والشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء، فضلا عن وضع المحافظة تحت حكم الطوارئ منذ أكثر من 3 سنوات، وفرض حظر التجوال في المدينة التي من المفترض أنها تحتفل بـ«عيد التحرير» كل عام.

أصابع عراقية وإيرانية

من «أبوهاجر» العراقي، إلى بنادق القنص «أي أم 500»، وقعت سيناء تحت سيطرة السلاح الإيراني، الذي نجح «تنظيم الدولة» في أن يغتنمه من المواجهات التي يخوضها في العراق ضد القوات العراقية، وميليشيات إيران و«حزب الله» في  سوريا، إضافة لقيامه بشراء بعضها من دول خارجية.

بنادق القنص الإيرانية راح ضحيتها عشرات الجنود المصريين في مدن سيناء، بدا ذلك في الفيلم الوثائقي الذي بثته وكالة «أعماق» الموالية للتنظيم، وحمل اسم «صاعقات القلوب»، وتضمن عمليات قنص عناصر التنظيم للعشرات من جنود الجيش والشرطة المصريين، جاءت إصابات بعضهم في مقتل، فيما توزعت الإصابات الأخرى ببقية أنحاء الجسم.

وبحسب خبراء، فإن البنادق المستخدمة في عمليات القنص، «صياد 50–AM»، وهي بندقية تحاكى بندقية القنص النمساوية «شتاير اتش اس 50»، وهي من أقوى أسلحة القنص في العالم.

وتستطيع بندقية «صياد AM-50» الوصول إلى أهداف على بُعد 1500 متر، بمعدل إطلاق نار من 3 إلى 5 طلقات في الدقيقة الواحدة، ويصل وزن البندقية الواحدة إلى 12 كيلو جرام، فيما يبلغ طولها متر ونصف، وتتمتع البندقية بخاصية الرؤية الليلية، كما يمكن تركيب أجهزة بصرية مختلفة بها، فضلا عن قدرتها على مشاهدة النطاقات الحرارية.

حضور استخباراتي روسي 

تعد حادثة تحطم طائرة الركاب الروسية «إيرباص321»، فوق منطقة سيناء صباح يوم 31 أكتوبر/تشرين أول 2015؛ ما أسفر عن مصرع 224 شخصا كانوا على متنها، وهم 217 راكباً، إضافة إلى سبعة أفراد يشكلون طاقمها الفني، البوابة التي فتحت الباب لتواجد روسي استخباراتي في شبه جزيرة سيناء، وأغلب المطارات المصرية.

وتبنى تنظيم «ولاية سيناء»، التابع لـ«تنظيم الدولة» المسؤولية عن تحطم الطائرة عبر زرع قنبلة على متنها.

ومنذ الحادثة يشرف ضباط روس على أمن المطارات المصرية، خاصة مطار القاهرة الدولي، ومطار شرم الشيخ، الواقع بمحافظة «جنوب سيناء»، كشرط وضعته موسكو قبل الموافقة على استئناف رحلات الطيران للقاهرة، والمنتجعات السياحية المصرية.

ويتنقل الضباط الروس بين السجون المصرية؛ لاستجواب بعض المعتقلين، في قضايا غالبا ما تتعلق بالملف الليبي والسوري، وفق مصادر أمنية.

ويقيم الضباط الروس في مقر وزارة الداخلية بمدينة نصر شرقي القاهرة، كما أن لهم مقرات في مبان تابعة لجهاز المخابرات الحربية، لكن تنسيقهم المباشر يتم عبر جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة، بحسب موقع «عربي 21».

وبدأ تواجد الضباط الروس في مصر منذ مطلع العام 2014 وحتى الآن في إطار ما يسمى «تنسيقا أمنيا موسعا» بين أجهزة المخابرات المصرية ونظيرتها الروسية.

تدخل جوي (إسرائيلي)

على غرار أزمة الطائرة الروسية، فتح إطلاق 4 صواريخ من سيناء المصرية تجاه «إيلات»، الشهر قبل الماضي، الباب لمزيد من التدخل (الإسرائيلي) في إدارة الملف السيناوي، ومزيد من التنسيق والتعاون الواسع بين الجيش المصري ونظيره (الإسرائيلي)، كما سيزيد من انخراط الاحتلال بصورة مباشرة في العملية العسكرية في سيناء، وسط تقارير عن قيام طائرات (إسرائيلية)، في مرات عديدة بتوجيه ضربات جوية لمسرح العمليات في سيناء ضد «تنظيم الدولة».

اعترافات وزير الدفاع (الإسرائيلي)، «أفيغدور ليبرمان»، فبراير/شباط الماضي، تؤكد ذلك حينما علق على حادثة استهداف مقاتلي «تنظيم الدولة» في سيناء، قائلا إن: «الجيش (الإسرائيلي) لا يترك أمرا دون رد»، في تلميح ضمني إلى وقوف قواته خلف الهجوم في سيناء المصرية.

وكان «تنظيم الدولة» في سيناء أعلن في وقت سابق عن استهداف طائرة (إسرائيلية) من دون طيار 5 مقاتليه كانوا يعتزمون إطلاق صواريخ على جنوب (إسرائيل).

وتؤكد صحيفة «المونيتور» الأمريكية، أن «طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من دون طيار دخلت إلى داخل الأراضي المصرية مرارا في محاولات لمراقبة الوضع ومنع أي خطر قد يهدد أراضيهم قبل حدوثه».

خلاصة القول، فإن «عيد تحرير سيناء»، يأتي هذا العام وسط معادلات أمنية معقدة، وتحولات إقليمية خطيرة، وتدخلات من قبل قوى إقليمية ودولية، ومواقف صعبة يعيشها النظام المصري، تحمل عدة رسائل، أبرزها أن عدم الاستقرار قد يطول في سيناء، وأن الجيش لم يحرز نجاحا كبيرا، وأن و«ولاية سيناء» أكثر ثقة، وهجماته تزداد شراسة، في وقت فقد فيه الجيش المصري فعليا الظهير الشعبي، لاسيما مع استمرار الانتهاكات الرسمية وعمليات التصفية وما كشفته تسريبات سيناء.

«الديكتاتورية العسكرية» في مصر، والتي يقودها الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، أصبحت تفقده السيطرة على الأوضاع بسيناء، وسط مطالبات بإجراء تحقيق في «جرائم الحرب» التي ترتكب في سيناء، ليس بيد الاحتلال (الإسرائيلي) الذي يحتفل المصريون اليوم بزواله، لكن بيد الجيش المصري، الذي يحاول استنساخ تجربة الصحوات العراقية، في نسخة مصرية تحمل اسم «فرقة الموت» أو المجموعة 103، وهي ميليشيا محلية تساند النظام المصري في محاولة للسيطرة على الأوضاع في سيناء.

العنف في سيناء.. حرب من صنع «السيسي»، وفق تعبير «الغارديان»، ويمكن القول إن «المشير» الذي وصل إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري في صيف 2013، نفذ باقتدار سياسة «صناعة العدو»، ودفع تطور المواجهات هناك إلى حرب عصابات، ومعركة استنزاف طويلة المدى، يمكن القول أنها نقلت البؤرة الملتهبة على الخريطة المصرية إلى مستوى أكثر خطورة يمكن تسميته بـ«المستنقع السيناوي»، الذي ينتظر عملية تحرير جديد، وفق معايير حقوقية، وسياسات أكثر عقلانية، وخطط تنموية ملموسة على أرض الواقع.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

عيد تحرير سيناء سيناء الجيش المصري عبد الفتاح السيسي ولاية سيناء تنظيم الدولة