تصاعد المواجهات بين قبائل سيناء و«تنظيم الدولة».. سيناريو «صحوات» العراق يتكرر

الأربعاء 26 أبريل 2017 06:04 ص

حادثتان في يوم واحد، أعادت إلى الواجهة مرة أخرى، تحول المواجهة بسيناء من الجيش والشرطة مع المسلحين، إلى مواجهة بين القبائل مع المسلحين.

التطور الذي شهدته سيناء في الموجهات، ينذر بتكرار سيناريو العراق، عبر استنساخ ظاهرة «الصحوات» التي تشكلت لمساندة السلطات، ضد جماعات متشددة، وهو ما يضع أبناء القبيلة الواحدة في مواجهة.

حادثتان

صباح أمس الثلاثاء، شهد استهداف عناصر تنظيم «ولاية سيناء»، الفرع المصري لتنظيم «الدولة الإسلامية»، بسيارة مفخخة تجمع لشباب قبيلة «الترابين»، ممن اشتبكوا من قبل مع التنظيم على خلفية اختطاف بعض عناصر القبيلة، وذلك بقرية البرث جنوب مدينة رفح.

وبحسب مصادر طبية وقبلية، أسفر الهجوم عن مقتل 4 وإصابة 6 من أهالي القبيلة.

أما في المساء، فانتقمت قبيلة «الترابين» من أحد عناصر التنظيم، عندما أشعلوا النيران في جسده.

وتناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لعملية حرق المسلح، مشيرين إلى أنها جاءت انتقامًا لدماء أبناء القبيلة الذي سقطوا جراء التفجير، مشيرين إلى أنهم تمكنوا من اختطافه عقب حادث التفجير بسويعات، حيث كان متواجدًا بمحيط موقع التفجير وقت وقوعه.

تأتي حادثتا أمس، على خلفية توتر الأوضاع بين «ولاية سيناء» وقبيلة الترابين، بعد احتجاز القبيلة ثلاثة من عناصر التنظيم على خلفية استهدافهم عدة مرات، كان آخرها حرق سيارات لأبناء القبيلة القاطنين في قرية البرث، وتفجير منزل أحد رموز القبيلة.

أعضاء تنظيم «ولاية سيناء» يعتقدون أن القبيلة تبدي تعاونا واسعا مع قوات الأمن، وتستهدف المسلحين والمدنيين أيضا، خاصة بعد الكشف عن الشخص الذي ظهر في تسريب مقطع الفيديو الأخير، وهو يسأل أحد الضحايا قبل إطلاق النار على رأسه عن اسمه، وهو «أحمد حماد»، وينتمي إلى قبيلة «الترابين»، وهو شخص معروف أنه مندوب للجيش ويتعامل تحديداً مع قائد معسكر «الشروق».

كما أن «إبراهيم العرجاني»، أحد مشايخ قبيلة «الترابين»، توعد المسلحين، واعتبرهم «مجموعة لصوص لن يستطيعوا المواجهة».

وفي تصريحات صحفية له، قبل أيام، قال: «أهالي سيناء الوطنيين يتصدون بقوة للإرهابيين، والأوضاع تحت السيطرة، وسيتم استئصال التكفيريين، وخلال أيام سيتم القضاء عليهم نهائيًا بالتعاون مع أجهزة الدولة الوطنية، وأهالي سيناء من جميع القبائل يساندون الجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب».

مواجهة سابقة

المواجهة بين «الترابين» و«ولاية سيناء» ليست الأولى، ففي أبريل/ نيسان 2015، وقعت اشتباكات حادة بين الطرفين، أسفرت عن مقتل العشرات.

وحينها زود الجيش المصري، بعض قبائل سيناء، من بينها «الترابين»، بالاسلحة لمواجهة التنظيم المسلح.

بدأت المواجهة، ببيان أصدره أحد أبناء قبيلة «الترابين»، وهي أحد القبائل ذائعة الصيت في القتال والقنص والحروب القبلية تاريخياً، حاملاً توقيعه، ومعه بضع عشرة اسماً من رموز القبيلة، يعلنون فيه المواجهة المسلحة لجماعة «ولاية سيناء».

صدر البيان من القاهرة، بعيداً عن حقيقة المشهد الميداني، فسارع أبناء القبيلة في المناطق القريبة من تواجد التنظيم إلى نفي مسؤوليتهم عنه وعن مضمونه.

في هذه الأثناء، انخرط التنظيم المسلح في الملاسنة ببيان مضاد وزعه على الأهالي في مناطق بجنوب رفح حمل عنوان «تهديد ووعيد»، توعد فيه كل من يستجيب لبيان «الترابين» الذي دعا القبائل إلى مواجهة مسلحي «ولاية سيناء».

كما بث التنظيم حينها، صورا لملثمين تابعين له يتجولون بأريحية في جنوب رفح، حيث معقل قبيلة «الترابين»، في إشارة ربما إلى خروج بعض المناطق عن سيطرة الجيش والشرطة.

وعندما رفض أحد أبناء «الترابين»، واسمه «عبد الباسط الأسطل»، استلام نسخة منه أثناء توزيعه في قريته البرث، استعرض «الأسطل» بسيارته أمام أعضاء التنظيم مثيراً للغبار في وجوههم، فأغضبهم، فتربصوا به على مدخل سوق القرية في اليوم التالي وقتلوه، ثم هدموا بيت «إبراهيم العرجاني» الذي أصدر البيان الأول.

وحينها، بدا البيانان، مؤشرا على بدء حرب لم تقف عند حدود المنشورات، وتحولت إلى السلاح.

وتحول بالفعل ذلك، إلى دماء على الأرض، عندما تم الإعلان عن مؤتمر قبلي موسع في منطقة «السر والقوارير» في وسط سيناء، لإنشاء تحالف قبلي لمساعدة الجيش في محاربة المسلحين، إلا أن الداعين إليه سرعان ما تراجعوا عن فكرة المؤتمر العلني وحوّلوه إلى اجتماع سري خشية استهداف المشاركين فيه من قبل أعضاء التنظيم.

وحرص البيان الصادر عن الاجتماع على تأكيد اسم المظلة الجديدة، «تحالف القبائل»، وعدم ربط هذه التحركات باسم قبيلة معينة حفاظاً على النسيج الاجتماعي والعشائري، بحسب البيان.

وبحسب مقال سابق للباحث «إسماعيل الإسكندراني»، قال: «يستحيل أن تعلن قبيلة منفردة مهاجمة أماكن تمركز التنظيم في أراضي قبيلة أخرى، ربما كانت الإضافة الوحيدة في إعلان هذا التحالف الوليد هي توفير غطاء مناسب لضم شركاء من قبيلة السواركة التي ينتمي أغلب القيادات والكوادر المحلية في التنظيم إليها».

وهو ما رد عليه التنظيم بذبح أحد أبناء «السواركة» أمام أبيه وإخوته الصغار، بجوار مسجد قرية المهدية، بتهمة التعاون مع الجيش، قبل أسبوع من الاجتماع.

واستمرت الأوضاع بعد ذلك، بين كر وفر، وهجوم من القبيلة أو أفراد منها على المسلحين، عبر اختطافهم وتسليمهم للأمن، في مقابل اختطاف المسلحين لأفراد من القبائل بدعوى التعاون مع الأمن، ومن ثم قتلهم، ونشر صورهم أو مقاطع فيديو أثناء قتلهم، ليكونوا عبرة لغيرهم.

وهو الأمر الذي كان له تأثير في إحجام العديد من السكان عن التعاون مع الأمن، للإبلاغ عن تحركات العناصر المسلحة، حتى أن البدو الذين كان يستغلهم الجيش في التحرك في الطرق الصحراوية الوعرة لملاحقة عناصر التنظيم المسلح، آثروا عدم التعاون بعد تزايد الانتهاكات ضد الأهالي من المسلحين.

تحالف غير مكتمل

وبحسب مصادر وتقارير صحفية، سعى الجيش نحو تجميع القبائل حوله لمواجهة تنظيم «ولاية سيناء»، غير أن شيوخ القبائل وضعت بعض الشروط، لم يحققها الجيش.

وحاول الجيش البحث عن شخصية قبلية لديها قبول واسع في سيناء، لكي تتمكن من تجميع الشباب والعائلات الكبيرة والقبائل ضد لمسلحين، إلا أنه لم يتمكن من إيجاد هذه الشخصية، لأن معظم شيوخ القبائل وكبار العائلات لا يقبلون بهذا التعاون إلا بشروط، تتصدرها وقف قوات الجيش والشرطة انتهاكاتها اليومية، من قتل واعتقالات وقصف جوي ومدفعي، وهدم لكل الأعراف والتقاليد البدوية.

وتضمنت الشروط أيضا، ضرورة وقف الانتهاكات بكل صورها بحق الأهالي، فضلا عن منح الحق لأهالي سيناء بتملك الأراضي، والبدء فورا في عملية تنمية شاملة وتوفير فرص عمل للشباب، وهو ما لم يستطع الجيش تلبيته.

وبات المتعاونون مع الجيش والشرطة، هم فقط عائلات صغيرة جدا، وعددهم محدود وليس لهم أي ثقل في سيناء مقارنة بالقبائل والعائلات الكبيرة.

صحوات مصرية

كان البديل للجيش، هو استنساخ ظاهرة «الصحوات» التي تشكلت في العراق لمساندة السلطة ضد جماعات متشددة، على غرار «الحشد الشعبي».

و«صحوات سيناء» هو تنظيم يضم مسلحين ينتمون إلى قبائل سيناوية، ويحملون أسلحة زودهم بها الجيش المصري، ويقيمون نقاطا للتفتيش.

وفي مدينة «الشيخ زويد» التي تقع بين «العريش» عاصمة شمال سيناء، و«رفح» المحاذية للحدود مع قطاع غزة، ينتشر هؤلاء المسلحون الذين يتم تزويدهم بالسلاح من قبل الجيش المصري وحتى بالذخيرة بل ويحاسبهم على عدد الطلقات التي يتم إطلاقها.

وظهر هؤلاء المسلحين في العام 2015، ويطلق عليهم اسم «المجموعة 103» أو «مجموعة الموت»، ويبرر الشق الأول للاسم بأنه على غرار الكتيبة التي تتمركز بها قوات الجيش وتحمل اسم الكتيبة 101، ومسلحي سيناء الذين يعطيهم الرقم 102.

أما الشق الثاني: «مجموعة الموت» فلأنهم «معرضون للموت في أي لحظة على يد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية لكنهم يهبون حياتهم من أجل الوطن والجيش»، وفق رواية أحدهم التي أوردها موقع «الجزيرة نت».

الناشط السياسي «أبو أحمد الرفحاوي» من جنوب رفح، يقول إن «معظم أعضاء الفرق المسلحة ١٠٣ لديهم سجل جنائي أو أحكام غيابية صدرت بحقهم في قضايا سابقة وتم إسقاطها مقابل التعاون مع الجيش».

قبل الانتشار الميداني في شوارع المدينة، كان دور هؤلاء المساندين لعمليات القوات المسلحة من أهالي سيناء، يقتصر على التواجد داخل معسكرات الجيش الذي كان يستخدمهم في التحقيق مع المحتجزين لتسهيل انتزاع المعلومات منهم، نظرا لانتماء كل من المحتجزين والمحققين لعائلات وقبائل المنطقة. في أحيان أخرى كان هؤلاء المدنيون يرافقون حملات الجيش أثناء مداهمتها لقرى جنوب الشيخ زويد وجنوب مدينة رفح وغربها وشرق الماسورة.

لكن تطور الحال إلى حمل هؤلاء الأفراد لسلاح الجيش وانتشارهم في شوارع المدينة علنا جاء ليعكس إدراك السلطات لصعوبة المواجهة التقليدية للمسلحين في سيناء عبر الحملات البرية، واضطرارها للاعتماد على فرق مشكلة من أهالي المنطقة فيما يشبه تجربة الصحوات في العراق.

«هناك مناطق لا يستطيع الجيش دخولها وحده بدون متعاونين منا، فنحن من نعرف العائلات بدقة والتوزيع الجغرافي للقبائل»، وفق رواية أحد أفراد الفرقة الذي شرح لـ«مدى مصر» طريقة عملهم.

يقول إن «فرقته تنتشر داخل الشيخ زويد في مجموعات مقسمة، كل مجموعة تضم خمسة أفراد بينهم قائد مسئول عنهم يكون حلقة الوصل مع الضابط الموجود داخل المعسكر، فجميعنا لا يستطيع التعامل مع قيادة الجيش مباشرة. ويمنح الجيش عددا منا حق التعامل بالسلاح وقت اللزوم فقط إذا تطلب الأمر».

وعن طبيعة نشاطهم يقول المسلح، إنهم قاموا بتنفيذ «عمليات نوعية» داخل الشيخ زويد، أغلبها تمثل في القبض على أفراد مطلوبين للجيش من منازلهم.

أصبح من المألوف الآن ظهور هؤلاء المدنيين الملثمين كعناصر ثابتة على نقاط تفتيش الجيش للتعرف على الأشخاص المطلوبين، وبذلك أضيف إلى ألقابهم العديدة وصف «أبو أصبع» أي الشخص الصامت الذي يرفع إصبعه ليشير إلى متهم مطلوب، أو إلى منزل لابد من هدمه.

ويحصل هؤلاء المسلحين من خلال عملهم مع «الصحوات» على راتب شهري من الجيش، بخلاف المكافآت المالية والعينية التي يحصلون عليها بعد تنفيذ عمليات خاصة، فضلا عن متطلباتهم اليومية من أكل وشرب وكروت شحن وطريقة نقل من مكان لآخر، ويحملون هويات شخصية مختومة من الجيش والمخابرات لتسهيل المرور على نقاط التفتيش، وتنفيذ العمليات النوعية دون التعطيل على الطرق.

لا يعرف أهالي المدينة كل من يعمل مع الجيش، فبعضهم معروف في المدينة بسبب تعاملات سابقة، بينما كثيرون آخرون يظلون مجهولين لسكان الشيخ زويد.

ولكن بعض سكان المدينة يتداولون بينهم أن الشكوك في التعاون مع الجيش تلاحق في أغلب كل من يحمل السلاح الميري من عائلات (الشواطرة والبطين والجريرات)، وبعض العائلات المنتمية إلى قبيلة «السواركة» بالمدينة.

أما الشيخ «إبراهيم المنيعي»، وهو رئيس اتحاد قبائل سيناء، اعتبر أن ظاهرة «الصحوات» هذه ليست إلا مجموعات قليلة تنتمي لعشائر صغيرة غير مدعومة من القبائل الكبيرة بالمنطقة.

ووصف الظاهرة بأنها ليست إيجابية وقد تتسبب بمشكلات في المستقبل للعائلات التي ينتمي لها هؤلاء المسلحون، وقد تجر العائلات إلى فتنة قبلية يصعب السيطرة عليها مستقبلا.

وتتعرض مواقع عسكرية وأمنية شمالي شبه جزيرة سيناء لهجمات كثيفة في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى مقتل العشرات من أفراد الجيش والشرطة، بينما تعلن الجماعات المسلحة المسؤولية عن كثير من هذه الهجمات.

وشهدت سيناء مؤخرا حالات من التهجير القسري وثقتها المنظمات الحقوقية خاصة في رفح والعريش، فيما بلغ إجمالي القتلى خارج إطار القانون 107 مدني، منهم 10 نساء و9 أطفال خلال الأشهر الثلاث الأولى فقط من 2017 وبلغ إجمالي المصابين ما لا يقل عن 111 مدني، منهم 28 امرأة، و21 طفلاً في نفس الفترة، طبقا لما ذكرته «منظمة سيناء لحقوق الإنسان» (غير حكومية).

وتعيش محافظة شمال سيناء أوضاعا أمنية متدهورة، تحكم حكم الطوارئ منذ أكثر من 3 سنوات، ازدادت سوءا في مدينة العريش، عاصمة المحافظة.

ويبدو أن التسريب الأخير الذي تم الكشف عنه عبر تنفيذ قوات تابعة للجيش عمليات غعدام خارج إطار القانون، يخصم من رصيد الجيش، ربما يدفع بالأوضاع في المنطقة إلى عمليات ثأر وانتقام قبلية تكبد السلطات المصرية خسائر فادحة على كافة المستويات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيناء قبائل الترابين مصر مسلحين ولاية سيناء العراق