«السيسي» يطيح باستقلالية القضاء انتقاما من «النقض» و«الإدارية العليا»

الجمعة 28 أبريل 2017 06:04 ص

في أقل من 48 ساعة، وبليل وعلى عجل، شهدت مصر تمرير واحد من أخطر القوانين والتشريعات التي تهدر مبدأ استقلالية القضاء، وتضع رأس العدالة تحت مقصلة السلطة التنفيذية، وسط غضب قضائي وتداعيات كارثية جراء القانون الجديد.

التعديلات التي جرت على قانون السلطة القضائية، أثارت غضب الكثير من القضاة، واعتبروها تعديا على مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات، وسط مناشدات للرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» بعدم التصديق عليها، لكن «السيسي» استبق تحركات القضاة وتهديداتهم بعقد جمعية عمومية طارئة، بالتصديق على القانون.

ونشرت الجريدة الرسمية في وقت متأخر من مساء أمس الخميس، التعديلات التي أجريت على قانون هيئة النيابة الإدارية، وقانون هيئة قضايا الدولة، وقانون السلطة القضائية، وقانون مجلس الدولة، لكن نادي قضاة مصر -وهو رابطة غير حكومية تأسست عام 1939- كان قد رفض القانون واعتبره مخالفا للدستور المصري.

ويتيح القانون الذي خضع لتعديلات للرئيس المصري اختيار رئيس كل هيئة من بين ثلاثة نواب ترشحهم الجمعية العمومية للهيئة، بعد أن كانت الجمعية تقدم مرشحا واحدا لرئاسة كل هيئة، ويقتصر دور الرئيس على التصديق على هذا الاختيار.

وتنص المادة في صيغتها النهائية بعد التعديل، على أن «يُعين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية، من بين ثلاثة من نواب الرئيس في كل جهة، يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة من بين أقدم سبعة نواب لرئيس الهيئة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية، حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله، ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يوماً على الأقل، وفي حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور، أو ترشح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة، يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة».

عمومية واستقالة وتدويل

موقف الأوساط القضائية لم يتصاعد بعد، ولم يخرج عن طور البيانات والمناشدات، وفي بعض الأحيان إطلاق التهديدات، وسط توقعات بتحولات في الموقف جراء تجاهل نداءاتهم للرئاسة المصرية، باحترام مبدأ الفصل بين السلطات، واعتبار القانون مخالفا للدستور المصري.

3 تهديدات صدرت عن قضاة مصر، منذ طرح التعديلات الجديدة أمام مجلس النواب المصري، مرورا بتمرير البرلمان للقانون، دون مناقشة ملاحظات مجلس الدولة، وأخيرا تصديق الرئيس عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، ما يعني سريان القانون.

مجلس إدارة نادي القضاة -عقب اجتماع طارئ له الأربعاء الماضي- طالب «السيسي» بعدم التصديق على القانون، ودعا إلى عقد عمومية طارئة في الخامس من الشهر المقبل، مهددا باستقالة جماعية لأعضاء مجلس إدارة النادي احتجاجا على ما وصفه بانتهاك استقلالية القضاء.

كما طالب النادي مجلس القضاء الأعلى -وهو أعلى سلطة معبرة عن القضاة- بالثبات على موقفه الرافض للقانون والالتزام بالثوابت القضائية، وإثبات القضاة اعتراضهم على القانون لمخالفته أحكام الدستور وانتهاك استقلال القضاء، وشدد على ضرورة الطعن على القانون بكافة طرق الطعن المقررة قانونا.

الخيار الثاني للتصعيد، بدا بحسب نادي قضاة مجلس الدولة، في إعلان عدم إشراف القضاة على الانتخابات البرلمانية مستقبلا، والمطالبة بإنهاء الانتدابات الخاصة بأعضاء مجلس الدولة، خاصة في مجلس النواب، إضافة إلى تسجيل الاعتراض على التعديلات التشريعية في محاضر جلسات المحاكم، والوقوف دقيقة حداد على إهدار القانون المشبوه لاستقلال القضاء.

لكن الأبرز في خيارات التصعيد، ما تضمنه بيان النادي من أن «كافة الخيارات مفتوحة بدءا من الاعتراض على القانون، مرورا بتدويل القضية، وانتهاء بالمطالبة بتعليق العمل في محاكم وأقسام مجلس الدولة المختلفة».

انتقادات وتحذيرات

أولى ردود الفعل كانت عبر منصة برامج التوك شو، وصدرت عن المستشار «محمد عبد المحسن»، رئيس نادي قضاة مصر، والذي اعتبر أن «الدولة المصرية هي الخاسرة»، بعد التصديق الرئاسي على قانون السلطة القضائية.

وقال «عبد المحسن» في مداخلة هاتفية مع برنامج «كلام تاني» المذاع على قناة «دريم»: «نهنئ مجلس النواب الموقر بهذا القانون سيئ السمعة».

وأضاف:«نؤكد أن مجلس النواب يملك سلطة التشريع واستغلها بالمخالفة للدستور، ونحن القضاة نملك سلطة الحكم وسنفرض إرادتنا بالقانون لتحقيق استقلال القضاء».

وتساءل المستشار «محمد زكي»، نائب رئيس مجلس الدولة،:«كيف يختار الرئيس من ينظر القضايا التي يختصمه فيها؟».

وأضاف في مداخلة هاتفية مع برنامج «كلام تاني» المذاع على قناة «دريم»:«أنتم تقولون لا يوجد مساس باستقلال القضاء، ولكن هل يجوز لرئيس الجمهورية أن يختار من يحاكمه؟».

وتابع:«رئيس مجلس الدولة ينظر في عشرات القضايا التي تختصم رئيس الجمهورية، فكيف يختار الرئيس من ينظر القضايا التي يختصمه فيها».

وقال المحامي والحقوقي المصري،«طارق العوضي»، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»،:«بعد ورود مذكرة مجلس الدولة بعدم دستورية قانون السلطة القضائية، البرلمان يتحدي الدستور ويقر القانون بشكل نهائي.. هذا زمان العبث».

ووصف الناشط الحقوقي «أسعد هيكل»، القانون، بأنه «انتكاسة كبيرة تمس استقلال القضاء ويعد من أخطر القوانين التي تقضي على السلطة القضائية في مصر، خصوصًا في عملية اختيار القامات القضائية في شغل المناصب المهمة في السلك القضائي، وهو الأمر الذي جعله القانون الجديد في يد رئيس الجمهورية، وبذلك ينهي مبدأ الفصل بين السلطات»، بحسب تصريحاته لصحيفة «المصريون».

واعتبر الكاتب المصري «فراج إسماعيل» في مقاله المنشور بصحيفة «المصريون» تحت عنوان «الإجهاز على القضاء بطريقة داعش»، أن ما حدث «هزيمة مريرة لسيادة القانون والعدالة. مذبحة للقضاء لم تشهدها مصر في أسود عصورها الديكتاتورية».

وأضاف «فراج» أن ما حدث «صراع سلطات يقوم به مجلس النواب، أو برلمان علي عبدالعال، بالوكالة عن السلطة التنفيذية، وحرب على طريقة داعش، يتم خلالها قطع رقبة كل سلطة مستقلة، فلا ترى أو تتنفس أو تتحرك إلا من خلال السلطة التنفيذية التي تملك القوة والجبروت».

فيما يرى الناشط الحقوقي «عزت غنيم»، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن القضاة الآن بلا ظهير سياسي، لسببين، أولهما أن «إعلانات صحف السلطة عن مكافآت شهرية للقضاة في ظل حالة اقتصادية مهترئة أفقد القضاة أي ظهير شعبي في معركتهم ضد النظام».

ثانيا، وفق «غنيم» يتمثل في أن «أحكام قضائية كثيرة أثارات الرأي العام ضدهم من أحكام بالإعدام بالجملة في قضايا سياسية إلى أحكام بالتنازل عن الأرض (تيران وصنافير) من محاكم غير مختصة».

قانون «دكروري» و«أنس»

على غرار القانون الذي عرف إعلاميا في مصر بـ«قانون جنينة» والذي أصدره «السيسي» عام 2015 وأتاح له عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات (أكبر جهاز رقابي حكومي) «هشام جنينة» على خلفية تقرير أصدره الجهاز بشأن حجم الفساد في مصر، يصف مراقبون التعديلات الجديدة التي طرأت على قانون السلطة القضائية بـ«قانون دكروري»، في إشارة إلى المستشار «يحيى دكروري».

«دكروري»، رئيس محاكم القضاء الإداري على مستوى الجمهورية ونائب رئيس مجلس الدولة، وصاحب الحكم الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المعروفة بـ«تيران وصنافير»، يونيو/ حزيران الماضي، وتؤكد مصادر قضائية أنه المقصود بالتعديل؛ نظرا لإصداره أحكاما عديدة على غير إرادة السلطة.

ووفقا لقاعدة الأقدمية المعمول بها حاليًا في تصعيد رؤساء الهيئات القضائية، كان من المنتظر أن يتولى «دكروري» رئاسة مجلس الدولة (هيئة قضائية معنية بمراجعة القوانين) في مصر، بعد تقاعد الرئيس الحالي للمجلس، المستشار «محمد مسعود»، نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

الهدف الثاني للتعديلات، الإطاحة بالمستشار «أنس عمارة»، نائب رئيس محكمة النقض، الذي أبطل العديد من أحكام إعدام الإخوان، حيث تنطبق عليه قواعد الأقدمية المطلقة في ترؤس مجلس القضاء الأعلى، وهو ما لا يرغب به نظام «السيسي»، الذي يريد التخلص من معارضيه تحت مظلة قضائية، تجنبا للانتقادات الحقوقية والدولية.

وكانت محكمة النقض (أعلى درجة تقاضي في مصر)، كشفت عن مجموعة من الثغرات القانونية التي وقعت فيها دوائر الإرهاب (تم إنشائها عقب الانقلاب على محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، ومعظم من يحاكمون أمامها من جماعة الإخوان)، أبرزها وأخطرها أنه «في أغلب قضايا الإرهاب اعتمدت محاكم الجنايات على تحريات جهاز الأمن الوطني (بمثابة جهاز استخبارات داخلي) كدليل رئيسي لا يعتبر ضمن الأدلة الجنائية المعترف بها قانونا».

ووفق تأكيدات المستشار «أحمد سليمان»، وزير العدل الأسبق، فإن الهدف من القانون منع وصول المستشار «يحيى دكروري»، نائب رئيس مجلس الدولة، من الوصول إلى رئاسة مجلس الدولة، ومنع المستشار «أنس عمارة»، نائب رئيس محكمة النقض وأقدم المستشارين سنا، من الوصول إلى رئاسة محاكم النقض ومجلس القضاء الأعلى، وفق تصريحاته لبوابة «مصر العربية» الإلكترونية.

يعزز فرضية علاقة مشروع القانون بالتوتر بين السلطتين القضائية والتنفيذية على خلفية قضية «تيران وصنافير»، إعلان هيئة الرقابة الإدارية نهاية ديسمبر/كانون أول الماضي عن قضية رشوة كبرى متورط بها أحد موظفي مجلس الدولة، وما تبعها من القبض على أمين عام المجلس المستشار «وائل شلبي» كأحد المتهمين في القضية، قبل الإعلان عن وفاته داخل محبسه شنقًا، وسط تقارير عن تخلص جهة سيادية منه عمدا.

 

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

قانون السلطة القضائية عبدالفتاح السيسي يحيى دكروري محكمة النقض تيران وصنافير الإدارية العليا

مصر.. وفاة المرشح الرئاسي السابق وأحد رموز استقلال القضاء هشام البسطويسي

رغم إشادات إنصاف المرأة.. كيف أحكم السيسي قبضته على القضاء؟