استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سـيـناء إلى أيـن؟!

الثلاثاء 2 مايو 2017 04:05 ص

لم يكن أحد يتصور أنه -وبعد مرور 35 عاما من استعادة سيناء- ستتحول هذه البقعة الإستراتيجية المصرية إلى ساحة لاستنزاف الأرواح وتهجير الأهالي منها، بدلا من أن تكون محلا للسياسات التنموية وتوطين ملايين المصريين فيها.

أظهر فيديو مسرب منذ أيام قوات ترتدي ملابس الجيش المصري وهي تقتاد عددا من الشباب مقيدين من الخلف، ثم ظهر شخص يتقن لهجة أهل سيناء وهو يستجوب شابا معتقلا عن هويته ومكان سكنه قبل أن يقتاده على بعد أمتار من بقية أفراد القوات ويرديه قتيلا بعدة طلقات.

التزم النظام الصمت -كما هي العادة مع التجاوزات المختلفة- تاركا لأذرعه الإعلامية وظيفة التشكيك في مصداقية الفيديو.

فما آثار هذا التسريب على الأوضاع في سيناء؟ وما وظيفة السياسات الأمنية القمعية؟ وكيف يمكن معالجة هذه المسألة؟

 

سيناء أرض مشتعلة

أولا: لا مجال لإخفاء الواقع، فبرغم أن سيناء منطقة أمنية مغلقة وممنوع دخول الإعلام إليها، فإن أهالي سيناء -وبعض شهود العيان الذين يتناقلون أخبار سيناء على مواقع التواصل الاجتماعي- سرعان ما كشفوا تفاصيل حول المكان والزي، وغيرهما من الأمور التي اعتمدت عليها وسائل الإعلام المصرية للتشكيك في مصداقية الفيديو، كما أعلنوا هوية الضحيتين.

وأكد هؤلاء أن الفيديو المسرب لم يأت بجديد وأن الواقع أسوأ بكثير، لأن هناك سياسة معتمدة لتعذيب وقتل المشتبه فيهم وتهجير أهل سيناء بدعوى محاربة الإرهاب.

وأكد هؤلاء أيضا أن هناك سياسة ممنهجة لزرع الفتنة بين قبائل سيناء عبر ما يسمى مجموعة الموت (103) التي تعرف باسم "صحوات سيناء"، وهم شباب من قبائل موالية للجيش يتم تسليحهم وتزويدهم بملابس عسكرية بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) في شمال سيناء.

هذا الأمر في غاية الخطورة وينذر بإدخال المنطقة في حرب أهلية مدمرة يتم فيها استنزاف هذه القبائل والجيش معا، ولن تصب في النهاية إلا لصالح المخططات الرامية لإضعاف مصر وتقسيمها، والزج بجيشها في حروب عدمية لن يخرج منها سالما.

ثانيا: مضمون هذا الفيديو ليس جديدا بالفعل، فما يجري في سيناء هو جزء من سياسة الصراع الصفري التي اعتمدها النظام في التعامل مع خصومه ومعارضيه منذ 2013.

فبجانب اعتقال عشرات الآلاف وصدور أحكام بالإعدام في حق الآلاف، وبجانب المجازر التي حدثت في الحرس الجمهوري وميدان رابعة وميدان النهضة وسيارة الترحيلات وغيرها؛ وثّقت جهات حقوقية مصرية ودولية عمليات قتل وتصفيات خارج القانون في حق قيادات وكوادر إخوانية أو إسلامية في مناسبات عدة خلال 2015-2016.

وفي كل هذه الحالات وفي ظل السيطرة الأمنية على الإعلام؛ كانت رواية قوات الأمن واحدة، وهي أن هؤلاء قُتلوا في تبادل لإطلاق النار عندما داهمت هذه القوات بؤراً لإرهابيين. هذه الممارسات تؤكد -المرة تلو المرة- الضوء الأخضر الممنوح لأجهزة الأمن للقتل والتنكيل، دون الخوف من أي مراقبة أو محاسبة على أفعالها، كما أكدت ذلك عدة منظمات حقوقية.

وهذا في الواقع نتيجة لتقنين بعض الإجراءات التعسفية، فقانون اﻹرهاب -الصادر بقرار رئاسي في 15 أغسطس/آب 2015- يشجع القائمين على إنفاذه على استخدام القوة القاتلة ويضمن إفلاتهم من العقاب، لأن القانون أعفاهم من المسؤولية الجنائية حال استعمالهم القوة لأداء "واجباتهم" أو "دفاعًا عن النفس والمال"! وهذا أمر يخالف الدستور والقانون وكافة القوانين والأعراف الدولية ذات الصلة.

ثالثا: بعد أن صار التزامُ النظام المصري الصمت بشأن اتهام قوات الأمن بعمليات قتل وتعذيب سياسةً معتمدةً، أصبح النظام لا يعير اهتماما حتى باعتراض الموالين له.

فمنذ أسابيع رفض النظام طلبا قدمه النواب الستة الممثلون لشمال سيناء في مجلس النواب، نادى بتحقيق جهة محايدة في شكوى أهالي العريش بشأن إعلان الأمن تصفية ستة من أولادهم في 10 يناير/كانون أول الماضي، بحجة أنهم متورطون في حادث كمين بالعريش، وذلك رغم أن قوات الأمن كانت قد قبضت عليهم في منازلهم قبلها بشهور.

وفي 14 من ذات الشهر عقد أهالي العريش مؤتمرا بديوان آل أيوب (إحدى عائلات العريش الكبرى)، حيث استمع الحضور لأهالي الضحايا وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين وهددوا بالعصيان المدني.

هذا مؤشر قوي على حقيقة أنه ليس هناك حلفاء للنظام، لأن هذا النمط من أنظمة الحكم لا يعترف إلا بنمطين من الناس: الخاضعين والتابعين له تبعية مطلقة، والخصوم الذين ليس لهم إلا الإقصاء والمعتقلات والمنافي، بل والتصفية الجسدية إذا لزم الأمر.

 

مقاضاة دولية

رابعا: هناك منظمتان حقوقيتان دوليتان أكدتا صحة الفيديو، هما منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش. لكن الأخطر هو أن هذه المنظمات الدولية ذهبت إلى أبعد من هذا، إذ طالبت بالمقاضاة الدولية لمرتكبي عملية التصفية خارج القانون.

فهيومن رايتس ووتشأعلنت أن "على الدول التي تقدم الأسلحة والعتاد والتدريب للجيش المصري أن تجمد هذه المساعدات، طالما أن القوات المسلحة المصرية مستمرة في تحمل مسؤولية انتهاكات متفشية وجسيمة لحقوق الإنسان". وأكدت أن "أعمال القتل البشعة هذه تؤكد أن حملة مكافحة الإرهاب المصرية في سيناء خرجت عن السيطرة. ولا يمكن لحلفاء مصر الزعم بجهل هذه الانتهاكات القاتلة".

بالطبع تتحمل الدول والشركات التي تصدر السلاح مسؤولية في هذا الشأن، لأن اشتراطات التصدير والتعاقد لا تسمح باستخدام السلاح ضد المدنيين أو العزّل أو الأسرى. ولولا النفاق الغربي لأمكنت مقاضاة العديد من مسؤولي دول العالم عن هذه الممارسات.

خامسا: يربط البعض بين الأوضاع في سيناء وأمرين آخرين: الأول له صلة بالإقليم ككل، فتفريغ سيناء من أهلها قد يكون تمهيدا لتهيئتها لحل إقليمي يتم بموجبه التنازل عن أجزاء منها لإقامة دولة فلسطينية عليها.

وهذا ما يظنه البعض "صفقة القرن" التي جاءت على لسان الجنرال عبد الفتاح السيسي في زيارته لواشنطن. لا تعليق رسميا على هذه الأخبار، وكل الأخبار التي يتم تداولها تأتي من مصادر إسرائيلية أو غربية.

أما الأمر الثاني فهو ارتباط الأوضاع في سيناء بأخبار عن مشاريع اقتصادية يتم الإعداد لها في سيناء وسيتم إسنادها إلى القوات المسلحة، ولهذا فالإجراءات الأمنية هدفها تفريغ مساحات محددة من الأرض لإقامة هذه المشاريع. ولا تعليق رسميا على هذه الأخبار أيضا، وإن كنت أستبعد أن يتم هذا في ظل التداعيات السلبية للسياسة المتبعة هناك.

 

سياسة التخويف والتيئيس

سادسا: أعتقد أن سياسات القمع والتنكيل في سيناء وفي مصر كلها تقوم بعدة وظائف، أهمها تعميق مشكلة الإرهاب والحفاظ على هذا الخطر، إلى جانب زرع الفرقة بين القبائل في سيناء وبينها وبين الجيش، وهو ما يضمن استمرار ممارسات الدولة البوليسية، فمصدر شرعية هذه الدولة -في الداخل والخارج- مرتبط بدورها في محاربة ما يسمى الإرهاب.

كما أن الإصرار على إغراق البلاد بهذا الكم الهائل من الانتهاكات والتجاوزات يقوم بوظيفة أخرى، وهي دفع الناس إلى التعود على الدماء والانتهاكات من جهة، ودفع الجهات الحقوقية وكافة القوى الوطنية إلى حالة من اليأس والقنوط من القدرة على مواجهة جبروت النظام من جهة أخرى.

هذه السياسة تشبه إلى حد كبير سياسة الصدمة والترويع التي لا هدف لها إلا إدخال الخوف واليأس والرعب في نفوس الناس وكافة المعارضين، ولا سيما مع اقتراب موعد ما يطلق عليه النظام "الانتخابات الرئاسية".

كما أن عمليات القمع والتصفية الجسدية خارج القانون تكاد تقتل القضاء المصري كلية وتقضي على ما تبقى من ثقة فيه. لقد أهين القضاء كمؤسسة في عدة مناسبات في السابق بدءا من الأحكام المسيَّسة، ومرورا بالأحكام الصادرة في حق القُصّر والموتى، وانتهاءً بالإفراج عن مزدوجي الجنسية أو الأجانب بيننا تعج السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين المصريين.

إن الاستمرار في زرع الإرهاب والتخويف وبث اليأس وفي تخريب القضاء، هدفه في النهاية الوصول إلى دولة لا تحكمها إلا الأجهزة البوليسية والمخابراتية دون أي قيد أو رقابة، بحجة محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن.

وبالمناسبة هناك في الأجهزة الأمنية من يعتقد أن هذه الأجهزة أخطأت منذ خمسينيات القرن العشرين في الحديث عن الحريات والديمقراطية والتعددية، وأنه كان ينبغي لها (أي لهذه الأجهزة) الانفراد بالحكم مباشرة منذ ذلك الوقت!

أخيرا: لن تجدي الحلول الأمنية فقط شيئا في مواجهة الإرهاب بسيناء، كما أن حل مشكلة سيناء غير ممكن إلا بحل مشكلة مصر كلها. ومشكلة مصر لن تحل بانتظار أن يستيقظ الطغاة ويتوبوا، أو أن يرفع الداعم الخارجي الدعم عنهم. فالقوة لا يوقفها إلا القوة، ولن يتوقف جبروت هذه الأجهزة الأمنية ما دامت القوى الوطنية منقسمة وتتحرك بلا عقل مدبّر، وبلا مشروع جامع وعمل مؤسسي يوّحدها.

الدول البوليسية لا يوقفها إلا اتحاد الجميع ضدها وإنهاؤها، وإعادة بناء النظام السياسي على أساس تمكين الشعب بكافة طبقاته وفئاته، وإشراكه -على قدم المساواة- في المعادلة السياسية عبر مؤسسات سياسية منتخبة ومسؤولة وتعمل في شفافية وتمكن محاسبتها وإقالتها، وعبر مؤسسات أمنية ومخابراتية وعسكرية بعيدة تماما عن السياسة والاقتصاد وتمكن مراقبتها ومحاسبتها على أعمالها، وعبر مؤسسات قضائية ورقابية وإعلامية مستقلة تمامة عن السلطة التنفيذية.

* د. عبد الفتاح ماضي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية ومعهدد ويلسون بواشنطن. 

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية

مصر سيناء صحوات سيناء تهجير أهل سيناء النظام المصري الجيش المصري التخويف والتيئيس مقاضاة دولية الدولة البوليسية الحرب على الإرهاب السياسة الأمنية القمعية صفقة القرن