«ناشيونال إنترست»: «السيسي» يدمر الاقتصاد المصري بتمكين الجيش

السبت 6 مايو 2017 06:05 ص

منذ عهد «جمال عبد الناصر»، اعتمدت الدولة المصرية على توقعاتٍ تفوق قدراتها في مقابل مواقف سياسية هادئة. ونتيجةً لانخفاض الإيرادات بسبب عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي زاد من آثار الانكماش الاقتصادي العالمي، أصبحت مصر الآن في حاجة إلى توخي الحذر تجاه الإصلاحات الاقتصادية الفعالة. وقال الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في توقيعه اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي أنّه يأمل في منع الاقتصاد من الانهيار والحصول على متنفس لاتخاذ التدابير اللازمة لتحسين مسار مصر الاقتصادي. ولسوء الحظ، لا يبدو أنّ بعض الإصلاحات المخطط لها قد ترى النور في ظل استمرار عناصر أخرى راسخة في الاقتصاد المصري.

العنصر الأول، فيما يتعلق بمسألة الدعم، لم تحرز الحكومة المصرية تقدمًا يذكر. وفي حين يسيطر على الشعور الشعبي اعتبار الدعم شبكة أمان ضرورية للشرائح الأفقر من المواطنين في البلاد لضمان قدرتهم على الحصول على السلع الأساسية، فإنّ الدعم يغطي أيضًا الشرائح الغنية ويأتي ذلك على حساب الحكومة. ومع ذلك، خفضت الحكومة المصرية الدعم على الخبز في أوائل مارس/آذار، وأثارت هذه الخطوة الاحتجاجات في شوارع الإسكندرية. وردًا على ذلك، هرعت الشرطة إلى تسليم الخبز مجانًا، وتم الإعلان بعد يومٍ واحدٍ أنّ تخفيضات دعم الخبز سيتم إلغاؤها. وبحلول نهاية الشهر، كان كبار المسؤولين يناقشون إمكانية زيادة الدعم الغذائي. وبالمثل، في عام 2014، بذل جهد للحد من دعم الوقود تدريجيًا، غير أنّه تم إنهاء البرنامج بعد أول تخفيضٍ طفيف. ومن المرجح أن يستمر هذا النهج لأنّ الدعم، بطريقةٍ ما، يشكل اتفاقًا ضمنيًا حول طريقة قانونية ومنظمة للحكومة لتوجيه الأموال إلى الجمهور مقابل الدعم الشعبي.

ثانيًا، على الرغم من أنّ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يهدف رسميًا إلى تنمية القطاع الخاص، يبدو أنّ الواقع على الأرض يتحرك في الاتجاه المعاكس. وبحسب «عمرو عدلي»، عضو مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإنّ القطاع الخاص في مصر «مهمش، بل ويواجه عداء»، حيث تلعب القوات المسلحة المصرية دورًا متزايدًا في تنفيذ المشاريع الحكومية وصنع القرار الاقتصادي، حيث تسيطر القوات المسلحة المصرية على ما يقدر بثلث الاقتصاد المصري.

وتراجع دور القوات المسلحة المصرية في الاقتصاد المصري قليلًا خلال أعوام التحرر من عهد «مبارك»، لكنّه توسع منذ ذلك الحين بعد الإطاحة بـ«محمد مرسي». وفي الواقع، يفترض البعض أنّ الرأسمالية المحسوبة على الرئيس «مبارك» قد تسببت في تآكل شرعيته في نظر الجمهور، وبالتالي، تتعمد الحكومة الحالية تجنب مثل هذا النهج. وأيًا كان السبب، فقد أظهر الرئيس «السيسي» بوضوح أنّه يفضل القوات المسلحة المصرية على القطاع الخاص، وذلك من خلال منحها دورًا رائدًا في أكبر مشروعٍ للبنية التحتية في فترة ولايته، تجديد قناة السويس، وهو المشروع الذي تكلف أكثر من 9 مليارات دولار. ومن بين المشاريع الكبرى الأخرى والتي يمكن للجيش المصري أن يلعب فيها دورًا رائدًا، برنامج الفضاء المصري والبرنامج النووي، وكلاهما سيكون مكلفًا للغاية، ومشكوكٌ فيه من حيث الفائدة، وأقل إلحاحًا أو أهمية، من تحسين وظائف الدولة الأساسية.

وتضع القوات المسلحة المصرية أيديها في كل صناعة من صناعات البلاد، بدءًا بالوقود وحتى المياه المعبأة في زجاجات، وحتى أنّها تتوسع في مجالات مثل المستحضرات الصيدلانية. وفي ظل الظروف الحالية، يؤثر نهج القوات المسلحة المصرية على علاقات مصر الاقتصادية الخارجية من خلال القيام بدورٍ بارزٍ في الاتفاقات بين حكومتي مصر والمملكة العربية السعودية، ومصر والإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن سائر المستثمرين الأجانب.

وقد اتخذت مصر بالفعل خطوةً مؤلمةً نحو تحسين آفاقها الاقتصادية، حيث خفضت من قيمة عملتها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016. وعلى مدى بضعة أيام، فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته، والتي من الواضح أنّها خطوة لم تحظَ بالشعبية بين الجمهور المصري. وفي المقابل، تهدف هذه الخطوة إلى جعل مصر أقل تكلفة، وبالتالي تصبح وجهة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي والسياحة، على الرغم من أنّ قدرة البلاد على جذب المستثمرين والسياح لا تزال تعتمد على قدرتها على تحقيق قدرٍ أكبر من الاستقرار السياسي. بيد أنّ الإصلاح الاقتصادي الكبير الوحيد لنظام «السيسي»، لم يؤد إلا إلى تخفيض قيمة الجنيه، وخدمة مصالح المشاريع الاقتصادية المحلية للجيش، عن طريق التسبب في مضاعفة أسعار الواردات بين عشيةٍ وضحاها.

ويقف الرئيس «السيسي» في وضعٍ صعبٍ نوعًا ما، حيث يتعين عليه الاختيار بين الخصخصة، وبالتالي خيانة ربما أقوى مؤسسة في البلاد، الجيش، أو السماح للقوات المسلحة المصرية بتعزيز قبضتها على الاقتصاد المدني. وفي الوقت الراهن، يبدو أنّه قد قرر استراتيجية إصلاح يتخذ فيها خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.

  كلمات مفتاحية

السيسي الاقتصاد المصري تعويم العملة رفع الدعم

صحيفة: مشروع قانون مصري يهدد امتيازات الجيش الاقتصادية

«تشاتام هاوس»: أرقام خادعة.. و«السيسي» يعطي بيد ويأخذ بالأخرى

«و.س. جورنال»: «السيسي» يخاطر بالمراهنة على تحمل المصريين للألم الاقتصادي