قوة عظمى هادئة في آسيا: توازن الجيش الباكستاني بين السعودية وإيران

الأربعاء 10 مايو 2017 10:05 ص

عندما يفكر المرء في الجيش الباكستاني، لا يفكر المرء بقوة في صلته بالصراعات في الشرق الأوسط، مع أنه منخرط على نحو متزايد - بدون مشاركة فعلية في أي عمليات - وهو يعد من أكثر القوى العسكرية تأثيرا في المنطقة. فقد تم تدريب الجيوش العربية في باكستان أكثر من أي بلد آخر، وكان جيش باكستان له دور قتالي في الحروب العربية الإسرائيلية في 1967 و 1973، وقدم أيضا التوجيه عند تأسيس جيوش دول الخليج.

ويرجع ذلك في معظمه إلى إرث الجيش الهندي البريطاني، الذي كان ثلثه من المسلمين، والذي اعتمد عليه البريطانيون لتهدئة المسلمين العرب عندما سار البريطانيون عبر القدس ودمشق وبغداد. وبعد تقسيم الهند في عام 1947، أصبحت هذه القوات أساسا للجيش الباكستاني، وبالتالي بدأت قصة طويلة موجودة حتى يومنا هذا. وبعد سقوط «صدام حسين» والجيش العراقي، وتصاعد النفوذ الإيراني المتصاعد في الشرق الأوسط، بدت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية تتجه نحو باكستان كضامن نهائي.

وعندما صرح رئيس هيئة الأركان الباكستانية الجنرال «قمر باجوا» مؤخرا بأن باكستان تعتبر حماية المملكة العربية السعودية حماية لنفسها، فإن ذلك اعتبر تحذيرا غير مباشر لإيران والجماعات المسلحة التي تهدد السعودية.

أما حول من سيقود «التحالف الإسلامي»، وهو تحالف عسكري جديد يقوده السعوديون ضد الإرهاب، فإنه لا يوجد سوى الباكستاني «رحيل شريف».

التوترات المفاجأة

وكان هناك غضب من دول مجلس التعاون الخليجي عندما رفض الجيش الباكستاني في نهاية المطاف المشاركة في اليمن في عام 2015. وبعد ذلك، ألغت دولة الإمارات العربية المتحدة إعفاءات التأشيرات للمسؤولين العسكريين الباكستانيين، وهي عملية كانت قائمة منذ عقود، في الوقت الذي هاجمت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الكويت والسعودية باكستان وكيف طعنت «أشقاءها» في الخليج. ويبدو أن غالبية العسكريين كانوا يؤيدون مشاركة الجيش. غير أن الجيش كان منشغلا بمواجهة الجماعات الإرهابية المحلية على الحدود الأفغانية في شمال وزيرستان.

في نهاية المطاف، لم تشارك باكستان في اليمن مع القوات على الأرض، ولكنها قدمت الدعم على الحدود لحراسة السيادة السعودية وتقديم المشورة خلال الحملة الجوية. ومع ذلك، بعد عامين من عمليات الجيش الباكستاني في شمال غرب البلاد، يوجد هناك استقرار متزايد داخل الجيش، وتكتيكيا، أصبحت القوات متاحة الآن. لذا فإن مسألة دور أكثر فعالية لباكستان في اليمن قد تنشأ مرة أخرى.

إن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المملكة العربية السعودية تعود إلى باكستان للحصول على المساعدة، على الرغم من رفضها السابق في اليمن، هو أن باكستان و«رحيل شريف» نفسه حذر من أن العمليات البرية في اليمن عقيمة نظرا للتضاريس، مما يجعل من المعركة غير عملية وثبت في النهاية أنه محق.

وفي حين أن باكستان أكدت أنها لن تضع قوات في اليمن، يمكن للجيش أن يساعد من خلال التوسط عبر آليات حل النزاعات التي استخدمها بنجاح في وزيرستان ووادي سوات.

الخيار الواضح

يعد الجنرال «رحيل شريف» خيارا واضحا لدور قائد الناتو المسلم نظرا لشعبيته الهائلة في العالم العربي، وخاصة في السعودية. وبصفته قائدا للجيش، فإنه قام بزيارات رسمية إلى المملكة العربية السعودية، وجلب القطريين إلى المدار العسكري الباكستاني، ووضع العلاقات المصرية الباكستانية على المسار الصحيح حيث كان أول باكستاني في منصبه يقوم بزيارة القاهرة خلال أكثر من عقدين. وفي عام 2014، كان «شريف» هو الوحيد غير رئيس الدولة الذي يشارك في حضور التمارين العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي.

وهناك أيضا روابط تاريخية وثيقة بين السعودية وباكستان تجعل «شريف» خيارا سهلا. وعلى مدى عقود، تعامل السعوديون وغيرهم من أمراء الخليج مع الجيش الباكستاني ورئيسه كضيوف خاصين. وكان هناك حديث عن باكستان التي توفر مظلة نووية ضد إيران، يمكن أن مطرقة محتملة إذا كانت هناك حاجة إلى حماية دول مجلس التعاون الخليجي.

في الواقع، اتهمت إيران والعديد من المنظمات الدولية باكستان بدعم قمع المتظاهرين في البحرين بناء على طلب السعوديين. وعندما تعرضت السفارة السعودية لهجوم من قبل الغوغاء في طهران العام الماضي بعد إعدام رجل دين شيعي بارز، قام «شريف» بمبادرة دبلوماسية استمرت ثلاثة أيام للتوسط بين البلدين وتهدئة المخاوف من التصعيد الذي أدى بالفعل إلى علاقات محفوفة بالمخاطر في سوريا واليمن.

وكانت هناك تقارير غير مؤكدة بأن باكستان هددت بإغراق إيران إذا تجرأت على مهاجمة السعودية. وفي هذه اللحظة، يوجد 158 من الطلاب العسكريين السعوديين في الأكاديمية العسكرية الباكستانية، في كاكول، أبوتاباد، وهو رقم قياسي لأي قوة في الخارج في أي أكاديمية عسكرية في العالم.

وهناك تاريخ آخر للجيش الباكستاني: فقد أصبح أول بلد مسلم لديه مدرب دائم في الأكاديمية العسكرية الملكية في ساندهيرست وهو المدرب، الرائد «عقبة مالك»، وهو قائد فصيل يضم العديد من الطلاب العرب تحت قيادته جنبا إلى جنب مع الطلاب البريطانيين. وعلى مدى العامين الماضيين، كان كبار الضيوف في أكاديمية القوات الجوية الباكستانية في ريسالبور من رئاسة قوات الدفاع العراقية والسعودية. وكان هناك 12 من الطلاب العراقيين في العام الماضي وعددا أكبر هذا العام.

وبالمثل في دمشق، أرسلت باكستان واحدا من كبار جنرالات القوات الجوية سفيرا لتخفيف التوتر والعمل كوسيط بين السعودية وسوريا. وكانت أول زيارة رسمية قام بها رئيس الجيش الحالي «قمر باجوا» في الخارج، هي زيارة قام بها إلى المملكة العربية السعودية استمرت ثلاثة أيام. ولم يكن من قبيل الصدفة أن سلفه «شريف» كان أيضا في السعودية في نفس الوقت يؤدي عمرة بدعوة من الملك السعودي. وهناك أيضا العديد من أشرطة الفيديو المشتركة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي حول شريف الذي اعتبر كبطل وشكلت له حراسة من القوات الخاصة السعودية.

باكستان كوسيط بين إيران و السعودية

إلى جانب مواردها العسكرية الشاسعة التي تم نشرها على مدى العقود الماضية للقتال نيابة عن مختلف الدول العربية ودورها كأكبر مدرب للجيوش العربية، كان دور باكستان كصانع للسلام بين العديد من العواصم المتحاربة أمرا حاسما.

والواقع أن مركز الأمم المتحدة لحفظ السلام موجود في إسلام أباد حيث يقوم الجيش الباكستاني بتدريب جيوش أخرى من جميع أنحاء العالم على كيفية حل الصراعات في زمن الحرب. والسؤال هل يمكن لباكستان أن تلعب دورا في التوسط بين السعودية وإيران؟

منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انحرفت باكستان عن طهران، وكان ينظر إليها على أنها قريبة جدا من السعوديين أكثر من كونها وسيطا صادقا للسلام بين الرياض وطهران. وقبل عقدين من الزمن، لعب الجيش الباكستاني دورا رائدا في التوسط لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما اعترف الرئيس الإيراني الراحل «رافسنجانى».

وفي الوقت الذي اعتبر فيه تعيين «شريف» رسالة إلى إيران بأن باكستان تتخلى عن دورها المحايد بين البلدين، يبدو أن الفرصة عادت مرة أخرى إلى الجيش الباكستاني لكي يأخذ زمام المبادرة.

ومن الجدير بالذكر أن الجيش الباكستاني هو أحد الجيوش القليلة غير الطائفية في العالم الإسلامي، فقد كان في رئاسة الأركان جنرالات شيعة وهناك العديد من الجنرالات المسيحيين والسنة. وبالنظر إلى ذلك، فإن باكستان في وضع جيد يمكنها من تحقيق التوازن بين إيران والتوترات السعودية.

هناك بالتأكيد فرص ومشاكل محتملة لباكستان هنا. إذا لم تكن حذرة، وظل ينظر إليها على أنها قريبة جدا من السعودية، فهذا يمكن أن يزيد من اختلال توازنها الطائفي الداخلي الهش ويثير مشاكل محلية. ولكن إذا كان التحالف الجديد سيكون قائما ومستقرا، فإن باكستان ستستفيد كثيرا، خاصة مع الدعم التركي للبلاد.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

السعودية باكستان إيران رحيل شريف حرب اليمن