هل تلقى «رؤية 2030» مصير خطط الإصلاح السابقة في السعودية؟

الخميس 11 مايو 2017 08:05 ص

كان الشعار الرسمي لمركز الملك عبد الله المالي المحاصر ماليا هو «رحلة في السماء». وقد كان له خطة طموحة منذ سنوات، ولكن المشروع يعد بمثابة شاهد صعب على مخططات الماضي المتوقفة في مسيرة السعي الطويل لوقف إدمان المملكة على النفط.

تعرف الرحلة الأخيرة في هذا المسار باسم «رؤية 2030»، وهي خطة طموحة أخرى تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد في المملكة بشكل جذري، وبالتالي سوف يتوقف اعتماد الحكومة على 85% من عائدات تصدير النفط، ويمكن أن تحول عبء النمو الاقتصادي إلى القطاع الخاص. وهي استجابة مباشرة لتحطم أسعار النفط على مدى السنوات القليلة الماضية وإدراك أن «الذهب الأسود» الذي حول هذه المملكة الصحراوية إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم العربي بدأ يتلاشى بسرعة.

وتعد الرؤية إلى حد كبير من أفكار ولي ولي العهد البالغ من العمر 31 عاما، «محمد بن سلمان»، الذي سيترتب الكثير على نجاحه أو فشله، وقد تراكمت لديه المزيد من أدوات السلطة بشكل أسرع من أي أمير في التاريخ المعاصر لعائلة آل سعود الحاكمة. وهو أيضا وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يسيطر الآن على أموال المملكة، وهو مسؤول عن تنفيذ الخطة.

وتساءل «عبد الله الشمري»، الدبلوماسي السعودي السابق ومحلل السياسات: هل خطة 2030 تعتمد على شخص واحد أم هي خطة دولة حيث أن ولي العهد الأمير «محمد بن نايف»، ووزير الداخلية، ليس له دور في المشروع. وقد تم الإعلان عن العديد من الأهداف في عام 2030، والتي تضمنت الكثير من التشجيع، بما في ذلك إصلاحات اجتماعية شاملة، وقد أثارت في البداية حماسا عاما هائلا. وكان هذا صحيحا خصوصا بين الشباب السعودي الذي لا يخفي سعادته بتعزيز الترفيه في مواجهة معارضة قوية من رجال الدين الوهابيين المحافظين.

تراجع الحماس

ولكن الركود الاقتصادي بالإضافة إلى الخطوات الأولى المثيرة للجدل التي اتخذت لتنفيذ هذه الرؤية قد قللت بشكل ملحوظ من هذا الحماس. وقد تراجع إنفاق المستهلكين ووصل الاقتصاد العام تقريبا إلى طريق مسدود، حيث خفض صندوق النقد الدولي تقديراته للنمو هذا العام من 2% الى 0.4%. وتواجه الحكومة عجزا قدره 85 مليار دولار في ميزانيتها الحالية حتى بعد وضع 266 مليار دولار في مشروعات معلقة. ومع ذلك، فإن المملكة بالكاد على وشك الإفلاس. وهي تحتفظ بأكثر من 500 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، ولا توجد مشكلة في جمع 26.5 مليار دولار في سوق السندات الدولية للمساعدة في تغطية العجز.

ولكن هناك الآن مزاج من القلق الشديد سواء داخل مجتمع الأعمال أو بين السعوديين العاديين الذين كانوا يعيشون في العصر الذهبي لدعم الدولة غير المحدود. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، وفرت الثروة النفطية الهائلة في المملكة فوائد سخية للمواطنين من الولادة إلى الموت مع مئات المليارات من الدولارات في العقود الحكومية مع الشركات الخاصة التي سيطرت عليها ثلة من الرأسماليين من ذوي الحظوة.

وملت قرارات الحكومة العام الماضي زيادة التكلفة على مراحل لفواتير المياه والكهرباء والبنزين. وتم إنهاء البدلات السخية لجميع موظفي الخدمة المدنية؛ وخفض رواتب الوزراء بنسبة 20%. وفرضت ضرائب جديدة على السلع الاستهلاكية وتم ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% ابتداء من العام القادم. وأدى إلغاء العلاوات وحدها إلى خفض دخول معظم موظفي الخدمة المدنية بأكثر من 20% إلى 50%. ويوفر القطاع العام وظائف لثلثي القوى العاملة السعودية.

وقد أعربت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل الماضي أنها ستعيد مخصصات جميع الموظفين والجنود. كما أطلقت خطة جديدة للمساعدة في تعويض ارتفاع تكلفة المياه والكهرباء والبنزين. وقد سجل أكثر من نصف مواطني المملكة البالغ عددهم 20 مليونا في برنامج «حسابات المواطنين». وستستخدم هذه الأموال لتوزيع النقود بمبالغ مختلفة مرتبطة بدخل الأسرة. ولم تحدد بعد التكلفة الإجمالية للبرنامج.

ويرتكز نجاح رؤية 2030 إلى حد كبير على طرح أولي لبيع 5% من شركة أرامكو، وهي أكبر شركة طاقة في العالم تضم احتياطيات قدرها 260 مليار برميل وبطاقة إنتاجية تبلغ 12.5 مليون برميل يوميا. (في الوقت الحالي، خفضت أرامكو الإنتاج إلى نحو 10 ملايين برميل في محاولة لزيادة أسعار النفط). وسوف تذهب عائدات الاكتتاب العام إلى صندوق الاستثمار العام الحكومي الذي ستولد استثماراته العالمية عشرات المليارات من الدولارات من الدخل غير النفطي. ولا يزال يتعين على الحكومة إقناع المستثمرين الأجانب للمشاركة في الاكتتاب الذي سوف ينتج 100 مليار دولار والذي يعد الأكبر في التاريخ. ومع ذلك، فإن التقييم السعودي لشركة أرامكو قد تم فحصه بشكل جدي من قبل شركة «وود ماكنزي» البريطانية التي تحظى باحترام كبير، والتي تعتقد أن الشركة قد لا تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار. واستقبلت خطة إطلاق الاكتتاب العام في أوائل العام المقبل بالتشكك بين السعوديين والأجانب على السواء.

تاريخ مثير للشكوك

هناك أسباب أخرى للشك حول رؤية 2030. كان لدى السعودية منذ فترة طويلة أحلام كبيرة لتقليص إدمانها على النفط. وكانت قد وضعت تسع خطط خمسية منذ عام 1970. ووضع الملك الراحل «عبد الله» خططا في عام 2003 لإقناع المستثمرين الخاصين ببناء ست مدن اقتصادية جديدة كليا مخصصة للصناعات غير النفطية. وانخفض هذا العدد إلى أربعة بسبب عدم الاهتمام الذي تفاقم بسبب الركود العالمي في عام 2008. وبعد مرور 14 عاما، لا تزال مدينة الملك «عبد الله» الاقتصادية التي تقع على بعد 60 ميلا شمال جدة على البحر الأحمر، في طور التوسع مع أنها لا تزال تمثل 15% من الطاقة الإنتاجية.

وكان هناك مخطط آخر لتنويع الاقتصاد في الثمانينيات من خلال تقديم إعانات ضخمة لتشجيع السعوديين على الذهاب إلى زراعة القمح في الصحراء. وعلى نحو متوقع، كان المشروع يستنزف احتياطيات المياه التي لا يمكن تعويضها.

ليس فقط السعوديون العاديون هم الذين يعانون من صدمة ما بعد النفط، فقد كانت صدمة الرأسماليين في المملكة أكثر دراماتيكية. قامت مجموعتان كبيرتان منهما هما مجموعة بن لادن وسعودي أوجيه، بتسريح عشرات الآلاف من العمال، ويرجع ذلك جزئيا إلى متأخرات ضخمة في مدفوعات الحكومة. وقد حصلت الأولى على 65% من جميع العقود الخاصة بمنطقة الملك عبدالله المالية .

إن الهدف الرئيسي من رؤية 2030 هو تحويل محرك النمو من الدولة إلى القطاع الخاص، والذي يمثل الآن أقل من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة. وترغب الحكومة في زيادة حصة هذا الأخير إلى 60 في المائة. غير أن القطاع غير النفطي يكاد ينمو الآن. وقال «فهد التركي»، كبير الاقتصاديين في شركة جدوى للاستثمار، أن القطاع الخاص في العام الماضي توسع بنسبة 0.4% فقط، وهذا العام قد تبلغ النسبة 1%. وقال أن القطاع الخاص كان في حالة من الذعر معظم العام الماضي حتى بدأت الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول دفع 21 مليار دولار من المتأخرات للمتعاقدين نقديا. وقال «فهد التركي» أنه «متفائل بحذر» أن القطاع الخاص متوجه لأيام أفضل، مشيرا إلى الكثير من السيولة لدى البنوك السعودية لتمويل مشاريع جديدة.

وتحاول الحكومة جذب المستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء للاستثمار في كل شيء من السياحة المرتبطة بالحج وتعدين المعادن النادرة إلى الرياح والطاقة الشمسية وحتى تصنيع الأسلحة العسكرية. ومع ذلك، فإن أول مشروع لرؤية عام 2030 تم الإعلان عنه مؤخرا هو مدينة ترفيهية مترامية الأطراف في الصحراء جنوب غرب الرياض بالاشتراك مع منتزه «سيكس فلاجز» الأمريكي كمنطقة جذب رئيسية. كما فتحت الحكومة هذا الشهر عطاءات على مختلف مشروعات الطاقة الشمسية والرياح التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.

ما يجب القيام به حول مشاريع ضخمة مكلفة مثل منطقة الملك عبدالله المالية لا يزال يطارد الحكومة ورؤية 2030. وتقع المنطقة على المشارف الشمالية للرياض، وتضم المنطقة 60 من المباني، وأعلى مبنى يضم 73 طابقا. وترتبط جميعها إما بممرات مغلقة أو مكيفة الهواء. وكان من المفترض أن يتم بناؤها من قبل رأس المال الخاص، ولكن عندما لم يتحقق ذلك، قامت الحكومة بإلغاء 8.3 مليار دولار من الصندوق السعودي للمعاشات التقاعدية العامة. فقد أشارت خارطة طريق رؤية عام 2030 صراحة إلى أن المشروع قد تم «دون النظر في جدواه الاقتصادية».

ومع ذلك، فإن الهدف هو جعل منطقة الرياض المالية رابع أكبر منطقة في العالم، لتضم البورصة السعودية، والبنك المركزي، وصندوق الاستثمار العام . ويقدم المسؤولون تقديرات متفاوتة حول متى يمكن أن يحدث هذا «الفتح الناعم»، وهم يعملون على قواعد وأنظمة لجعل المنطقة أكثر سهولة لرجال الأعمال الأجانب. وفي الوقت الحالي، كان أول مستأجر في وسط موقع عملاق ضخم، هي شركة المحاسبة البريطانية برايس ووترهاوس كوبرز. ومهمتها: تقييم كم المليارات التي ستكون هناك حاجة لها لاستمرارية المنطقة في المقام الأول.

المصدر | ديفيد أوتاواي - مركز وودرو ويلسون

  كلمات مفتاحية

رؤية 2030 الإصلاح الاقتصادي اكتتاب أرامكو محمد بن سلمان