«كوكب تايلر» الولايات المتحدة سابقا..هكذا اختزل فيلم «نادي القتال» الوجود الأميركي!

الخميس 11 مايو 2017 07:05 ص

فيلم «نادي القتال» رُشح لـ«أوسكار» أفضل مؤثرات صوتية؛ كحل يقفز فوق مضمونه المسيئ للولايات المتحدة الأمريكية والحضارة الغربية بوجه عام، ولكن صُنّاع «الأوسكار» ومراقبيها لم يعجبهم الالتفاف على مضمون الفيلم وتقديمه إليهم بهذه الصورة..فرفضوا إعطاءه الجائزة ضاربين عرض الحائط بجميع تقنياته الفنية ومضمونه الذي يبدو براقًا، إلا قليلًا، في مواجهة الحضارة الغربية.

الفيلم قدمته السينما الأمريكية في عام 1999م عن رواية بنفس الاسم للكاتب «جيم يحلس»؛ قام بتحويلها إلى سيناريو «تشاك بولونيك»؛ ليفرض المخرج «ديفيد فينشر» سيطرته على العمل، حتى إن «بولونيك» صرح أن الفيلم أضاف للسيناريو الذي كتبه كثيرًا.

وكان المُخرج قد قدم فيلمًا باسم «اللعبة» عام 1993م بمثابة الوليد الذي سبق الأب، أو وليد هذا الفيلم؛ ثم قام بتطويره ليخرج عمل اليوم الذي تعمد إدارة رأس المشاهد والناقد المُتمرس به عبر تجربة إبهار سينمائية في الشكل والمضمون تعب فريق العمل عليها على مدار قرابة 138 يومًا، وتصوير 300 مشهد عبر 200 مكان و72 موقع تصوير، وقيل إن مشهد حرق البطل لمسكنه تم تصويره 38 مرة ليؤخذ خليط منه في النهاية!

دكتور «جيكل ومستر هايد»

عام 1941م قدمت السينما الأمريكية النواة الأولى لفيلم الليلة عبر رائعة الأديب الإنجليزي «روبرت لويس ستيفنسون» «دكتور جيكل ومستر هايد» للمخرج «فيكتور فليمنغ»، وفيه معالجة للازدواجية في نفس إنسان الحضارة الغربية بين صورته الحقيقية برغباته وتطلعاته الاستهلاكية، وبين صورته الأخرى الجيدة النمطية التي يحب أن يراه الناس عليها.

بطل فيلم «نادي القتال» «نكرة» لا اسم له فيه (قام بالدور المُمثل إدوارد نورتن)، وهو يعمل في شركة كبرى للسيارات؛ مُرفه إلى أبعد الحدود، يسافر بصورة دورية مستخدمًا الطائرات، وعمله يتلخص في معادلة أولها «طراز السيارة»، «قيمة الحادثة» التي قامت بها، «تكاليف سحبها» من السوق، أي أنه يتاجر بالأرواح، فكلما خسرت الشركة عميلًا بوفاته عاين ماركة السيارة وعيوبها التي أدت إلى الحادثة وقرر مقدار الخسارة من سحب الموديل أو الطراز كله من السوق، فإن كان غاليًا تركه على حاله، ودفع تأمينًا لأهالي القتيل والمقتولين التاليين في الحوداث المقبلة للطراز المعيب.

تفصيل ومرارة

ولإن البطل يتاجر في أرواح الناس لم يعد يستطيع النوم في الليل، رغم أنه يعيش في كوكب «مايكروسفت»، ومجرة «ستار بوكس»؛ فكل الأشياء التي يشتريها لمنزله ويستخدمها من ماركات عالمية، حتى أواني الطعام يشتريها من منتجات عالمية عن قبائل بدائية تصنع المواد الأولية.

لا يستطيع «المجهول» النوم، فيما يبدو« جاك تايلر دردن» (براد بيت) في صالة عرض سينمائية ينتظر دوره للدخول إلى عالم الفيلم؛ وفيما يذهب «المجهول» إلى الكنيسة لمُشاركة المرضى بالأمراض الخطيرة رحلة «الجلسات النفسية الوجدانية» المُخففة يلتقي حبيبته الفوضوية الأجرأ منه «مارلا سينجر» أو «هلينا بونهام كارتر» المُتعافية التي تدعي المرض الجسدي مثله لتبكي مع الباكين وتفرح مع «محاولي الفرح»، كما يلتقي «بوب بولسون» (مطرب الروك بوب بولسون) المصاب بسرطان الخصية.

ويدخل «تايلر» إلى عالم الفيلم فيعصف بحياة «المجهول الراوي»؛ يُمارس الجنس مع حبيبته؛ يُبهره بمتواليات علمية عن صنع المتفجرات؛ وسرقة بقايا الدهون المشفوطة من الأجسام المترهلة، في قمامة المستشفيات لصنع الصابون المرطب للبشر؛ ثم يُعلمه أن المصارعة الأدمية على طريقة الديوك المعروفة لكن بلا موت أفضل من الذهاب إلى الكنيسة؛ وبالتدريج يسحب المرضى من الأخيرة؛ ثم يتجول في الولايات المتحدة كلها مُنشأ تنظيمًا سريًا اسمه «مشروع الفوضى» (صار فيما بعد الفوضى الأمريكية الخلاقة التي دارت في العالم كله)، إذ يجند أتباعه الأغبياء لتهديد مصالح البلاد الاقتصادية انتقامًا من حياتهم فيها بلا روح؛ ومن يخون العهد تقتطع خصيتيه (!).

وفي النهاية يكتشف «الرواي» أنه و«جاك تايلر» شخص واحد كمثل «دكتور جيكل ومستر هايد»، وجهان لعملة واحدة، وحينما يريد التطهر من آثام تحويل مئات الآف من الأمريكيين إلى قتلة في «كوكب تايلر» داخل الولايات المتحدة يُفاجىء بأن أتباعه في الشرطة يكادون يقتطعون خصيتيه ليهرب من جديد من «نادي القتال» وعراكه المُستمر مع نفسه بقتلها، لكنه يعيش حتى نهاية الفيلم ليقول لحبيبته التي أصبحت عشيقته إنها التقته في فترة غريبة من حياة؛ وكأن له حياة على كوكبه بعد نسفه رأسه بنفسه.

مَنْ أنت؟

حينما تنفجر الأبراج العالية من خلف البطل وهو حي برأس منسوفة تكون الرسالة واضحة تصل للمشاهد على وقع أغنية اسمها «أين عقلي»، فالولايات المتحدة ليست في حاجة إلى عدو خارجي لنسف برجي التجارة العالميين في سبتمبر/أيلول 2001م؛ فإن عدوها كامن في داخلها؛ وهو بالضبط ما قاله بطل الفيلم قبل بداية إحدى مباريات «نادي القتال»..الذي كان يُقيمه في بار «لو» رغم أنف صاحبه؛ وفي الشوارع أحيانًا، ليقول: «لقد جئنا في منتصف مسيرة الإنسانية حيث لا كساد اقتصادي ولا روحانيات..يعني حيث لا حياة..!».

ثم يضيف في تركيز أشد: «ركز بدقة في حياتك..أنت لست ساعتك الثمينة، ولا ملابسك ذات الماركات، ولا طعام التيك أوي، ولا شركات التأمين؛ إن ما تملكه صار (أنت)..فضعت!».

في إشارة بالغة الوضوح إلى افتقاد الإنسان الغربي الروح والحياة؛ وبث مواته عبر العالم في المُنتجات الترفيهية الاستهلاكية من طعام وشراب ومسكن وأدوات حفاظًا على كل هذا؛ ولذلك يتعمد البطل نسف الأمان الأمريكي المُوهوم، من فنادق وشركات حاسب آلي وتأمين، وإن كلف الأمر تفجير رأس في المقابل «بوب بوليسون» المريض بالسرطان.

جاء أداء المُمثلين ضمن لقطات مُقربة متكررة توحي للمُشاهد بأنه في مكانهم على مستوى الشكل، ثم بالغوص في آلامه على مستوى المضمون، وبتقنية يمكن تسميتها بـ«السينما الدوارة» أو التي تقول للمشاهد في وضوح أنه يُشاهد فيلمًا يُمثل حياته..!

ورغم جودة الموسيقى التصويرية وإقناع الفيلم للمشاهد بالمعاناة وسط حياة مادية بحتة بلا روح من خلال الاستهلاك الدائم؛ وجودة المؤثرات البصرية بعد السمعية إلا أن الفيلم أغرق في المادية والاستهلاكية التي عابها في كثير من المشاهد ومنها حياة البطل بعد نسفه رأسه، ونهاية الفيلم بقوله إن عشيقته عرفته في مرحلة غريبة من حياته بما يُبشر بأن هناك مراحل أخرى؛ وهي نفس الصورة النمطية الأمريكية السائدة للبطل الأمريكي الذي لا يموت بل لا يترنح مهما حدث..!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة فيلم اختزل اوجود الأمريكي