«واشنطن بوست»: المظالم التاريخية تفجر الصراع اليمني.. والنخب القديمة تعوق التوصل إلى السلام

السبت 13 مايو 2017 04:05 ص

في 11 مايو/أيار، أعلن قادة السياسية الرئيسيون في جنوب اليمن مجلسًا سياسيًا انتقاليًا يمثل الجنوب، في خطوة نحو الاستقلال عن الشمال، أعلنت الرئاسة اليمنية رفضها لها في بيان رسمي. وقبل ذلك بأسبوع، قام آلاف من أنصار الجنوبيين الانفصاليين باقتحام مدينة عدن الساحلية اليمنية ضد قرار الرئيس «عبد ربه منصور هادي» بإبعاد حاكم عدن «عيدروس الزبيدي» من منصبه. ويتولى «الزبيدي» الآن رئاسة المجلس السياسي الجديد وهي أعلى سلطة سياسية حاليًا في الجنوب. وقبل ذلك، أعلن القادة في منطقة حضرموت في الجنوب استقلالهم كمنطقة اتحادية.

ظل المجتمع الدولي مترددًا في التعامل مع هذه القضايا الإقليمية لعدة عقود. وقد تفاقمت هذه الانقسامات بسبب الحرب الأهلية الجارية، ولا يزال يتعين أخذها على محمل الجد، في إطار مفاوضات السلام المستمرة.

التركيز على النخبة القديمة

منذ انتفاضة عام 2011، كان المجتمع الدولي مشاركًا في مفاوضاتٍ سياسية حول مستقبل اليمن. وعمل المستشار الخاص للأمم المتحدة «جمال بن عمر» عن كثب مع مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة والدبلوماسيين الغربيين للضغط على الجهات الفاعلة السياسية اليمنية لقبول صفقة توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011.

ولكن بالنسبة للكثيرين، فشلت هذه المبادرة في تلبية مطالب الشعب. وخرج مئات الآلاف من اليمنيين إلى الشوارع احتجاجًا على شروط ما اعتبروه صفقةً معيبةً للغاية، تخلت عن مطالبهم بالإصلاح السياسي، وأبقت على القادة الفاسدين الذين قامت عليهم الانتفاضة. ولأنّ مبادرة مجلس التعاون الخليجي قد ركزت بالدرجة الأولى على حل الصراع بين النخب السياسية التقليدية من الجزء الشمالي من البلاد بدلًا من المظالم المعبرة عن مناطق أخرى، شعر العديد من الفاعلين في المشهد اليمني بالحرمان من الحقوق.

كما منحت مبادرة مجلس التعاون الخليجي الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» الحصانة مقابل الموافقة على الاتفاق، وهو ما سمح له بالبقاء في اليمن، واستمر نشاطه السياسي، ولا يزال يسيطر على معظم القوات المسلحة في البلاد. ثمّ تمكن «صالح» على إثر ذلك من تعطيل عملية التحول السياسي، وعمل مع حلفائه من الحوثيين للإطاحة بالحكومة المدعومة دوليًا، وسحب البلاد إلى الحرب الأهلية.

ومنذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014، حاولت الأمم المتحدة، من خلال المستشار الخاص للأمم المتحدة «بن عمر» وخليفته «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»، التوسط في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار وفرض تسويةٍ سياسيةٍ للمساعدة في وضع حدٍ للحرب. لكنّ الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة تتعامل فقط مع النخب اليمنية الشمالية التي تقاتل بعضها البعض من أجل السلطة. وكانت الشخصيات الرئيسية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بما في ذلك «هادي»، ونائب الرئيس «علي محسن»، ورئيس الوزراء «أحمد عبيد بن دغر»، أعضاءً في نظام «صالح»، وجزءًا لا يتجزأ من المؤسسة السياسية الشمالية التي هيمنت طويلًا على كامل البلاد.

خلافًا للرائج.. الحرب ليست بين جانبين

وكثيرًا ما تصور الحرب على أنّها صراعٌ بين حكومة «هادي» والتحالف الحوثي مع «صالح»، وهو الأمر الذي يعني أنّ غالبية اليمنيين منحازون إلى جانبٍ أو آخر منهما. ومع ذلك، فإنّ الصراع الحالي في اليمن أكثر تعقيدًا بكثير، ويشمل مطالب مجموعة واسعة من المناطق المهمشة خارج نطاق الشمال. ويمثل كلٌ من حكومة «هادي» وتحالف الحوثيين مع «صالح» السياسات والانقسامات داخل النخبة اليمنية الشمالية فقط، ويقاتلان بعضهما البعض من أجل السلطة والموارد والسيطرة على البلاد.

وتأتي النخبة الحاكمة في اليمن بشكلٍ رئيسيٍ من المناطق غير الساحلية والمناطق الفقيرة في الموارد في الشمال، في حين يميل اليمنيون المهمشون سياسيًا إلى العيش في مناطق النفط والغاز والأراضي الخصبة والواقعة على الساحل. وقد استاء سكان هذه المناطق الغنية بالموارد تاريخيًا من حكم أهل الشمال، ورأوا أنّ ثرواتهم ومواردهم تنتهي في جيوب النخبة الشمالية، في حين لا تزال مناطقهم مهمشة سياسيًا ومحرومة من الخدمات الأساسية.

وقد أدت الحرب إلى تفاقم المظالم الواقعة على الجنوبيين من قبل الشمال. وكانت اليمن الشمالية والجنوبية قد دخلتا في اتفاق وحدة متسرع عام 1990. وترتب على اتفاق الوحدة سيطرة شمالية على صنع القرار الوطني والمحلي. وحاول الجنوبيون التفاوض على نظامٍ فيدراليٍ يسمح للجنوب ببعض الحكم الذاتي، ولكن رفض هذا، مما أدى إلى محاولة للانفصال من قبل قادة الجنوب وحرب أهلية قصيرة عام 1994 انتصر فيها الشمال. وفي عام 2007، شكلت جماعة سياسية حركة لمعالجة المظالم الجنوبية من خلال الاحتجاج السلمي. وردت حكومة «صالح» بالعنف، وصعدت الحركة مطالبها حتى وصلت إلى طلب الانفصال. وقد أدت الحرب الحالية إلى تكثيف المظالم الجنوبية بشكلٍ كبير، وتجلى ذلك كثيرًا في التجمعات الجماهيرية في عدن.

وحتى الآن، كانت هناك ثلاث جولات غير ناجحة من المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة بين وفودٍ تمثل التحالف بين الحوثيين و«صالح» وحكومة «هادي». وفي الجولة الأخيرة، وضعت الأمم المتحدة خارطة طريق للمفاوضات رفضها الطرفان. ولا يبدو أنّ هناك أي ثقة حقيقية بين الجانبين، ولا يبدو أي من الطرفين على استعداد للعمل أولًا من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. ويعتقد العديد من اليمنيين أنّ كلا الجانبين لا يهتم حقًا بإنهاء الصراع. ويسيطر تحالف الحوثيين مع «صالح» على الضرائب والأموال في العاصمة صنعاء، وقد استفاد من الصراع لتطوير مجموعة واسعة من مصادر الدخل من خلال التهريب وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. وفي الوقت نفسه، قد يكون «هادي» حذرًا من اتفاق سلامٍ قد يعني إزالته، وهو شيءٌ لا يريد السماح له أن يحدث.

وقد أعلن مبعوث الأمم المتحدة مؤخرًا أنّ المنظمة ستبدأ جولة جديدة من المحادثات المقرر عقدها هذا الشهر. وإذا لم يتم توسيع نطاق محادثات السلام لتشمل جهات فاعلة خارج النخبة السياسية التي تتصارع على السلطة، فمن الصعب التوصل إلى اتفاق سلامٍ مستدام. وطالما ظلت غالبية اليمنيين مهمشين اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فمن غير المرجح أن ينجح أي اتفاق سلامٍ يتجنب المظالم الإقليمية ويستبعد الجهات الفاعلة على أرض الواقع.

  كلمات مفتاحية