أجهزة أمنية تسيطر على «الخارجية المصرية».. وإبعاد دبلوماسيين تعاطفوا مع «مرسي»

الأربعاء 17 مايو 2017 06:05 ص

كشف تحقيق استقصائي نشر حديثا، عن الإطاحة بدبلوماسيين مصريين بارزين، على خلفية اتهامات ضمنية منها التعاطف مع شباب ثورة يناير/كانون ثان 2011، أو رفض التحولات السياسية التي أعقبت الانقلاب العسكري في صيف 2013.

وشملت عملية الاستبعاد أسماء بارزة في السلك الدبلوماسي، بعد عمليات تنصت، وتقييمات على أساس «الولاء للنظام»، والتعاطف مع الرئيس «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، وسط تكتم في أروقة «الخارجية المصرية» على قرارات الإطاحة التي صدرت بحق العشرات.

ومع بداية مايو/آيار الجاري، نفذت وزارة الخارجية المصرية، قرارًا جمهوريًا بنقل خمسة من أعضاء السلك الدبلوماسي إلى وزارتي الزراعة والتنمية الإدارية وديواني اثنتين من المحافظات، بحسب أحد الدبلوماسيين المنقولين.

ويمنح قانون السلك الدبلوماسي الحق لرئيس الجمهورية في نقل الدبلوماسيين للعمل بوظيفة أخرى في الجهاز الإداري للدولة وفق مقتضيات «الصالح العام».

وبحسب مسؤول رفيع المستوى بالوزارة -اشترط عدم ذكر اسمه- فإن أيًا من الخمسة الواردة أسماؤهم في القرار الجمهوري لم تتم مواجهتهم بأي من التهم الضمنية المنسوبة لهم، ولم يُجر أي تحقيق معهم.

وحصل «مدى مصر» على الأسماء الخمسة الواردة في القرار، وهي لدبلوماسيين اثنين على درجة وزير مفوض، واثنين بدرجة سكرتير أول، والخامس بدرجة سكرتير ثالث.

وفقًا لإجراءات السلك الدبلوماسي، يتعذر على الخمسة رفض تنفيذ القرار أو الاعتذار عن تنفيذه أو التظلم الإداري بشأنه، لكنهم يحق لهم طلب الإحالة للمعاش، وهو أمر معقد بالنظر إلى أن أكبرهم سنًا لا يتجاوز الأربعين عامًا بكثير، وأصغرهم في العشرينات.

يقول دبلوماسي آخر من المستبعدين، اشترط أيضًا عدم ذكر اسمه، إن المنقولين للعمل خارج الوزارة هم ضمن نحو 40 دبلوماسيًا تم الضغط الأمني على الوزارة -تحديدًا على الوزير «سامح شكري»- لاستبعادهم خلال العامين الماضيين على خلفية اتهامات ضمنية -لم توجه مباشرة- منها التعاطف مع الإخوان المسلمين، أو التعاطف مع شباب ثورة يناير/كانون ثان 2011 وخاصة مجموعة 6 أبريل(حركة شبابية معارضة)، أو رفض التحولات السياسية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق «محمد مرسي» في صيف 2013، أو التقصير في الترويج لهذه التحولات أثناء عملهم في الخارج.

ويضيف الدبلوماسي المستبعد أن قائمة المستبعدين التي شملته لن تكون الأخيرة، حيث يجري حاليًا إعداد قائمة تالية من المتوقع أن تضم أيضًا أسماء خمسة دبلوماسيين آخرين.

سياسات الاستبعاد

بحسب أحد الدبلوماسيين المستبعدين فإن التقييمات الخاصة بتقدير «الولاء للنظام» غير منصفة بالأساس، حيث أنها غير قائمة على تحقيقات موضوعية، وإنما تأتي على أساس انطباعات من مجموعة مغلقة على موقع التواصل «فيسبوك» تضم أعضاء السلك الدبلوماسي المصري اسمها «اللوتس»، شهدت نقاشات سياسية في فترة الانفتاح السياسي المحدود التالية لثورة يناير 2011، مضيفًا أن التقييمات تعتمد أيضًا على علاقات اجتماعية، وأحيانًا علاقات نسب سابقة، تربط بعضًا منهم بشخصيات عامة أو غيرها محسوبة على المعارضة.

ويضيف الدبلوماسي أن بعض التقييمات تقوم أيضًا على تسجيلات لمحادثات هاتفية أو تسجيلات لمناقشات مع زملاء داخل مكاتب البعثات المصرية بالخارج أو في ديوان الوزارة.

روى سفير سابق، طلب عدم ذكر اسمه، أنه «في أحد الأيام (قبل نحو عام) قام مدير سابق لمكتب وزير الخارجية باستدعاء عدد من المساعدين وأخبرهم أن يطالبوا من يعملون معهم بتوخي الحذر في إبداء الآراء السياسية التي لا تمثل الدولة داخل مكاتبهم بالوزارة، أولًا لأنهم مسموعين، وثانيًا لأن الدبلوماسي هو في خدمة الحكومة وليس شخص مسيس بحكم المهنة».

يقول المسؤول رفيع المستوى بالخارجية إن الوزير قد أجرى ما وصفه خلال اجتماع جمعه مؤخرًا بمساعديه بـ«مواءمات» سمحت بعودة عدد من الدبلوماسيين المهمشين بعد 2013 لمناصب ليس لها تأثير كبير في الوزارة، وهي مناصب لا يحق لمن يشغلها الاطلاع على البرقيات المشفرة أو المشاركة في اجتماعات سرية أو حتى إجراء لقاءات مع دبلوماسيين أجانب في القاهرة دون الحصول على إذن مسبق من الوزارة، كما ذكر أحد هؤلاء العائدين.

وكان الوزير قد قال خلال الاجتماع نفسه إنه قام شخصيًا بمراجعة الأسماء الواردة في قائمة المهمشين دون إنكار أنها قائمة أُعدت أساسًا بمعرفة أجهزة أمنية أرسلتها للوزير للالتزام بها، بحسب المسؤول.

غير أن المسؤول بوزارة الخارجية المصرية، الذي تحدث منفردًا مع الوزير قبل أقل من أسبوعين في هذا الشأن، قال إن الوزير أخبره بتعرضه لضغوط كبيرة من جهات أمنية بشأن مجموعة المهمشين.

الجدير بالذكر أن «شكري» جاء وزيرًا خلفًا لـ«نبيل فهمي»، والذي كان قد رفض -بحسب بعض أقرب معاونيه- قبول إنهاء مهمة أي دبلوماسي أو تعريضه للمساءلة القانونية بتهم سياسية دون كشف صريح عن طبيعة هذه التهم والتحقيقات التي أدت إليها. كما أنه أبلغ رئيس الوزراء المصري آنذاك، «إبراهيم محلب»، بأن مثل هذه الإجراءات تضعف من كيان وزارة الخارجية، ليس فقط داخل مؤسسات الدولة، ولكن أيضًا في التمثيل الخارجي.

وعلى العكس من «فهمي، فإن «شكري» سعى للعبة موازنات قَبِل بمقتضاها تنفيذ التوجيهات الأمنية بإنهاء ابتعاث عدد من الدبلوماسيين في الخارج وإعادتهم إلى القاهرة، غير أنه في نفس الوقت سعى بشكل محدود إلى حماية مصالحهم. فمثلًا، بحسب رواية المسؤول بالخارجية، دعم «شكري» ابتعاث «عمر عامر» العام الماضي سفيرًا لمصر إلى فيينا، وهو الدبلوماسي المصري الذي كان أحد المتحدثين باسم محمد «مرسي» بعد انتخابه رئيسًا للبلاد في يونيو 2012 وحتى الإطاحة به في 3 يوليو 2013، على أساس أن «عامر» كان منتدبًا من الخارجية لرئاسة الجمهورية لأداء مهمة محددة.

عملية برلين 

لم يكن «شكري» الوحيد الذي سعى لاختيار المواءمات، فقد قام أيضًا بدر عبد العاطي، والذي تم تعيينه متحدثًا باسم الخارجية قرب نهاية عهد «مرسي»، بتبني المواقف الجديدة للبلاد بكفاءة وهمة عالية مكنتاه من الاحتفاظ بمنصبه، بل ومن الحصول على ترشيح «السيسي» له سفيرًا للبلاد لدى ألمانيا، حيث عمل على ترويج العلاقات الثنائية بين القاهرة وبرلين مع كل الأجهزة الأمنية والسياسية والاقتصادية، مبتعدًا عن الالتزام التقليدي بربط نشاطه أولًا مع وزارة الخارجية، وبالتالي فقد حظي بتقدير طيب.

كان ذلك الوضع قبل أن تداهم بعثة من الرقابة الإدارية مقري السفارة وإقامة السفير في برلين في منتصف أبريل/نيسان الماضي للتفتيش والتحقيق في فقد أموال ومقتنيات تقدر بنحو ربع مليون يورو، وذلك بعد أيام من زيارة ناجحة للمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» لمصر، بحسب رواية مسؤول الخارجية التي أكدها الدبلوماسيان المستبعدان. وأضاف مصدر آخر بوزارة الخارجية أن التحقيق الجنائي مع «عبدالعاطي» ركز أيضًا على اتهامه بشراء سيارة مرسيدس لسفارة برلين وتسجيلها باسمه الشخصي.

ويقول المسؤول إن «سامح شكري» لم يُبلغ إطلاقًا قبل سفر بعثة الرقابة الإدارية، وإنه تم إبلاغه فقط عند وصول البعثة لمقر السفارة، وهذا أمر مذهل وغير معمول به إطلاقًا، كما أن مسألة مداهمة مقر البعثة ومقر السفير هو في ذاته كارثة دبلوماسية بالنسبة لمجمل وضعية سفارة مصرية في الخارج». ويضيف، نقلًا عن أعضاء في البعثة المصرية في برلين عبروا عن غضبهم، أن «طريقة التفتيش والتحقيق كانت مهينة بشكل كبير، ولا تليق بحال بأناس يمثلون بلادهم في الخارج»، مشيرًا إلى أن شخصيات أمنية رفيعة كانت تتابع عملية «اقتحام وتفتيش السفارة ودار سكن السفير من القاهرة على الهاتف».

وتثير عملية برلين الأمنية الكثير من التساؤلات، أولها حول السبب الحقيقي لهذه المداهمة؛ لأن اتهام السفير بإهدار سجادة تراثية ولوحة زيتية تراثية أو اتهامه بالتباس ما في ميزانية السفارة، لا يستدعي مثل هذه المداهمة، وكان يكفي استدعاؤه للقاهرة للتحقيق في تلك التهم.

يتفق المسؤول وكلا الدبلوماسيان المستبعدان، حول أن المستهدف الأساسي من واقعة برلين هو «شكري»، حيث تسعى الأجهزة الأمنية لإيصال رسالة واضحة لوزير الخارجية أن وزارته هي بالأساس تحت سيطرة الأجهزة الأمنية. 

العلاقات بين «شكري» وبعض قيادات الأجهزة الأمنية شائكة، بحسب مسؤول الوزارة، بل أن بعضهم يقول إن وزارة الخارجية لا تلعب تحت قيادته الدور المطلوب منها في تسهيل مهمات الرئيس في السياسة الخارجية، ووصل الحال بأحد قادة المؤسسات السيادية لاتهام «شكري» بالمسؤولية المباشرة عن تدهور العلاقات المصرية السعودية في أعقاب التعقيدات التي حلت بقضية تيران وصنافير، كما اتهمه بالتقصير في تحسين العلاقات المصرية مع دول شرق أفريقيا لمراعاة مصالح مصر المائية في نهر النيل، وهي التهم التي ينفيها المعاونون لـ«شكري»، بل أن بعضهم يقول إن «شكري» لا يحاط علمًا بالدقة الكافية وفي التوقيتات المناسبة بتفاصيل مباحثات تجريها مؤسسات الدولة كما يقتضي الحال تقليديًا.

في مارس/آذار الماضي خرج إلى العلن أبرز ملامح التوتر المتصاعد بين «شكري» من ناحية واللواء «خالد فوزي»، مدير المخابرات العامة المصرية، من ناحية أخرى، حين تعاقد الأخير بصفته مديراً للجهاز مع شركتي لوبي وعلاقات عامة في واشنطن ونيويورك، رغم وجود تعاقد قائم ومنفصل بين السفارة المصرية في واشنطن وشركة أمريكية أخرى. ويخوض «شكري» حاليًا معركة موازية للدفاع عن السفير المصري في واشنطن «ياسر رضا»، وهو أيِضًا أحد رجاله المقربين، في مواجهة اتهامات أجهزة أخرى في الدولة –ووسائل إعلام مقربة لها- بانعدام كفاءته السياسية.

كذلك تحدث أحد المستبعدين عن «موقف عدائي» بدرجة ما ضد الخارجية، شمل قرارات بتخفيضات مالية كبيرة يرى العاملون في الوزارة أنها تنال من قدرتهم على العمل بكفاءة واستقرار، كما تنال من قدرة الوزارة على اجتذاب النابهين من خريجي المدارس والجامعات المتميزة الذين أصبحوا يعزفون عن الالتحاق بالعمل الدبلوماسي الذي كان كحلم يراود الأنبه والأكثر كفاءة.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

الخارجية المصرية سامح شكري بدر عبد العاطي محمد مرسي السفارة المصرية ببرلين