بعد رفع الفائدة.. أسهم بورصة مصر تتهاوى وحالة صدمة بين رجال الأعمال

الاثنين 22 مايو 2017 12:05 م

هوت أغلبية الأسهم القيادية في بورصة مصر يوم الاثنين بعد قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس الأحد في خطوة مفاجئة ألقى رجال أعمال باللوم فيها على صندوق النقد الدولي.

وبحلول الساعة 1101 بتوقيت غرينتش هبط المؤشر المصري الرئيسي 2.4% إلى 12668.9 نقطة.

وتكبدت أسهم حديد عز والقلعة وجي.بي أوتو والمصرية للمنتجعات السياحية وعامر جروب خسائر بالحد الأقصى البالغ 10% وسط اختفاء طلبات الشراء في تلك الأسهم.

وفقدت الأسهم أكثر من 12 مليار جنيه من قيمتها السوقية.

وقال «إيهاب رشاد» من مباشر انترناشونال «هذا هو يوم الصدمة. ستخف حدة النزول غدا بإذن الله. انتقلنا من مرحلة بناء الاقتصاد واحتياجاته إلى مرحلة التعليمات وهذا سبب تخوف المستثمرين».

وعزا البنك المركزي قراره مساء الأحد إلى محاولة السيطرة على التضخم السنوي والوصول به إلى مستوى في حدود 13% في الربع الأخير من 2018.

ويعرف «سعر الفائدة»، هو أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، والمقصود هو تحديد «سعر الأموال».

فالفائدة هي عبارة عن تأمين لعدم رد الأموال إذا اقترضها شخص أو شركة ويتحدد هذا التأمين بنسبة الفائدة.

ويرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) وبالتالي يجعل سعر الأموال غاليا فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم.

كان «كريس جارفيس» رئيس بعثة صندوق النقد لدى مصر شدد في بيان صحفي للصندوق في وقت سابق هذا الشهر على ضرورة كبح التضخم.

وكان وفد من صندوق النقد زار القاهرة نهاية أبريل/ نيسان الماضي لإجراء مراجعة بهدف تقييم جهود الإصلاح.

وفي بيان مشجع إلى حد كبير صدر يوم الجمعة، قال الصندوق إن البرنامج شهد بداية جيدة وإنه وافق مبدئيا على صرف الشريحة الثانية من القرض البالغة قيمته الإجمالية 12 مليار دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية.

وقفز التضخم السنوي في المدن إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود بعد قرار تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي وسجل 31.5% في أبريل/ نيسان الماضي.

وقال «إبراهيم النمر» من نعيم للوساطة في الأوراق المالية إن المؤشر الرئيسي تفاعل بشكل منطقي مع قرار رفع الفائدة غير المُحفِز للاستثمار في البورصة.

وتابع «فشل المؤشر الرئيسي في الوصول إلى مستوى 13000 نقطة سيدفعه للانخفاض إلى 12500 نقطة».

وعلى مدى عام ونصف لم تتراجع بورصة مصر بهذا الحجم ولا حتى في يونيو/ حزيران عندما رفع البنك المركزي سعر الفائدة 100 نقطة أساس ولا في نوفمبر/ تشرين ثاني، عندما حرر سعر صرف العملة ورفع الفائدة 300 نقطة أساس.

وقالت «ريهام الدسوقي» من أرقام كابيتال «هذا هو أسرع تأثير لقرار رفع الفائدة وسيستمر حتى زوال أثر الصدمة من القرار».

ورفع البنك المركزي خلال اجتماع للجنة السياسة النقدية التابعة له سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16.75% من 14.75% ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75% من 15.75%.

وبهذا يكون البنك قد رفع أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ نوفمبر/ تشرين ثاني.

كان 13 من بين 14 خبيرا اقتصاديا استطلعت رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا أن يبقي البنك على أسعار الفائدة دون تغيير وتوقع اقتصادي واحد رفع السعر 50 نقطة أساس.

ونصح النمر المستثمرين غير القادرين على الخروج من السوق قبل جلسة يوم الاثنين أو من يريد الدخول بمراقبة مستوى 12500 نقطة لاتخاذ القرار سواء في حالة كسره أو حدوث ارتداد لأعلى.

وتجاوزت قيم التداولات 500 مليون جنيه خلال أول ساعة وهي الأعلى منذ يناير/ كانون ثاني ثم تخطت المليار جنيه بحلول الساعة 1101 بتوقيت غرينتش وسط مشتريات قوية من المستثمرين الأجانب في مواجهة مبيعات قوية من مؤسسات المال المصرية والأفراد.

صدمة

وعبر الكثير من رجال الأعمال عن صدمتهم إزاء القرار.

ووصف «هاني برزي» رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية القرار بأنه «مفاجأة غير سارة وضربة موجعة للاستثمار ويزيد من عبء الاقتراض ويضغط علي الموازنة العامة للدولة.

وقال «كل الدول في حالة الركود تتجه إلى خفض سعر الإقراض لتشجيع الاستثمار بدلا من الإدخار».

والاقتصاد المصري ليس في حالة ركود إذ نما 3.9% في الربع الثالث من السنة المالية الحالية 2016-2017 بعد نمو 3.8 % و3.4 % في الربعين الثاني والأول على الترتيب.

لكن الاقتصاد يعاني بشدة منذ ثورة 25 يناير/كانون ثان 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك وما أعقبها من قلاقل سياسية أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين.

وقال مسؤول حكومي لرويترز طالبا عدم نشر اسمه «القرار متوقع منذ فترة... إنها توصيات صندوق النقد للسيطرة على التضخم».

وقال اقتصادي بأحد بنوك الاستثمار طالبا عدم نشر اسمه «القرار كارثة وامتثال واضح لطلب صندوق النقد... ما حدث غلطة كبيرة لكن لا أحد يريد الاستماع. لا أجد أي سبب مقنع لما حدث."

وفي لغة سيطرت عليها حالة الصدمة من القرار قال «علاء سبع» من غرفة السيارات باتحاد الغرف التجارية لرويترز «القرار يعالج التضخم بالتضخم... ما يحدث تهريج. الأسعار ستتضخم مرة أخرى».

وتابع «لا أعلم كيف يقبلون على مثل هذه الخطوة؟ كيف يمتثلون لكل طلبات الصندوق؟ الاقتصاد قد يتوقف. إذا أردت الاقتراض حاليا سيكون بأكثر من 18%. هذا رقم خيالي سيضاف على أسعار المنتجات والسلع».

في المقابل، قال البنك المركزي المصري في بيان قرار الفائدة «يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف عن معدلات التضخم المستهدفة».

وقال محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات في بيان «القرار سيضيف أعباء جديدة تحد من قدرة الصناعة على التوسع الأفقي أو الرأسي والقدرة علي التطوير وكذلك من إمكانية جذب استثمارات جديدة.

وأضاف «القرار سيؤثر سلبا على المنافسة التصديرية وفي القدرة على مواجهة السلع المستوردة سواء كان ذلك في الأسواق المحلية أو في الأسواق الخارجية».

وناشد «السويدي محافظ البنك المركزي «تخصيص مبلغ مالي لإقراض الصناعة المصرية بسعر فائدة غير مرتفع وللاستثمار الصناعي حتى لا يؤثر ذلك على نمو الصناعة وتطويرها وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية».

لماذا نرفع الفائدة؟

ويحاول البنك المركزي المصري تحقيق توازن صعب بين دعم النمو واحتواء التضخم لكن القرار الأخير يعطي أولوية واضحة لمكافحة ارتفاع الأسعار الذي بات الشغل الشاغل للمصريين غير أن البعض يبدي تشككه في نجاح استخدام آلية رفع الفائدة لهذا الغرض.

وقال مسؤول مالي لرويترز طالبا عدم نشر اسمه «لماذا نرفع الفائدة؟ التضخم علاقة بين عرضين، عرض السلع والخدمات وعرض نقدي، ولخفضه لا بد من زيادة السلع أو تقليل عرض النقود. لا توجد سيولة أصلا حتى نمتصها. ما حدث يخلق فجوة تضخمية أخرى. لم يشتك أحد من أسعار الفائدة الموجودة حتى نقوم بزيادتها!"

واتخذت الحكومة في أواخر 2015 سلسلة إجراءات لاحتواء ارتفاع أسعار السلع الأساسية واستخدمت شاحنات الجيش ووزارة التموين لتوزيع المواد الغذائية بأسعار مدعمة على الفقراء بجانب زيادة عدد المتاجر التي يديرها الجيش وتحديث جميع المتاجر التابعة لوزارة التموين.

لكن أسعار السلع الأساسية لا تشهد أي تراجعات منذ نحو عامين بل تسجل قفزات متتالية.

وقال «أشرف الجزايرلي» رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية "الأكيد أن القرار سيرفع تكلفة الصناع مما سيكون له أثر في زيادة الأسعار. حركة السوق ستتباطأ أكثر... المستثمر سيفكر كثيرا قبل الإقدام على أي استثمار في الفترة المقبلة."

وبدأت موجة ارتفاع حادة في أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية بمصر منذ تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين ثاني 2016 ورفع أسعار المواد البترولية.

وتعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ديسمبر/ كانون أول بتحسن الظروف الاقتصادية الصعبة خلال ستة أشهر ودعا رجال الأعمال والمستثمرين إلى مساعدة الحكومة في كبح جماح الأسعار.

وقال رجل أعمال طالبا عدم نشر اسمه «ما حدث صدمة. في الدول المتقدمة يتم خفض الفائدة لتشجيع الاستثمار والتوسع وعدم تشجيع الكسالى على ترك الأموال بالبنوك.

وتابع «قرار المركزي سيدفع الشركات لعدم الاقتراض تماما مما سيبطىءأي توسعات ويزيد معدلات البطالة."

وتوقع وزير المالية المصري عمرو الجارحي» في تصريحات لرويترز الأسبوع الماضي استمرار تراجع معدل البطالة ليصل إلى 11.7 أو 11.8 % نهاية 2016-2017. وكان انخفاض نسبة البطالة وتحسن النمو الاقتصادي من بين الأسباب التي ساقها البنك المركزي لقراره يوم الأحد.

وتحملت مصر 243.635 مليار جنيه قيمة مدفوعات فوائد الدين في 2015-2016 ورفعت وزارة المالية توقعاتها للإنفاق على الفوائد في السنة المالية الحالية إلى 303.879 مليار جنيه.

وتوقع «محمد فؤاد» عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في اتصال مع رويترز أن يكلف قرار المركزي موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 ما بين "30 و32 مليار جنيه زيادة فى تكلفة خدمة الدين.

وتستهدف موازنة السنة المالية 2017-2018 المعروضة على مجلس النواب إنفاق 380.986 مليار جنيه على مصروفات الفوائد.

وقال «فؤاد» «في حالة تحمل الموازنة العامة عبء مصروفات الفوائد الجديدة بعد الزيادة فهذا يعني استحالة تأجيل قرارات زيادة أسعار الطاقة والمياه والكهرباء يوما واحدا بعد بداية السنة المالية الجديدة».

وتوفير الغذاء بأسعار في متناول المواطنين قضية حساسة في مصر التي يعيش الملايين فيها تحت خط الفقر.

تأثير استثماري

وتعقيبا على القرار، قال «محمد عبد الحكيم» خبير أسواق المال، في تصريحات صحفية، إن رفع أسعار الفائدة في هذا التوقيت، تميز لبديل استثماري معين، ودعوة المستثمرين لتحويل جزء من استثماراتهم إلى أوعية ذات دخل ثابت، مما سيؤثر علي حجم الاستثمارات بالسوق المصري.

وعن تأثير القرار علي البورصة، أوضح «عبد الحكيم»، أن هذا القرار له آثار سلبية علي البورصة، وقد ينشأ عنه موجات بيعية لتسييل أجزاء من الاستثمارات بالبورصة، خلال الفترة القصيرة المقبلة.

واتفق معه، الدكتور «مصطفى بدرة» الخبير الاقتصادي، حين قال إن رفع أسعار الفائدة على الايداع والاقراض، يقضي على الاستثمارات، فضلا عن تأثيره السلبي على كافة المؤشرات الاقتصادية، مما يتسبب في ركود كافة القطاعات كالبورصة والاستثمار العقاري وغيرها.

وأضاف أنه «إذا ما تم رفع الفائدة، سيحدث ركودا في الأسواق نظرا للاتجاه إلى الإدخار بالبنوك بفائدة مرتفعة دون مخاطر».

فيما توقع الدكتور «هشام إبراهيم» أستاذ التمويل بجامعة القاهرة، أن أن يكون هناك ضغوطا على البنك المركزي من قبل صندوق النقد، لرفع أسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع الأسعار.

وأضاف: «لكن ذلك، ستكون آثاره وخيمة على الاقتصاد الكلي».

ضرر المنتجين

بينما قال «عبد الحافظ الصاوي» الخبير الاقتصادي، إنه «في ظل الأوضاع الحالية بمصر، فإن ارتفاع سعر الفائدة لا يصب في صالح المنتجين المحليين، وبخاصة أن الحكومة تستهدف ترشيد الاستيراد، واتباع سياسة إحلال الصادرات محل الواردات».

وأضاف: «ولكن وصول أسعار الفائدة لتقترب من 16% بالبنوك، يجعل تكلفة التمويل أحد معوقات ممارسة النشاط الإنتاجي، والمنافسة في السوق المحلي، فضلًا عن العجز عن المنافسة في السوق الدولية».

ويدفع ارتفاع سعر الفائدة إلى زيادة فاتورة أعباء الدين العام، مما يقلص من حرية الحركة لصانع السياسة المالية، فيما يخص تخصيص الإنفاق العام لتلبية القصور الشديد في المرافق والبنية الأساسية، وكذلك زيادة مخصصات التعليم والصحة، كما يحد من زيادة حجم الاستثمارات العامة بالموازنة، والتي تقلصت بشكل كبير، حيث لا تزيد مخصصات الاستثمارات العامة بالموازنة عن 8 – 9% سنويًا، وبشكل عام، لا تذهب المخصصات الكافية للصيانة مما يعرض الكثير من الأصول الرأسمالية للدولة المصرية للتلاف وقصر عمرها الافتراضي.

ويؤدي ارتفاع سعر الفائدة على الصورة الموجودة الآن في مصر إلى صعوبة التنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية، فالسياسة المالية تعاني من ارتفاع قيمة الدين العام، وزيادة أعبائه، والسياسة الإستثمارية تعاني من ضعف الإنتاح وتراجع معدلاته، والسياسة التجارية تعاني من تراجع معدلات التصدير، وسياسة التوظيف تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، والسياسة الاجتماعية، تواجه شبح الفقر.

 

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

مصر البورصة أسعار الفائدة التعويم التضخم رجال أعمال