استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مسـتقبل الإسلام السياسي

الجمعة 26 مايو 2017 02:05 ص

ناقش نخبة من الخبراء والباحثين في حقل الحركات الإسلامية أمس، مستقبل الإسلام السياسي في إقليم مضطرب، ضمن أعمال المؤتمر الذي نظمته مؤسسة فريدريش أيبرت في عمان، على صعيد الإسلام السياسي عموماً، والنماذج العربية خصوصاً، مثل التجارب المغربية والتونسية والمصرية، والعراقية والسورية، والجزائرية، وكذلك الحالة الأردنية بمشاركة أقطاب حاليين وسابقين في الحركة، مثل د. نبيل الكوفحي وزكي بني ارشيد، وغيث القضاة والدكتورة نيفين بندقجي المتخصصة بالحركة الإسلامية في الأردن.

ثمة نتائج ونقاشات وخلاصات على درجة كبيرة من الأهمية، لكن أبرز النقاط الرئيسة التي أشار إليها بوضوح كل من الباحث الفرنسي فرانسوا بورجا والمصري خليل العناني هو أنّ هنالك تنوعاً يصل إلى مرحلة التضارب والتناقض في أحيان بين ألوان الطيف الإسلامي عموماً، من زاوية، ومن زاوية ثانية أنّ هنالك خصوصية كبيرة لكل تجربة سياسية إسلامية عربية، مرتبطة بجملة من السياقات.

الأول بنيوي على صعيد قيادة هذه الحركة، والثاني العلاقة مع النظام القائم ومؤسساته، والثالث السياسات الإقليمية مع بروز أدوار الدول الراعية لتلك الحركات في المنطقة وتلك المعادية لها، والاخير السياسات الدولية والغربية المتذبذبة منذ الربيع العربي تجاه تلك الحركات.

الملاحظة الثانية المهمة تتمثل في الفجوة الكبيرة بين التجربتين الإسلامية المشرقية والمغربية، في كل من تونس والمغرب، ففي الدول المغاربية امتلكت الحركات الإسلامية قدراً أكبر من البراغماتية السياسية من الحركات المشرقية التي بقيت تراوح في الصراع بين التيارين المحافظ والبراغماتي، كان هنالك تنظير متقدم للإسلاميين المغاربة، كما فعل راشد الغنوشي وسعد الدين العثماني والآخرون.

يبدو الفرق أيضاً واضحاً بين التجربتين المغربية والتونسية من جهة والتجربة المصرية من جهة أخرى تتمثل في اختلاف السياق السياسي في طبيعة الدولة العميقة ومؤسساتها وبين المؤسسات المغربية والتونسية، فبينما نشأ صدام وصراع وتنافس بين الإخوان والمؤسسات السيادية في مصر، حدث سيناريو آخر في تونس والمغرب أقرب إلى "الصفقة السياسية" قدم فيها الطرفان، المؤسسات العميقة والإسلاميين تنازلات متبادلة.

الملاحظة الأخرى تتمثل بوجود اتجاه متصاعد في الحركات الإسلامية في المشرق والمغرب، بالاستقلال عن الجماعة الأم للإخوان المسلمين، والتحول نحو أحزاب سياسية مدنية، بفصل الجانب الدعوي عن السياسي، وهو ما يبدو في مراجعات التيار الشبابي (الكمالي) في مصر، وإقرار النهضة التونسي الفصل بين الدعوي والسياسي، ووثيقة حركة حماس الجديدة، والتعديلات على النظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وكذلك الحال في التوجهات الجديدة للجماعة الإسلامية في لبنان.

يمكن في هذا السياق التمييز بين ثلاث حقب تاريخية- فكرية مرت فيها الحركات الإسلامية، التي تنتمي أو تدور في فلك جماعة الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسي الذي يقبل باللعبة الديمقراطية. الحقبة الأولى هي حقبة التأسيس الذي اتسمت فيه الحركات الإسلامية بالطابع الإحيائي الهوياتي، فكانت أقرب إلى الخطاب الديني الأيديولوجي، الذي يتمركز حول الهوية والشعارات والتجنيد. ثم في مرحلة لاحقة، مع بداية التسعينيات ظهرت موجة التحولات الديمقراطية الجزئية في العالم العربي، فحدث تحول جزئي في مسار تلك الحركات، عبر المشاركة في الانتخابات النيابية والنقابات المهنية والبلديات، لكن بقيت تلك الحركات تراوح بين النزوعات الأيديولوجية والبراغماتية، وتدور حول نفسها والانقسام الداخلي في الموقف من الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة.

أما التغيرات الأخيرة فتشي بأنّ هنالك حقبة جديدة عنوانها التسييس، إذ أن التوجهات الأخيرة ضربت محرمات وخطوطا حمراء سابقة لدى الإسلاميين، وأصبحنا أمام تحول جديد أكثر عمقاً في مسارها ومفاهيمها الأيديولوجية وخطابها السياسي.

 

الإسلام السياسي الجديد!

الاتجاه العام للمراجعات يتمثل بسياق فصل الدعوي عن السياسي والتحول إلى أحزاب سياسية مدنية محترفة، والتحول عن شعار الإسلام هو الحل، والتسييس والبرامجية، وموجة الانفصالات عن جماعة الإخوان المسلمين الأم في الوثائق الجديدة للإسلاميين.

يبدو هذا التوجه مشجّعاً ومحفّزاً للتحولات الديمقراطية وتفكيك إشكاليات مرتبطة بالإسلام السياسي في العالم العربي، لكنّه في الوقت نفسه يطرح إشكاليات أكثر عمقاً متقدمة على ما سبق، ولعلّ أبرزها يتمثل في هوية الأحزاب الجديدة التي تخلت عن شعاراتها الإسلامية وجزء كبير من أيديولوجيتها الإسلامية، واستبدال الدولة الديمقراطية التعددية بحلم ويوتوبيا "الدولة الإسلامية"، الذي حكم الإسلاميين خلال العقود السابقة، فما هو الفرق، إذاً، بين الأحزاب الجديدة، التي أخذت تعيد تعريف نفسها من أحزاب إسلامية إلى وطنية ذات مرجعية إسلامية (أو حتى من دون الإشارة إلى المرجعية الإسلامية كما ذكر غيث القضاة متحدثاً عن حزب الشراكة والإنقاذ تحت التأسيس) وبين الأحزاب الأخرى، التي تصنّف نفسها بأنّها علمانية؟

هل سيكون الفرق بأنّ الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية ستكون محافظة دينياً، مثلاً، فتركز على موضوع الأخلاق العامة مثلاً وحمايتها، كأيّ حزب سياسي محافظ، وربما شبيه بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب؟

وإذا فرضنا التحول الجوهري الكبير في هوية وشعارات تلك الأحزاب عبر إعادة هيكلة الخطاب الأيديولوجي، كما حدث سابقاً مع العدالة والتنمية في تركيا، فبماذا ستتميز تلك الأحزاب برامجياً، هل الرهان مثلاً على "الحكم النظيف" أي ممارسة سياسية أكثر نقاءً وحاكمية رشيدة مقارنة بالنخب الحاكمة الآن؟

بالعودة إلى التجارب التونسية والمغربية فإنّ السنين السابقة لم تحمل أي تغيير حقيقي في الواقع الاقتصادي الخدماتي مقارنةً بين الإسلاميين والآخرين، وقد تكون المشكلة مرتبطة بوصول الظروف الاقتصادية والمالية في تلك الدول والأزمات الداخلية إلى مرحلة صعبة وحرجة تجعل أي تغييرات ملموسة مستبعدة حالياً؟

وإذا فقد الإسلاميون الأدوات التقليدية في الخطاب، التي كانت تحشد الشارع خلفهم، في شعارات الإسلام هو الحل والهوية الإسلامية والطوباوية الإسلامية لحل المشكلات الراهنة، فبماذا سيكتسبون المؤيدين ويجمعون الأنصار ويخوضون الانتخابات في ظل التزامهم ببرامج اقتصادية شبيهة بما هو قائم، مرتبطة ببرامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟!

إذا نظرنا إلى تجربة العدالة والتنمية في تركيا فقد نجحت في تقديم أنموذج أقرب إلى "العلمانية المحافظة"، بعد أن أعاد الحزب هيكلة شعاراته وأولوياته، وتحول بالفعل إلى حزب سياسي مدني بالكامل، لكنه نجح في تجربة الحكم بصورة استثنائية، ونقل تركيا من أوضاع خطيرة إلى دولة أفضل حالاً بكثير في الجوانب الاقتصادية والخدماتية ومكافحة الفساد، خلال فترة قصيرة من حكمه.

بمقارنة ذلك بالحالتين المغربية والتونسية، فإنّ الإسلاميين لم يحققوا أي إنجازات اقتصادية وخدماتية، بل يواجهون اليوم في تونس والمغرب تحديات عاصفة، وقد يعود ذلك – كما ذكرنا في مقالة أمس- إلى أنّهم عملياً لم يحكموا بصورة جدية، بقدر ما إنّهم كانوا شركاء في الحكم، وبقيت الدولة العميقة والمؤسسات السيادية فاعلة وقوية، بينما اكتفى الإسلاميون بمناورة تلك المؤسسات تجنباً للسيناريو المصري، أي الإطاحة بهم عبر الجيش.

إذا كان الإسلاميون في تونس والمغرب نجحوا في تجنب الصدام والمواجهة، وقدّموا تنازلات، إلاّ أنّ ذلك سلاح ذو حدين.

 

الإسـلامـيـون بين حـدّين

القيمة الكبرى في التجربتين التونسية والمغربية (وفقاً لمشاركات د. إدريس الكنبوري من المغرب، ود. عبد اللطيف الحنبوشي من تونس) – كما ذكرنا سابقاً- أنّهما تجنبتا الصدام مع "الدولة العميقة"، في المغرب مع المخزن (العرش) وتونس مع النظام القديم، وذهبتا إلى أقصى البراغماتية السياسية تجنباً للسيناريو المصري (الانقلاب العسكري)، وشاركتا بالسلطة بعد تقديم تنازلات مع "الدولة العميقة"، لكنّهما لم تحدثا أثراً عميقاً واضحاً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ولم تغيّرا شيئاً، وذلك يعود لسببين رئيسين؛ الأول لأنّ الأوضاع وصلت إلى مرحلة صعبة جداً في المجالات الاقتصادية والمالية، وثانياً لأنّ أيدي الإسلاميين مقيدة في السلطة بتحالفاتهم مع هذه القوى، التي كانت – وما تزال- جزءاً من النظام القديم، الذي تسبب فيما وصلت إليه الحال!

هنا، تحديداً، تبدو "معضلة" الإسلاميين المغاربة والتونسيين وعملية قراءة مستقبلهم السياسي، فهم نجحوا من جهة في تجنب الحالة المصرية، وجنبوا بلادهم سيناريو أمنيا مقلقا، كما يحدث في مصر ووقع في الجزائر (فيما يسمى بالعشرية السوداء)، لكن على الطرف الآخر هم لم يقدّموا شيئاً وأصبحوا جزءاً من ديناميكية السلطة، أي أنّ استدخالهم لم يحدث فرقاً جوهرياً في حياة تلك الشعوب، بقدر ما تحوّل الإسلاميون إلى جزء من المشهد، بلا قيمة إضافية مغايرة، على صعيد تحسين الحالة السياسية أو الاقتصادية- الاجتماعية.

عند هذه النقطة، تكمن أهمية السيناريو الجزائري (الذي أشارت إليه الباحثة د. دالية غانم)، فبينما عقدت حركة مجتمع السلم (الإخوانية) مصالحة ووصلت إلى تفاهمات مع السلطة الجزائرية، وساهمت في الحدّ من العنف الداخلي، فإنّ هذه الحركة تحولت إلى "أداة" من أدوات السلطة السياسية، وجزء من ديناميكيات "الديمقراطية الشكلية" المقيدة، من دون أن تساهم في تغيير أفضل نحو الديمقراطية أو الحدّ من الفساد السياسي.

بل أشارت دالية غانم إلى آفات وقع فيها الإسلاميون مثل "البرجزة" لدى الصف القيادي، وتراجع حادّ في الشارع نتيجة الصفقة مع السلطة، فضلاً عن الانشطارات والانقسامات الداخلية المتتالية.

لذلك يبدو السؤال المهم في هذه "المعضلة" فيما إذا كان الخيار الأفضل للإسلاميين هو ما ذهب إليه الإخوان الجزائريون سابقاً، وحالياً التونسيون والمغاربة من سيناريو "الصفقة" مع النظام القائم، لتجنيب البلاد مآلات الحالات المصرية والسورية والحروب الأهلية والفوضى الداخلية، اي تفضيل الوحدة والاستقرار أم التفكير في خيارات أخرى من الضغوط على السلطات من أجل دفع عجلة التغيير الديمقراطية إلى الأمام، وخشية من أن يتحولوا إلى جزء من ديناميكيات جديدة للتحايل على الثورات العربية الديمقراطية وطموح الشعوب بالتحرر؟!

سؤال صعب ومعقد، في الحقيقة، لكنه يقودنا إلى الحالة المصرية اليوم والنقاشات العاصفة في أوساط النخب والانقسام في داخل جماعة الإخوان المسلمين الأم (وفق ما أشار الباحث د.خليل العناني من مصر) بين تيار يفكّر في المصالحة في نهاية اليوم (وهي القيادة التاريخية)، عبر وساطات إقليمية، لإنهاء التراجيديا الحالية، وتيار شبابي يقوم بالمراجعة، لكنّه يدفع إلى تغيير وسائل مقاومة السلطوية والثورة على المنهج الإخواني الكلاسيكي، عبر تبني رؤية ثورية توظف الشغب والعنف (لكن ما دون الرصاص) من أجل هزيمة السلطة، من دون الوصول إلى "الطرح الداعشي"!

* د. محمد أبورمان باحث بـ«مركز الدراسات الاستراتيجية» بالجامعة الأردنية. 

المصدر | الغد الأردنية

  كلمات مفتاحية

الثورات العربية الديمقراطية النماذج العربية المغرب الجزائر تونس الإخوان المسلمون الحالة المصرية مستقبل الإسلام السياسي