أمريكا تدافع عن المناطق الآمنة في سوريا.. وتختبر روسيا وتستبعد إيران

الاثنين 29 مايو 2017 05:05 ص

حادثة هي الأولى من نوعها، فالجيش الأمريكي يدافع عن أرض خاضعة لسيطرة فصائل «الجيش السوري الحر» التي يدعمها.

حيث أبلغ الجيش الأمريكي عبر قناة الاتصال مع نظيره الروسي، ضمن اتفاق «منع الصدام» رسالة عاجلة مفادها بوجوب وقف تقدم القوات النظامية وميليشيا إيرانية من تدمر باتجاه معسكر التنف الذي يضم وحدات خاصة أمريكية وبريطانية ونرويجية قرب حدود العراق.

بعد ذلك، بحسب «الشرق الأوسط»، جاء الرد الروسي بأن قوات النظام توقفت، لكن ميليشيا أخرى (إيرانية) استمرت بالتقدم، ما دفع قاذفات أمريكية بتوجيه ضربات تحذيرية، دمرت بعضها.

كانت هذه الضربات، تختلف عن الضربات الصاروخية على مطار الشعيرات قبل أسابيع؛ لأن الأخيرة جاءت بعد هجوم كيماوي على خان شيخون، وضمن اعتبارات تتعلق بالموقف من روسيا و«الخط الأحمر» واستخدام الكيماوي، وانقلاب إدارة «دونالد ترامب» على تردد إدارة «باراك أوباما».

وفي يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز العام الماضي، تعرض معسكر التنف لقصف من قاذفات روسية أكثر من مرة، كانت بعض الغارات على وشك إصابة وحدات أمريكية وبريطانية.

وقتذاك، حصل «توتر» بين وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر» والبيت الأبيض لأن «أوباما» لم يعط تفويضاً بالرد على الاستهداف الروسي.

في 18 مايو/ أيار الجاري، جاء قصف القاذفات الأمريكية لميليشيا إيرانية موالية لدمشق بعد أيام من إبلاغ وزير الخارجية الأمريكية «ريكس تيلرسون» الكرملين، بأنه لا مانع لدى واشنطن من أن تكون مناطق النظام «تحت سيطرة روسيا، لكن شرط إبعاد الحرس الثوري الإيراني من هذه المناطق»، وأن «دارة ترامب متمسكة بخروج بشار الأسد من مستقبل سوريا مع مرونة إزاء موعد وكيفية خروجه».

مناطق آمنة

أيضاً، أبلغ الأمريكيون نظراءهم الروس، بأنهم غير مهتمين بالمفاوضات السياسية في جنيف ويراقبون اجتماعات «آستانة» لإقامة أربع مناطق «خفض التصعيد»، لكن واشنطن أرادت اختبار نيات موسكو ومدى قدرتها على الطلاق مع طهران وقررت فتح مفاوضات عسكرية ودبلوماسية مع الروس في عمان للبدء بإقامة «منطقة آمنة» جنوب سوريا.

عليه، عقدت جلسات لمسؤولين أمريكيين وروس في العاصمة الأردنية، شارك فيها «بريت ماغورك» المبعوث الأمريكي إلى التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»، و«مايكل راتني» مساعد نائب وزير الخارجية.

اللافت، أنه خلال الاجتماع الثنائي، تبلغ «ماغورك» أن قاذفات أمريكية قصفت ميليشيا إيرانية وهو قام بدوره بإبلاغ نظرائه الروس الجالسين أمامه، لكنهم لم ينسحبوا من الاجتماع، بل واصلوا بحث التفاصيل.

من المقرر أن تعقد جلسة أخرى في عمان لبحث «المنطقة الآمنة»، ذلك أن التفكير الغربي يقترح التفاهم مع موسكو لضم درعا والقنيطرة والجولان وجزء من ريف السويداء امتدادا إلى معسكر التنف ومعبر الوليد مع العراق، بحيث تقام في مناطق المعارضة مجالس محلية وممرات إنسانية وعودة للنازحين واللاجئين ومشروعات إعادة أعمار، مع احتمال التوصل إلى تفاهم على وجود رمزي لدمشق على معبر نصيب مع الأردن ورفع العلم السوري الرسمي في نقاط معينة في «الشريط الأمني» الذي «يجب أن يكون خالياً من ميليشيا إيران و(حزب الله)».

وفي هذا المجال، لوحظ إعلان وزير الدفاع الروسي «سيرغي شويغو» أنه أجرى «اتصالات بناءة» مع نظيره الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان» إزاء «منطقة آمنة» جنوب سوريا

وقال مصدر دبلوماسي، إن موسكو اقترحت «عودة قوات النظام من دون الميليشيا إلى الجنوب، لكن واشنطن تمسكت بالتفاهم مع موسكو بإقامة المنطقة الآمنة».

تحرير الرقة ودير الزور

بالتوازي مع هذا المشروع الأول، الذي تريده دول غربية اختبارا لنيات موسكو ومدى قدرتها على ضبط طهران وحلفائها، هناك مشروع أمريكي ثان في شمال شرقي البلاد، يقوم أكثر على المقاربة العسكرية.

واشنطن حسمت أمرها في الاعتماد على «قوات سوريا الديمقراطية» بما في ذلك «وحدات حماية الشعب» الكردية لتحرير الرقة من «الدولة الإسلامية» رغم تحفظات أنقرة وغضب الرئيس «رجب طيب أردوغان»، ضمن تصور مفاده أن تحرير الرقة لن يحصل قبل خريف العام الحالي.

لكن واشنطن وحلفاءها منفتحون على بحث خطط لـ«استقرار الرقة ما بعد التحرير» بحيث يكون الدور العربي أوضح، ويتضمن بقاءهم في مدينتهم تحت مجلس مدني يديرها.

ولأن بعض الدول، حذر واشنطن من احتمال تسليم «وحدات حماية الشعب» مناطق تحررها إلى قوات النظام برعاية روسية كما حصل شرق حلب، هناك فكرة بالضغط على «وحدات حماية الشعب» كي تبتعد سياسيا وعسكرياً من دمشق مقابل حوافز سياسية تتعلق بالاعتراف بحقوق الأكراد وكيانهم السوري، إضافة إلى القواعد العسكرية التي أقامها الجيش الأميركي دعماً للأكراد.

في حال نجحت «المنطقة الآمنة» جنوب سوريا بتفاهم أمريكي - روسي - أردني، يمكن الانتقال إلى تطبيق منطقة «خفض التصعيد» في إدلب بتفاهم أمريكي - روسي - تركي.

موسكو التي تفاوض واشنطن في عمان جنوباً تفاوض أنقرة وطهران شمالاً.

وبرزت أهمية الاجتماعات الروسية - التركية – الإيرانية، لرسم حدود مناطق «خفض التوتر» الأربع لإقرار في 4 يونيو/ حزيران المقبل، تمهيداً لنشر مراقبين من هذه الدول ثم من دول أخرى بعد صدور قرار من مجلس الأمن.

أنقرة تريد توسيع منطقة إدلب لتشمل قسماً واسعاً من الريف الغربي لحلب والريف الشرقي للاذقية، لكن دولاً أخرى تشترط قراراً تركياً حاسما بـ«القضاء على (جبهة النصرة) وخنقها وفاعلية أكبر مما فعلته ضد «الدولة الإسلامية» ضمن عملية درع الفرات»، في إشارة إلى «الصفقة» التي شملت مقايضة خروج المعارضة من شرق حلب مقابل «ضوء أخضر» روسي لتوغل الجيش التركي وحلفائه من جرابلس شمال سوريا.

وبين «المنطقة الجنوبية» ومحافظة الرقة، تظهر «عقدة» دير الزور التي تدور فيها معارك بين قوات النظام بغطاء جوي روسي وتنظيم «الدولة الإسلامية».

بعض المسؤولين الأمريكيين يريد استعجال عزل دير الزور لطرد «الدولة الإسلامية»، والنظام منها، في حين يرى آخرون بإمكانية قبول وجود النظام وروسيا في حال حصل تفاهم مع موسكو التي توفر الغطاء الجوي لقوات النظام ومطارها العسكري قرب المدينة.

وقال مسؤول غربي: «قد تقبل واشنطن وجود دمشق وموسكو في دير الزور، لكن لن تقبل وجود طهران. واضح أن الأمريكيين قرروا الدفاع عن أراض تسيطر عليها المعارضة، لكن لن تأخذ مناطق النظام حالياً».

مسارات المعارك على الأرض تدل إلى سباق للقبض على الأرض وتعزيز المواقع في الميدان السوري بالتوازي مع المفاوضات العسكرية والسياسية في عمان و«آستانة»؛ إذ إن الجيش الروسي وسع مناطق انتشاره إلى السويداء وأطراف درعا، وبات ينشر شرطته العسكرية بدل الميليشيا الإيرانية في مناطق «المصالحات»، لكنه يقدم الدعم الجوي لقوات النظام و«حزب الله» في طرد «الدولة الإسلامية» من شرق حلب، وصولاً إلى الضفة الغربية لنهر الفرات ويوفر الغطاء الجوي للتقدم من تدمر إلى دير الزور والبوكمال قرب الحدود العراقية.

جاء هذا بعدما سبقه الجيش الأمريكي للسيطرة على سد الفرات ومطار الطبقة العسكري ودعمت استعادة سد «البعث» ضمن معركة تحرير الرقة، إضافة إلى استمرار الدعم الغربي لـ«الجيش الحر» في درعا لصد هجمات قوات النظام نحو حدود الأردن.

الهلال الشيعي

أما إدارة الرئيس «ترامب»، تعتقد أن السيطرة بتفاهم وتنافس مع الكرملين على «المنطقة الجنوبية» وتعزيز المواقع العسكرية شمال شرقي سوريا، ستؤدي إلى اختراق «الهلال الشيعي» من إيران إلى العراق ووسط سوريا و«حزب الله» في لبنان، إضافة إلى أنه ستنهي خطة طهران لتوفير خط إمداد بري إلى البحر المتوسط واحتمال تنفيذ طموح قديم بإقامة قاعدة.

بل إن إدارة «ترامب» أنه بذلك تتم هزيمة «الدولة الإسلامية»، وتقليص النفوذ الإيراني بأقل كلفة عسكرية واقتصادية.

في المقابل، كثفت طهران من دعمها للميليشيا التابعة لها لخلط الأوراق الأمريكية في البادية السورية وعدم قبول الخطوط التي ترسمها واشنطن في سوريا وهي تضغط على واشنطن التي تعتبر هزيمة «الدولة الإسلامية» في الموصل بدعم تنظيمات محسوبة على إيران أولوية أيضا، بل إن بعض الميليشيا اقترب من حدود العراق، وتوعد بعبور الحدود للمشاركة في معارك دير الزور أو الرقة.

يضاف إلى ذلك، أن إيران تستعجل تعزيز القبض على الأرض بين دمشق وحدود لبنان و«حزام» دمشق عبر العمليات العسكرية والتغيرات الديموغرافية للتأثير على القرار السياسي في العاصمة السورية، بصرف النظر عن النظام وزيادة اعتماد موسكو عليها في خضم المفاوضات الأمريكية - الروسية، في وقت لا تزال موسكو تفاوض واشنطن وتتفاهم مع أنقرة وطهران حول المناطق الأربع لـ«خفض التوتر».

وهناك من يطرح احتمال مقايضة لاحقة بين الدول المنخرطة في الأرض السورية لتحديد حدود السيطرة وتظهير «مناطق النفوذ» إلى حين الجلوس على طاولة المحاصصة في النظام السياسي المقبل.

المصدر | الخليج الجديد + الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

أمريكا روسيا جنيف سوريا إيران