من أجل تحقيق الاستقرار في سوق النفط.. «أوبك» تعدل استراتيجيتها

الاثنين 29 مايو 2017 11:05 ص

خلال اجتماع عقد في فيينا يوم 25 مايو/أيار، وافق كبار منتجى البترول من جميع أنحاء العالم على تمديد الإجراء الذي تم تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016 لمدة تسعة أشهر أخرى. لقد كانت الصفقة مفاجأة وقد أشار العديد من الأعضاء الرئيسيين منذ أسابيع إلى أنهم يؤيدون إطالة أمد خفض الإنتاج. وكانت القضايا الرئيسية المطروحة هي تفاصيل مثل كم من الوقت يلزم لمواصلة ذلك، وعما إذا كان سيتم التعمق عن طريق زيادة التخفيضات الطوعية أو تضمين المزيد من البلدان في الصفقة.

ومع ذلك، ظل اتفاق الإنتاج على حاله دون تغيير، وعلى الرغم من القوى العاملة ضده، فإن تمديد التخفيض سيبدأ بإعادة التوازن إلى سوق النفط الدولية. وسوف يتراجع العرض تدريجيا مرة أخرى أمام الطلب. والأهم من ذلك، أن مخزونات النفط العالمية ستقترب من مستوياتها الخمسية. ولكن مع اقتراب أوبك، جنبا إلى جنب مع كبار منتجي النفط خارج الكتلة، من تحقيق هذه الأهداف، فإنهم سوف يواجهون معضلة مختلفة وهي: كيفية الخروج هذه الصفقة.

استراتيجية الخام

مع موافقة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومنتجو النفط الرئيسيون الآخرون على خفض الإنتاج قبل نحو ستة أشهر، كان هذا الإجراء قد أخذ سنوات عديدة. وقد قاومت السعودية بثبات كبح الإنتاج عندما بدأت أسعار النفط في الانخفاض في النصف الثاني من عام 2014 (حيث بلغت ذروتها عند 115 دولارا للبرميل في يونيو من ذلك العام). وبدلا من ذلك، فعلت العكس، مما أدى إلى زيادة الإنتاج من 9.5 مليون برميل يوميا في ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 10.5 مليون برميل يوميا بحلول منتصف عام 2015. وأعربت الرياض عن أملها في أن تؤدي زيادة الإنتاج إلى الإسراع في انخفاض أسعار النفط - وهو ما قد يكون حتميا على أي حال - ودفع ذلك منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية إلى الخروج من السوق. وقد عملت هذه الاستراتيجية وانخفضت الأسعار بشكل حاد في عام 2015، قبل أن تنخفض بنحو 26 دولارا للبرميل في يناير/كانون الثاني 2016، وبدأ الإنتاج الصخري الأمريكي أيضا في الانخفاض.

لكن أشهر من إغراق السوق بالنفط أسفرت عن عواقب أخرى تمثلت في فائض ضخم. حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام التجاري من 994 مليون برميل في نهاية عام 2014 إلى 1.18 مليار برميل بعد عامين. وقد اضطرت السعودية وبقية دول أوبك إلى تحويل اهتمامها من محاولة حماية حصتها في السوق من خلال إخراج منتجي الصخر الزيتي إلى إعادة توازن إمدادات النفط العالمية. وقد حان الوقت أخيرا لخفض الإنتاج.

وحتى الآن، لم يكن لهذا التدبير أثره المقصود. ويكمن جزء من المشكلة في أن إنتاج النفط قد عاد في ليبيا منذ أن تم التفاوض على الصفقة الأصلية التي خفضت 1.5 مليون برميل يوميا من الإنتاج في الربع الأول من هذا العام. وفي الولايات المتحدة، أدت التحسينات في التكنولوجيا إلى خفض تكاليف الإنتاج، مما أدى إلى زيادة الإنتاج، وهو اتجاه سيستمر طالما بقيت أسعار النفط قريبة من مكانها الآن، أي نحو 50 دولار للبرميل. وحافظت المخزونات العالمية على الارتفاع، وذلك بفضل الزيادات الموسمية في الإنتاج لتلبية الطلب العالي على النفط في الصيف والشتاء. وبحلول نهاية آذار / مارس، بلغت مخزونات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من النفط الخام نحو 1.24 مليار برميل، بزيادة نصف مليون برميل عن العام السابق. وكانت الزيادة متواضعة، ومع ذلك، فقد أثبت ذلك أن خفض منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لم يؤد إلا إلى إبطاء تراكم النفط الزائد بدلا من تخفيض الفائض.

التغيير يتم ببطء ولكن بالتأكيد، سيحدث تغيير في المخزونات في العالم. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على النفط بمعدل 1.3 مليون إلى 1.5 مليون برميل في اليوم كل عام، في حين أن الإنتاج في الآبار القائمة سينخفض بشكل طبيعي. وستتفق هذه القوى معا في نهاية المطاف على تخفيض مخزونات النفط في جميع أنحاء العالم، حتى إذا أدى الإنتاج المتزايد في بلدان مثل الولايات المتحدة إلى إلغاء التخفيضات التي أجرتها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وكذلك الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

الهدف الجديد

إن الهدف المعلن الجديد للسعودية هو خفض المخزونات النفطية إلى مستوياتها الخمسية. وفي محاولة متعمدة لتشكيل توقعات السوق، وعد وزير الطاقة في المملكة بأن «يفعل كل ما يلزم» للوصول إلى هذا الهدفز ويعد تمديد قطع الإنتاج بداية جيدة. وقد حقق سوق النفط بالفعل توازنا كبيرا بين العرض والطلب. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب خلال العام المقبل بنحو 475 مليون برميل.

وبطبيعة الحال، فإن الإنتاج في بلدان خارج الصفقة يمكن أن يعرض التقدم للخطر. وبعيدا عن الولايات المتحدة، تعتبر نيجيريا وليبيا هما منتجا النفط اللذان يمكن أن يشكلا خطرا على خطة السعودية. حيث أعفي كلا البلدين من الاتفاق على إنتاج الحد الأقصى، واستبعدا من التمديد أيضا. غير أن إنتاج ليبيا من النفط ظل مرتفعا منذ الربع الأول من هذا العام. واليوم، يبلغ إنتاجها حوالي 800 ألف برميل يوميا، بزيادة 120 ألف برميل يوميا عن مستويات مارس/أذار. وهي لا تعتزم التوقف في أي وقت قريب. وقد وضعت الشركة الوطنية للنفط في البلاد رؤيتها للوصول إلى 1.2 مليون برميل يوميا في الإنتاج بحلول نهاية العام. ولكن حتى لو ظل إنتاج ليبيا قائما، فسوف يساهم في إنتاج 40 مليون برميل من النفط خلال عام 2018. وفي نيجيريا، فإن الإنتاج آخذ في الارتفاع حيث استعادت البلاد أخيرا محطة فوركادوس لتصدير الخام وتم تشغيلها مرة أخرى في مايو/أيار بعد هجوم مسلح في فبراير 2016 . والآن بعد أن عادت إلى العمل، يمكن للمرفق أن يضيف 200 ألف برميل في اليوم أو نحو ذلك إلى إنتاج النفط الخام في نيجيريا، وهو ما يضع 50 مليون برميل إضافية على الأقل في السوق.

معضلة منتجي النفط

وبسبب الأوضاع الأمنية الهشة في كلا البلدين، قد لا تصل نيجيريا وليبيا إلى هذه الأرقام. وبغض النظر عن ذلك، فإن مستويات التخزين ستظل قريبة من مستوياتها الخمسية في نهاية مارس/أذار 2018. ويتطلع بعض المشاركين في الصفقة، بالفعل إلى ما قد يأتي بعد انتهاء سقف الإنتاج حيث دعا الرئيس التنفيذي لشركة روزنيفت «إيغور سيشين» مؤخرا روسيا للتفاوض على خطة خروج من الصفقة. مع اقتراب موعد انتهاء الصفقة، فإن ضمان الامتثال لسقف الإنتاج سيصبح أكثر صعوبة.

وحتى الآن، التزم المشاركون في الصفقة بأغلبية ساحقة بشروطها، على الرغم من أنه في اتفاقات الإنتاج السابقة، لم يلتزم كل شخص بالقواعد. وكان الامتثال بين أعضاء أوبك 90 % على الأقل خلال فترة التخفيض، وفى نيسان/إبريل سجل 66 في المائة من الدول غير الأعضاء في الاتفاق. ويعد أحد العوامل التي تدفع معدل الامتثال المرتفع هو أن العديد من منتجي النفط يدركون أنه من الأفضل التعامل مع الصفقة خوفا من خطر تقويضها، ولكن بالنظر إلى أن خفض المخزونات العالمية سيكون مسعى مطولا فإن إغراء غش النظام يلوح في الأفق.

ولكل عضو في الاتفاق درجة من الالتزام بالصفقة أو حافز للتغلب عليها. وسوف تصبح الاختلافات أكثر وضوحا عندما يصبح هدف خفض الإنتاج أكثر قربا. وبالنسبة لبلدان مثل فنزويلا، التي تتعثر في تسديد ديونها الخارجية، يمكن للحاجة إلى إيرادات على المدى القصير أن تطغى على المخاوف بشأن جدوى سوق النفط على المدى الطويل. وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان الأكثر استعدادا لتحمل الإنتاج المنخفض، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، ستلتزم بها حتى تصل إلى هدفها. فالسعودية، على سبيل المثال، عازمة على إحياء سوق النفط العالمية قبل أن تضع أسهم شركة النفط العربية السعودية في الطرح العام الأولي.

وتساعد الأولويات المتباينة بين المشاركين في الاتفاق على توضيح إصرار «سيشين» على وضع استراتيجية للخروج. وقد حققت اتفاقية الإنتاج تخفيض 1.6 مليون برميل يوميا من السوق. ولتجنب تعطيل سوق النفط العالمية، ستحتاج البلدان المشاركة إلى استئناف إنتاجها على مراحل، من المرجح أن تبدأ قبل مارس/أذار 2018. وفي غضون ذلك، سيساعد تزايد الطلب في تصحيح التفاوت بين العرض والطلب في سوق النفط العالمية تدريجيا. ومع ذلك، وبعد أن تم الانتهاء من الاتفاق، فإن المحادثات تتحول أكثر وأكثر من أجل مراحل الصفقة النهائية.

  كلمات مفتاحية

أوبك روسيا السعودية اتفاق خفض الإنتاج

استطلاع: توقعات أسعار النفط تزداد ضبابية رغم تمديد تخفيضات «أوبك»

«أوبك» تتوقع انخفاض الطلب على نفطها في 2018

إيران تتوقع ارتفاع إنتاجها النفطي لـ4 ملايين برميل يوميا