«عراب الألبان»: مليونيرات الحرب الجدد في سوريا

الجمعة 2 يونيو 2017 11:06 ص

من بين أنقاض سوريا، أسس «محي الدين منفوش» مملكةً بنيت على الجبن. وكان مجرد رجلٍ غير معروف يملك 25 بقرة قبل الصراع، ويملك «منفوش» الآن ميليشيا خاصة به، وقطيع من 1000 رأسٍ من الأبقار، وشركة منتجات ألبان أصبحت الآن في كل مكانٍ في دمشق.

وبالنسبة لأولئك الذين لديهم اتصالاتٍ جيدة وشهية للمخاطر، فقد فتحت الحرب مصادر مربحة من الإيرادات. وبالنسبة للسيد «منفوش»، ترتبط ثروته الجديدة ارتباطًا مباشرًا بالحصار الذي يفرضه النظام. وقد أثبت ذلك فعاليته في عزل المعارضين واحتوائهم وخنقهم دون استهلاك الكثير من القوى التي يفتقر إليها النظام. وقد ولد الحصار الكثير من المال أيضًا.

وكانت بقرة السيد «منفوش» التي أغدقت عليه بالمال هي حصار الغوطة الشرقية، وهي منطقة كبيرة يسيطر عليها المعارضون شرق دمشق. وفي منتصف عام 2013، حاصرت قوات النظام المنطقة، والتي كانت تزود العاصمة بمعظم اللحوم والجبن قبل بدء الحرب. ومع تشديد الحصار، فقد مزارعو الألبان ببطء إمكانية الوصول إلى عملائهم في العاصمة، وانهارت الأسعار.

وباستخدام اتصالاته، أجرى السيد «منفوش»، الذي كان يملك عملًا صغيرًا ينتج الجبن، اتفاقًا مع النظام. وبدأ في جلب الحليب الرخيص من أراضي المعارضين في الغوطة الشرقية إلى دمشق التي يسيطر عليها النظام، حيث كان بإمكانه بيعه بأضعاف السعر. واستولى «منفوش» على أفضل الأبقار في المنطقة وآلات الألبان من المزارعين ورجال الأعمال الذين عرقل الحصار سبل معيشتهم. ومع تطور الأعمال التجارية، عادت الشاحنات التي غادرت الغوطة بالحليب والجبن محملةً بالشعير والقمح الذي كان يحتاجه لإطعام قطيع الألبان المتنامي هناك، وتشغيل المخابز التي اشتراها.

تجار المعاناة

وبما أنّه كان التاجر الوحيد الذي سُمح له بإحضار البضائع داخل وخارج أكبر منطقة محاصرة في سوريا، فقد تمكن «منفوش» من التحكم في الأسعار. وبلغت الأسعار ذروتها في شتاء عام 2013، حين شدد النظام الحصار بعد مقتل 1400 شخص في هجومٍ بغاز السارين، وحينها كان السيد «منفوش» يتقاضى 19 دولارًا مقابل كيلو واحد من السكر (في حين كانت تكلفته في دمشق أقل من 1 دولار). ومع حصار أكثر من 390 ألف شخص، وانحصار الحق الوحيد لاستيراد الغذاء والوقود والأدوية وغيرها من الضروريات على السيد «منفوش»، تضاعفت أرباحه. وقام المعارضون بحفر الأنفاق خارج المنطقة لمحاولة تنويع الإمدادات، مما أدى إلى تراجع الأسعار، إلا أنّها ظلت أعلى عدة مرات مما كانت عليه في دمشق. وحتى مع هذه المنافسة، أصبح الحاجز الذي نقل منه السيد «منفوش» بضائعه يعرف باسم «معبر المليون». ويعتقد السكان أنّه يولد 5 آلاف دولار في الساعة في صورة رشاوى للجنود الذين يعملون عليه.

كما زادت المساعدات الخارجية من أرباح السيد «منفوش». واضطرت منظمات تمويل المخابز والمجالس المحلية إلى الاعتماد عليه لتحويل العملة الصعبة إلى الغوطة الشرقية. وهذا بدوره خلق المزيد من المال لملك الجبن، الذي استفاد من أسعار الصرف المختلفة داخل وخارج مناطق المعارضين.

وتختلف تقديرات ثروة السيد «منفوش». ومن المعروف أنّ تاجر الجبن لديه ميليشياتٍ خاصة قوامها نحو 500 رجل، وقوة عاملة قوامها حوالي 1500 شخص، يحصلون منه على ما يعادل 250 دولارًا في الشهر، وهو أكثر مما يدفع قادة المعارضة لمقاتليهم. وقد اشترى ممتلكات في دمشق، وشيد مصانعه داخل مناطق المعارضين والتي تنتج منتجات الألبان والرقائق والسلع المعلبة والعصير.

وأصبح السيد منفوش يعرف بين سكان الغوطة كـ«روبن هو»د، فهو الوحيد القادر على جلب الطعام لمناطقهم، دون أن يتم قصفه كالمناطق الأخرى.

ولا يكسب نخبة رجال الأعمال الجديدة المال من الحصار فقط، ولكن من الانهيار الاقتصادي العام. وخلال الحرب، تراجع اقتصاد البلاد تدريجيًا. وأدت العقوبات الدولية والضرر الذي أصاب البنية التحتية إلى شل قطاع النفط والغاز الذي كان المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة. وقد مولت الحكومة عجزها الضخم من خلال طباعة النقود والأخذ من احتياطياتها الأجنبية. وفقدت الليرة السورية أربعة أخماس قيمتها، وانخفضت الاحتياطيات من 20 مليار دولار إلى 1 مليار دولار منذ عام 2010. ويقول صندوق النقد الدولي أنّ الناتج المحلي الإجمالي السوري، اليوم، أقل من نصف ما كان عليه قبل الحرب.

ومع استمرار القتال، فر العديد من رجال الأعمال الكبار في سوريا، ونقلوا أصولهم إلى الخارج. أما الذين بقوا، ومعظمهم من أصحاب الشركات الصغيرة، فقد شغلوا الفراغ. وتختلف الخدمات التي يقدمونها، ولكن معظمها ينطوي على تسهيل تدفق البضائع إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. وقد ساعدت آخرون في تخفيف عبء العقوبات المفروضة على النظام، وقاموا بإنشاء شركات تعمل كواجهة لاستيراد الوقود والمواد الغذائية والأصناف الفاخرة.

ويعتمد ما إذا كان السيد «منفوش» وأمثاله سيحتفظون بثرواتهم بعد الحرب على مسار استمرار الصراع والسلام الذي يليه. وقال رجل أعمال يعرف تاجر الجبن: «إنّه يسبح مع أسماك القرش. فهو لا يعرف متى سيضربه النظام لكنهم سيفعلون ذلك، وسيتخلصون منه حين لا يعود له فائدة لديهم». ومع ذلك، يعتقد آخرون أنّه سيبقى، وأنّ الشبكات والصلات التي بناها مليارديرات الحرب ستبقى قائمة. وإذا فعلوا ذلك، فسيكونون في وضعٍ جيدٍ للاستفادة من أموال إعادة الإعمار التي ستتدفق بعد انتهاء الحرب. ومن ثمّ، فإن أولئك الذين حصدوا الثراء خلال أحلك ساعات بلادهم، قد يكونون هم الذين سوف يدفع لهم من أجل إعادة بنائه.

  كلمات مفتاحية

سوريا النظام السوري الحصار دمشق الغوطة أمراء الحرب