أزمة قطر وهجمات طهران: تحولات كبرى في الشرق الأوسط

الاثنين 12 يونيو 2017 08:06 ص

غالبًا ما تتكشف الخريطة الجيوسياسية ببطء، بسبب المدى الواسع للقوى التي تتطور على مدى فترات طويلة من الزمن. ومع ذلك، هناك فترات تحدث فيها موجة من الأحداث الهامة، وقد تكون غير متصلة، تعيد تشكيل العالم أو المنطقة أو الدولة بسرعة. ويمر الشرق الأوسط بهذه الفترات الآن.

وقد شهد الأسبوع الماضي أحد مراحل هذا التحول حين قادت السعودية مجموعة من سبع دول قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب مزاعم بدعم قطر للجماعات الإرهابية واستعدادها للعمل مع إيران. وفي اليوم التالي، بدأت القوات الديمقراطية السورية التي يسيطر عليها الأكراد هجومًا للسيطرة على الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية. وبعد 48 ساعة فقط من اندلاع أزمة قطر، هاجم تنظيم الدولة الإسلامية إيران، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها بذلك، حيث أطلق النار في مبنى البرلمان وضريح آية الله روح الله الخميني. وبعد ساعاتٍ، أعلنت حكومة إقليم كردستان في شمال العراق أنها ستجري استفتاءً على الاستقلال في 25 سبتمبر/أيلول.

قد تكون هذه الأحداث قد حدثت بشكلٍ منفصلٍ ومستقلٍ عن بعضها البعض، لكنّها معًا تمثل نقلة قوية. وتظهر رغبة قطر في الوقوف بوجه المملكة العربية السعودية أنّ إيران تزداد قوة أو أنّ السعودية تزداد ضعفًا، أو كليهما. وترى تركيا في الوقت نفسه أنّ هذه فرصة لدعم قطر ووضع نفسها كزعيمٍ للمنطقة. ويعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى سابق عهده كتنظيم تمرد فعال للغاية بسبب فقده للأراضي في العراق وسوريا. ويبدو أنّ الأكراد العراقيين أقرب من أي وقتٍ مضى للانفصال عن العراق رسميًا. وببساطة، تعيد قوى الشرق الأوسط تنظيم نفسها.

الاضطراب ينتشر في الخليج

بقيت دول الخليج العربية مستقرة نسبيًا، بفضل ثروتها النفطية وصغر عدد سكانها. ولكن لم تعد هذه هي القضية. وقد أثارت الأحداث الدرامية مع قطر عناوين الصحف هذا الأسبوع، لكنّها تدل على وجود مشكلةٍ أعمق. هناك انقسامٌ بين دول الخليج العربية حول كيفية التعامل مع الجماعات السنية المتطرفة وإيران ووكلائها الشيعة. وكانت سلطنة عمان، وهي دولة غير سنية، دائمًا خارج نسق الكتلة، وكان لها أوثق العلاقات مع إيران. وقد تمكنت الكويت، رغم قربها من السعوديين، من المحافظة على الحياد في مختلف القضايا، وتعمل حاليًا كوسيطٍ في النزاع القطري. وتعتمد البحرين، وهي دولة شيعية ذات نظام سني، تمامًا على السعوديين. وهذا يترك الإمارات كشريكٍ حقيقيٍ وحيد للسعوديين.

ويعد الهدوء النسبي لشبه الجزيرة العربية معرضًا للخطر، وتحاول السعودية منع أي انقساماتٍ أخرى من خلال شن حملةٍ دبلوماسية ضد قطر. لكنها مناورة محفوفة بالمخاطر، لكن قد تنجح إذا ما أعادت قطر إلى حظيرتها. كما يمكن أن يأتي ذلك بنتائج عكسية إذا ظلت قطر تمثل تحديًا أمام بقية دول الخليج العربي.

الدولة الإسلامية تفقد الأرض

لقد كان تنظيم الدولة الإسلامية مركز الثقل في الشرق الأوسط منذ سنوات. لكن خلال العام الماضي، فقد التنظيم أراضيه الاستراتيجية في العراق وسوريا، ويبدو أنّه يفقد الآن عاصمته الرقة.

وسيكون فقدان هذا الإقليم ضربةً كبيرة للتنظيم. حيث سيؤكد أنّه لن يكون قادرًا على الحفاظ على فكرة الخلافة على المدى القصير، ولكن مع أخذ الصورة الأكبر في الاعتبار، سيعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى سابق عهده كمجموعة متمردة تنفذ هجماتٍ إرهابية وحرب العصابات انطلاقًا من الأماكن غير الخاضعة للحكم في سوريا و الصحراء العراقية. وستبقى الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكامنة التي سمحت لتنظيم الدولة الإسلامية بالظهور في المقام الأول قائمة، حتى لو سقطت الرقة، وإذا لم يستغل تنظيم الدولة الإسلامية هذه الظروف، ستستغلها الجماعات الأخرى.

وبينما يضعف تنظيم الدولة الإسلامية في ساحة المعركة، تضعف القضية المشتركة للذين يقاتلون التنظيم أيضًا. وسوف يتقاتلون الآن فيما بينهم مع تركيز داعش على استغلال الانقسامات الإقليمية، وخاصةً الصراع بين القوى السنية والشيعية، من أجل زيادة إضعاف القيادة العربية السنية.

التهديدات تظهر في إيران

وفي يوم 7 يونيو/حزيران، لقي 12 شخصًا مصرعهم وأُصيب أكثر من ذلك فى هجومين قام بهما ستة مهاجمين يحملون بنادق هجومية متقدمة وسترات انتحارية. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته. وكونه يمكن أن ينفذ مثل هذه الهجمات، يشير إلى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية ربما كان يعمل في إيران لفترة من الوقت.

وقد سحب تنظيم الدولة الإسلامية فتيل هذه الهجمات في الوقت المناسب، بعد ثلاثة أسابيع فقط من زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للسعودية، وتحديده أنّ إيران هي التهديد الرئيسي للمنطقة. وفي الوقت نفسه، استبعد ولي ولي العهد السعودي أي حوارٍ مع إيران، وقال أنّ الكفاح ضد إيران يجب أن يتم على الأراضي الإيرانية. وكانت هناك أيضًا عمليات قمع كبرى ضد الشيعة في السعودية والبحرين.

ومن وجهة نظر إيران، يستفيد السعوديون بالفعل من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يساعد في مواجهة إيران وحلفائها الشيعة في المنطقة. ويود تنظيم الدولة الإسلامية أن يؤدي هذا الأمر إلى مواجهة بين طهران والرياض. ومن المحتمل أن تكون البيانات التي صدرت مؤخرًا عن الحرس الثوري الإيراني التي اتهمت السعودية بأنّها وراء هجمات 7 يونيو/حزيران، قد لاقت ترحيبًا داخل التنظيم.

وستحاول المخابرات الإيرانية تحييد عناصر الدولة الإسلامية في البلاد، على الرغم من أنّ فيلق القدس، وهي وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني مسؤولة عن العمليات في الخارج، قد تذهب إلى أبعد من ذلك وتحاول الانتقام من السعوديين في شكل هجمات داخل المملكة. وفي كلتا الحالتين، فقد أدت هذه الهجمات إلى تفاقم التوترات بين إيران والسعودية، وسيبذل تنظيم الدولة الإسلامية كل ما في وسعه لتفاقمها.

كردستانيون مستقلون؟

وفي الوقت نفسه، تستغل الجماعات الكردية عدم الوضوح في حدود المنطقة لإنشاء حدودٍ جديدةٍ خاصةٍ بها. ويعد الدافع الأساسي للأكراد السوريين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية هو تأمين الأرض والدعم الأمريكي لدولة كردية ذات حكمٍ ذاتي، إن لم تكن مستقلة. ويسعى أبناء عمومتهم البعيدة في العراق أيضًا إلى السيادة، مهددين بتمزيق العراق نهائيًا.

وعقب حرب العراق عام 2003، اعترفت الحكومة فى بغداد بحكومة إقليم كردستان ذاتية الحكم في المقاطعات الشمالية الثلاث فى العراق. ومع مرور الوقت، وسع الأكراد العراقيون نفوذهم جنوبًا ليشمل أجزاء كبيرة من ثلاث مقاطعات عراقية إضافية، لديها نزاعات إقليمية مع السنة في العراق. لكنّ الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة عارضت منذ فترة طويلة مزيدًا من الحكم الذاتي لحكومة إقليم كردستان. وساعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، وخاصةً الاستيلاء على الموصل، الأكراد العراقيين بالفعل، لأنّه أضعف بغداد وأجبرها على التعاون مع حكومة إقليم كردستان لمحاربة داعش في المناطق السنية.

وقد أعلنت حكومة إقليم كردستان في 7 يونيو/حزيران نيتها إجراء استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر/أيلول. وبعيدًا عن هذا التصويت، لا يزال مسار حكومة إقليم كردستان نحو الاستقلال غير واضح. ويعتمد في جزءٍ كبير على كيفية استجابة الأتراك والإيرانيين للأمر.

تركيا لا تزال بالجوار

وتراقب تركيا، في الوقت نفسه، كل هذا بعناية. وهي تعارض الاستقلال الكردي، وتتعارض أهدافها في سوريا مع كل قوةٍ أخرى تقريبًا في المنطقة. ومع ذلك، وبعيدًا عن تمويل بعض الجماعات الوسيطة في سوريا وإنشائها ممرًا صغيرًا في الجزء الشمالي من البلاد، فقد بقيت بعيدة عن المعركة. وهي تفضل السماح للعرب بالاقتتال فيما بينهم حتى يصبحوا ضعفاء، بحيث يصبح من المستحيل مقاومة النفوذ التركي. وتتعامل تركيا أيضًا مع قضايا محلية تمنعها من بسط النفوذ بعيدًا جدًا في الخارج.

ومع ذلك، مثل النزاع القطري عرضًا مغريًا لتركيا. فتركيا حليفة قطر. ولديهم علاقة جيدة مع السعوديين والدول العربية الأخرى. لكنّ الدول العربية تحتاج أيضًا إلى تركيا لمواجهة إيران. وسيتعين على العرب أن يقبلوا النفوذ التركي كموازنة للنفوذ الإيراني. وتحاول تركيا القيام بدور الوسيط في الأزمة بين دول الخليج، وهو ما قد يصبح نقطة انطلاق لدورٍ تركيٍ أوسع في الشؤون العربية. ولكي يبرهن البرلمان التركي حقًا على مدى سيطرة السلطة التركية، سرعان ما وافق البرلمان على مشروع قانونٍ في السابع من يونيو/حزيران لحشد 3000 جندي إلى قطر.

وللتعامل مع التحديات المتعددة المنبثقة عن سوريا، تحتاج تركيا إلى تقديم نفسها كزعيمٍ للمنطقة. وأحد التكتيكات التي تستخدمها هو دعمها للإسلاميين السنة، مثل الإخوان المسلمين الموالين لتركيا، في مقابل الحصول على دعمهم للمصالح التركية. والمشكلة هي أنّ السعودية ومصر لا تريدان أن تكون تركيا رائدة. وقد تكون إيران تهديدًا مباشرًا، لكنّ هيمنة تركيا تعد تهديدًا مساويا إن لم يكن أكبر على المدى الطويل.

لقد كان أسبوعًا مثيرًا في الشرق الأوسط، مليئًا بالتطورات الهامة التي تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية في المنطقة. وسوف تهدأ الأمور لتعود إلى وضعٍ طبيعيٍ جديد، لكنّ القضايا وراء تلك الأحداث لن تختفي، ولا تزال هناك حلقات أكثر أهمية في قادم الأوقات.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران قطر العراق كردستان السعودية