هـزيـمة لم تخـف على أحـد غـيرنا

الخميس 15 يونيو 2017 12:06 م

فى الذكرى الخمسين لهزيمة يونيو 1967 فُتح ملف النتائج السياسية لنصر القوات المسلحة العبقرى فى معركة عبور مانع قناة السويس المائى وتدمير خط الدفاع الإسرائيلى العتيد خط بارليف وهو ما اعتبر نصرا ليس له سابقة فى التاريخ العسكرى المعروف، إذ أثير السؤال؛ لماذا حاربنا وضحينا؟ ولماذا جاءت النتائج مناقضة للتضحيات، ولماذا خذلت السياسة السلاح حتى أصبح الوجه الآخر لتبديد ثمار نصر أكتوبر 1973 هو تكريس هزيمة يونيو 1967 (عبدالله السناوى ــ الشروق 5 يونيو2017). 

وكجندى عاصر معارك القوات المسلحة مع إسرائيل 1956 ــ 1967 ثم تحمل مسئولية إسرائيل فى إدارة المخابرات الحربية منذ 1967 مشاركا فى الإعداد لحرب أكتوبر، ثم إدارة العمليات والمفاوضات التى تلت وقف إطلاق النار، أجد نفسى أحمل أمانة التعليق على الأسئلة التى أثيرت، وإن كنت أعتقد أن الأمر يستحق من كل من له دراية أو وعى بما يجرى أن يكرس لتصحيح الوعى المصرى والقومى ما هو أكثر عمقا وأجدى أثرا من مجرد التعليق.

القول بأن هزيمة يونيو 1967 وصفت فى خطاب تنحى الرئيس عبدالناصر بـ(النكسة) وأنه كان من دروسها إعادة تصحيح دور القوات المسلحة أو دخولها إلى غير أدوارها، وأنه تم إعادة النظر فى طبيعة النظام نفسه وأنه قد ترددت فى المراجعات التى احتوتها محاضر رسمية للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى شارك فيها الرئيس جمال عبدالناصر عبارات عن (المجتمع المفتوح) و(دولة المؤسسات) كما بدأ التفكير فى التحويل إلى (التعددية الحزبية)، يؤكد أن صدق الحاكم مع نفسه وشعبه هو الخطوة الأولى والأساسية إلى تغيير واقع مؤلم وأن المجتمع المفتوح ودولة المؤسسات والتعددية الوطنية فى الرؤية والاجتهاد هو مناخ الحركة الصحيحة فى الاتجاه الصحيح للنهوض من كبوة الهزيمة إلى تحقيق النصر.

واستكمالا لما ذكر عن لحظات الصدق والوعى التى تلت نكسة 1967 أضيف أن المعركة التى تحقق بها نصر القوات المسلحة المصرية فى أكتوبر 1973 شهدت ترتيبا سريا لاتصال لاسلكى مباشر بين الرئيس السادات والبيت الابيض الأمريكى قبل الحرب وأنه أرسل برقية إلى هنرى كسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى ووزير خارجيته يوم 7 أكتوبر1973 بعد نحو 20 ساعة فقط من بدء القتال يطمئنه بأن مصر لا تعتزم تعميق مدى الحرب أو توسيع مدى الجبهة والكثير يمكن أن يضاف عن قوله إنها الحرب التى تنهى كل الحروب ومن أن 99% من أوراق اللعبة الدولية فى يد أمريكا.

* * *

وقع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل وارتفع علمها فى القاهرة واشترط على كل حزب ينشأ فى مصر أن يعترف بهذه المعاهدة وبالسلام مع إسرائيل وأقام الرئيس السادات الاحتفالات والمهرجانات بالنصر العسكرى الذى توج بما حققه سياسيا من رد الاعتبار وإعادة الحقوق. 

رد اعتبار من؟ وإعادة أى حقوق؟ ولمن؟ فقد صمدنا بعد هزيمة67 وأعدنا بناء قواتنا المسلحة تحت قيادة عسكرية وطنية، ثم مارسنا حرب الاستنزاف واقتحمنا خط قناة السويس وأطحنا خط بارليف لنزيل آثار هزيمة 1967 لنسترد سيناء وقطاع غزة ولتحرير الضفة الغربية والقدس ولتستعيد سوريا هضبة الجولان ولتعود مزارع شبعا إلى لبنان فماذا تحقق من هذه الاهداف فبماذا نحتفل؟

ولو صدقنا الرجل القول كما صدق عبدالناصر فى 67 وأعلمنا بما تحقق وحدوده، وعرض علينا ما أمكنه أن يحصل عليه من نتائج لنقبلها أو نرفضها لكان أمينا ومسئولا ولكننا شركاء معه فيما تحقق وما حصنا عليه ولو صدق معنا وصدقنا مع أنفسنا لتحقق لنا ما نستهدف من إزالة آثار هزيمة 1967 ولو بعد حين، ومع صمود أطول وتضحيات أكثر ولم يبخل شعبنا أبدا ولم يضن بأى تضحية أو معاناة فى سبيل بلاده وأمته ولكن الوهم ونظام حكم الفرد وغياب دور الشعب مع مؤسسات هيكلية أودى بنا وبأمتنا إلى ما نحن فيه. 

* * *

ما جرى فى حرب أكتوبر وما تم فى دهاليز 1973 لم يعد سرا وحتى ما يجرى تطبيقه الآن فى الشرق الأوسط من سياسات وما يتم تدبيره من كيانات وتحالفات وتناقضات كلها استراتيجيات معلنة تصوغها وتطبقها الكتل الدولية وإسرائيل والدول والقوى الإقليمية الصاعدة تحقق بها مصالح آنية ومستقبلية، وأين مصر مركز الثقل ورائدة المسيرة العربية وقد نفذ فيها السهم الإسرائيلى تاركة العرب وقد تشرذموا وتقاتلوا عرقيا ومذهبيا ودينيا وقبائليا لتصبح المنطقة مفتوحة للطامعين بلا حساب أو رادع وبلا قوة أو إرادة عربية.

أقول: أن النتائج السياسية لنصر أكتوبر العسكرى التى تمثلت فى معاهدة السلام مع إسرائيل أكدت هزيمة مصر والعرب فى هذه الجولة من الصراع العربى الإسرائيلى التى بدأت منذ 1948 بتقسيم فلسطين وانتهت فى كامب ديفيد بتمكين الدولة الصهيونية ليس فقط من كل فلسطين ولكن من الشرق الاوسط كله لتصبح القوة الكبرى فيه والسلطة المهيمنة عليه.

أؤكد أن الصراع العربى الإسرائيلى طويل عميق ممتد، ولم تكن هذه الجولة (1948 – 1973) أولى جولاته ولن تكون الاخيرة رغم كل ما تبذله إسرائيل وقوى عالمية وقوى إقليمية من جهد فى التجهيل بالتاريخ وتزييف الحاضر والسعى إلى تطويع المستقبل.

آن لمصر أن تسترد توازنها وأن تراجع حساباتها وأن تصحح مسارها وأن تتقدم لتتولى دورها بأن تبدأ بتحديد أمين لموقفها من العدو الإسرائيلى والحق الفلسطينى ومسئوليتها عما آلت إليه أوضاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة منذ 1967 وأن تصدق مع نفسها وأمتها بأن تعلن أن إزالة آثار 1967 لم يتحقق بعد وأن الصراع والعداء قائم مع إسرائيل حتى تتحقق هذه الاهداف المشروعة دون خرق لمعاهدات بل التمسك بالحقوق القانونية، وللصراع أساليب وأدوات أخرى غير القتال مع الاستعداد له إذا لم تتحقق الأهداف المشروعة، وأن تخاطب مصر الشعوب العربية قبل حكامها لتحيى آمالهم وتجدد عهدها وتستعيد تاريخها مصر هى قلب هذه الأمة وقائدتها وليس لها بديل ولن يكون.

وأقول لمن لا يرى موطأ قدمه من الحكام، ومن يعيش فى وهم أن السلطة والثروة والتحالفات وأن التطبيع مع إسرائيل أولا، ثم اختزال القضية الفلسطينية ثانيا، ثم تزكية الفُرقة العربية الإسلامية ثالثا، وقهر الشعوب دائما هو الأمن والأمان والضمان؛ اعتبروا من التاريخ ومن إرهاصات الحاضر وتحسبوا لعالم المستقبل بما يحمله فلن يصح إلا الصحيح والحق أحق أن يتبع.

* اللواء فؤاد هويدى ضابط مصري متقاعد شهد الحروب العربية الإسرائيلية وأحد قادة حرب أكتوبر 1973. 

المصدر | اللواء فؤاد هويدي | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

هزيمة يونيو 1967 نتائج أكتوبر 1973 القوات المسلحة المصرية عبور قناة السويس تدمير خط بارليف إسرائيل إدارة المخابرات الحربية الإعداد لحرب أكتوبر تصحيح الوعى المصرى والقومى تصحيح دور القوات المسلحة التطبيع قضية فلسطين