أزمة قطر: زوال الحدود الفاصلة بين شرق أوسط مضطرب وخليج مزدهر

الجمعة 23 يونيو 2017 08:06 ص

على مدى الأعوام الستة الماضية، كان هناك عالمين عربيين. عالم العنف والمآسي، وعالم التقدم والعولمة. دول مثل سوريا والعراق وليبيا، وبدرجة أقل مصر، قد اجتاحها الصراع. لكنّ قطر وأبوظبي ودبي قد ازدهرت كمراكز عالمية للسفر والترفيه والأعمال والتمويل. وبدا أنّ العواصم الخليجية المزدهرة لم تمسها أعمال العنف في بقية أنحاء الشرق الأوسط. بل استفادت بشكلٍ غير مباشر، كملاذٍ آمن في منطقة تشهد اضطرابات.

لكنّ الجدار بين العالمين العربيين ينهار. وقد فرضت السعودية والبحرين ومصر والإمارات (التي تضم أبوظبي ودبي) حصارًا على قطر، بزعم أنّ القطريين يدعمون الحركات الجهادية في جميع أنحاء المنطقة، وخاصةً في سوريا وليبيا. ونتيجةً لذلك، تحطم وهم أنّ الخليج الغني سيظل غير ملوث بالصراعات الأوسع نطاقًا في الشرق الأوسط.

والسؤال البديهي هو ما إذا كان الصعود المبهر لدول الخليج يمكن أن يتبعه انخفاض مذهل على حدٍ سواء. وإذا حدث ذلك، ستكون الآثار والتبعات عالمية.

وكان أحد أسباب نظر العالم بعدم مبالاة تقشعر لها الأبدان لتفكك سوريا وليبيا هو أنّ كلًا من البلدين لا يلعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي. لكنّ هذا لا ينطبق على دول الخليج. وستظهر آثار أي أزمة أمنية هناك في قاعات مجلس الإدارة ووزارات المالية في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أنّها أماكن صغيرة، حيث يبلغ سكان قطر والإمارات 2.2 مليون و 9.1 مليون على الترتيب، تلعب دول الخليج دورًا كبيرًا في الاقتصاد العالمي. وتعد قطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتمتلك هيئة قطر للاستثمار حصصًا كبيرة في شركات غربية مهمة مثل فولكس فاجن وباركليز، كما أنفقت المليارات في الأصول في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك شارد، أطول مبنى في لندن، ومتجر هارودز. ومن المقرر أن يستضيف القطريون كأس العالم لكرة القدم عام 2022.

وفي الوقت نفسه، استفادت دبي من قربها من أوروبا وجنوب آسيا وأفريقيا وروسيا لتحويل نفسها إلى ساحة لعب في الشرق الأوسط. ويقع أطول برج في العالم، برج خليفة، في وسط مدينة دبي، وتعد شركة طيران الإمارات واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم. وتتحكم هيئة أبوظبي للاستثمار في أصولٍ تزيد عن 800 مليار دولار أمريكي، مما يجعلها ثاني أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، وهي واحدة من أكبر أصحاب العقارات في العالم.

وكذلك، أكدت السعودية، أكبر وأقوى دولة في المنطقة، بمكانتها كأكبر منتج للنفط في العالم منذ زمنٍ طويل، أهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمي.

ومن الصعب أن نصدق أنّ النخب الخليجية ستخاطر بحياتها الممتازة من خلال الغرق في الصراعات. لكن حتى قبل الأزمة القطرية، كان التوتر يتصاعد في المنطقة.

ورفض المسؤولون الغربيون الادعاءات السعودية والإماراتية التي تفيد بأنّ القطريين يمولون الجهاديين في أنحاء المنطقة. وفي الحقيقة، اشتُهر السعوديون أنفسهم بتصديرهم وتعزيزهم للفكر السلفي الذي يدعم الحركات الجهادية.

والواقع أنّ السعوديين قد استاءوا منذ فترة طويلة من جهود قطر الناجحة لإبراز نفسها على المسرح الدولي كفاعل مستقل، وهو ما يرمز إليه رعاية الدولة لشبكة قنوات الجزيرة التي وفرت منصة حية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة يعاديها السعوديون. وتعتقد السعودية أيضًا أنّ قطر قريبة جدًا من إيران.

وقد دفع هذا الخوف من التأثير الإيراني المتزايد في المنطقة السعوديين والإماراتيين للذهاب إلى الحرب في اليمن المجاورة، مع العواقب الوخيمة على السكان المدنيين. وكانت إحدى النتائج المثيرة للسخرية للحصار المفروض على قطر هو أنّها قد تجبر البلاد على التقارب أكثر مع إيران.

وفى ظل الظروف العادية، كانت الولايات المتحدة لتبذل قصارى جهدها لتسوية النزاع الخطير بين حلفائها الخليجيين. لكنّ هذه الأمور بعيدة الآن في واشنطن. وقد انحاز «دونالد ترامب» إلى الجانب السعودي في النزاع، وقد يكون الرئيس الأمريكي قد أعطى الضوء الأخضر للحصار الذي تقوده السعودية خلال زيارته للمملكة الشهر الماضي.

وعلى النقيض من ذلك، تحاول وزارة الخارجية والبنتاغون بوضوح القيام بدور أكثر حيادية، لأسبابٍ ليس أقلها أنّ قطر تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط.

ولدى قطر سبب للامتنان للوجود العسكري الأمريكي الكبير في البلاد. ولولا ذلك، كان القطريون ليكونوا أكثر عرضة للتدخل العسكري بقيادة السعودية. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان السعوديون والإماراتيون لديهم نهاية معقولة في الاعتبار لهذا النزاع، بعيدًا عن الاستسلام الكامل من قبل قطر. وإذا لم يتحقق ذلك في وقتٍ قصير، ستبقى مخاطر الصراع العسكري وستزداد الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحصار، الأمر الذي سيؤثر على كامل المنطقة.

أما بالنسبة للمقيمين والسياح في الخليج، كانت الحروب في الشرق الأوسط بعيدة عن الأماكن التي يرتادونها، لكنّ أزمة قطر تشير إلى أنّ الأيام التي كان من الممكن فيها إبقاء مآسي الشرق الأوسط على مسافة آمنة من الخليج المزدهر قد تنتهي.

المصدر | إيريش تايمز

  كلمات مفتاحية

قطر أزمة قطر السعودية الإمارات