«تشاتام هاوس»: أرقام خادعة.. و«السيسي» يعطي بيد ويأخذ بالأخرى

الخميس 29 يونيو 2017 11:06 ص

مع اقتراب البرلمان المصري من الانتهاء من استعراضه لمشروع ميزانية الحكومة للسنة المالية 2017-2018، أعلن الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في 21 يونيو/حزيران مجموعة من التدابير تشمل تمويلًا إضافيًا لدعم الأغذية، وشبكة المعاشات التقاعدية وشبكات الأمان الاجتماعي. وقالت وزارة المالية أنّ هذه التدابير ستكلف الدولة حوالي 75 مليار جنيه مصري (4.2 مليار دولار)، وتدفع إجمالي إنفاق الميزانية إلى 1.2 تريليون جنيه (66 مليار دولار)، لكنّها أضافت أنّ هذا المبلغ سيغطيه ارتفاع الإيرادات الناشئة عن النمو الاقتصادي الأقوى والاستثمار.

وكانت لفتة الرئيس استباقية سياسيًا. وأتاحت له أن يقدم نفسه على أنّه شاعر بالمشقة التي تواجهها الأسر المصرية نتيجةً للإجراءات التي تتخذها الحكومة لمعالجة المشاكل الاقتصادية الهيكلية عميقة الجذور. وتمثلت أكثر الإجراءات إيلامًا في تعويم الجنيه المصري في 3 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وأدى ذلك إلى تخفيض قيمة العملة بنسبة تزيد عن 50%، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 30%. وقد جلبت الإصلاحات فوائد كبيرة لميزان المدفوعات من خلال حفز تدفقات رؤوس الأموال الكبيرة، غير أنّ المكاسب المرجوة من النمو الاقتصادي القوي المستدام وانخفاض التضخم ستستغرق وقتًا طويلًا.

لقد دخل «السيسي» للتو العام الأخير من ولايته الرئاسية الأولى. ومن المسلم به أنّه سوف يعاد انتخابه في مايو/أيار 2018، ويفترض أنّ الجرعة المبكرة من تخفيف التقشف ستساعده في الحفاظ على ولاء مؤيديه الأساسيين. ومع ذلك، لا يترك «السيسي» وعناصر دولته الأمنية أي فرصة. وتعد مساحة المعارضة والمناقشة السياسية المشروعة مقيدة بشكل كبير، حيث تم حجب الوصول لأكثر من 100 موقع إعلامي من مصر، وتم إعادة العمل بقوانين الطوارئ، وينص القانون الذي صدر مؤخرًا بشأن المنظمات غير الحكومية على أحكام بالسجن وفق مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك إجراء استطلاعات الرأي غير المأذون بها، وعوقب القضاة على تحدي الحكومة، وعلى الأخص معارضة قرار منح السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية. ويتعرض «خالد علي»، وهو محامٍ يقوم على قضايا الجزر، لخطر حرمانه من حقه في الترشح للانتخابات الرئاسية نتيجة تهمة ملفقة تتعلق باحتفاله بأحد أحكام المحكمة.

وترافقت مخاوف المجتمع الدولي بشأن بوليسية دولة «السيسي» مع الاهتمام بأهمية مصر للأمن الإقليمي والاعتبارات التجارية (بما في ذلك سلسلة من صفقات الأسلحة الرئيسية مع روسيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة)، ودعم الإصلاحات الاقتصادية.

ومن المنتظر أن يقرر مجلس إدارة صندوق النقد الدولي قريبًا ما إذا كان ينبغي اتباع توصية بصرف شريحة ثانية قدرها 1.25 مليار دولار من القرض البالغ 12 مليار دولار، والذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما صرف لمصر الشريحة الأولى بمبلغ 2.75 مليار دولار. ومن غير المرجح أن يقلق صندوق النقد الدولي من الإنفاق الإضافي غير المبرر الذي أعلنه «السيسي»، حيث يدعو البرنامج إلى دعم قصير الأجل لدعم الغذاء وتعزيز أحكام شبكة الأمان الاجتماعي. ولكن «السيسي» قام سريعا بإجراء تخفيض جديد سريع على دعم الوقود من المرجح أن تدفع التضخم إلى مزيد من الارتفاع.

  وكانت القضية الرئيسية التي أثارها صندوق النقد الدولي، في تقييمه، الحاجة إلى استخدام الأدوات النقدية المتاحة لمكافحة ارتفاع التضخم. واستجاب البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة، وهو إجراء جذب الكثير من الانتقادات، لكنّه ألقى أيضًا رسالة قوية حول التوقعات التضخمية. ومن المرجح أيضًا أن يطمئن صندوق النقد الدولي إلى إصرار وزير المالية على أنّ الإنفاق الاجتماعي الإضافي لن يؤثر على هدف الحكومة المتمثل في خفض العجز المالي إلى 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017-2018، وتحقيق أول فائضٍ في الميزانية (باستثناء مدفوعات الفائدة) خلال 10 سنوات.

كما أصدر المستثمرون الماليون العالميون تصويتًا بالثقة في برنامج الإصلاح في مصر من خلال الاشتراك في سندات إضافية بقيمة 3 مليارات دولار في مايو/أيار بأسعار أقل بكثير مما كانت عليه في يناير/كانون الثاني حين بلغت 4 مليار دولار. وقد استخدمت الحكومة جزءًا من التدفقات الرأسمالية المتراكمة الداخلة في الأشهر الأخيرة لدفع 1.5 مليار دولار إلى شركات النفط الدولية، ليصل إجمالي متأخراتها إلى نحو 2 مليار دولار.

لكن لا يمكن لهذه الأرقام الإيجابية التخفيف من هشاشة الاقتصاد المصري. ويكافح النمو للوصول إلى 4%، في حين يتزايد السكان بنحو 2.3% سنويًا، وقد بلغ الدين العام الإجمالي حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع الدين الخارجي ارتفاعًا حادًا، من حيث القيمة المطلقة. ويصل معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية إلى نحو 40%، ويقع نحو 30% من السكان تحت خط الفقر، استنادًا إلى تقييمات البنك الدولي.

وتعتبر الحجة الضمنية التي تبرر بها الحكومة تلك الأرقام المفزعة هي أنّ الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي يتوقف على الحفاظ على الأمن في مواجهة التهديدات الحقيقية للإرهاب والتخريب. ولا يجب على الحكومات الأجنبية التي تتشارك في مصالحها مع مصر أن تقبل ذلك كأساس لقمع الحريات المدنية وغياب المساءلة للمؤسسة الأمنية، بما في ذلك تدخلاتها في الاقتصاد.

  كلمات مفتاحية

السيسي الاقتصاد المصري تعويم الجنيه زيادة أسعار الوقود

«ناشيونال إنترست»: «السيسي» يدمر الاقتصاد المصري بتمكين الجيش

«ستراتفور»: أزمة الاقتصاد المصري تتفاقم.. والإصلاحات المقترحة لا تحظى بشعبية