«فورين أفيرز»: تنظيم الدولة يضرب إيران.. ما الذي يعنيه ذلك؟

الخميس 6 يوليو 2017 08:07 ص

بعد ثلاث سنوات من محاولتها ضرب إيران، نجح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أخيرًا في يونيو/حزيران. وهاجمت مجموعة من التنظيم هدفين رمزيين للغاية بالقرب من طهران، البرلمان الإيراني وضريح آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية. ومع هذا الهجوم، أضاف تنظيم الدولة هدفًا هامًا آخر إلى قائمته.

وفي صيف عام 2014، كان الإيرانيون في حالة من الذعر مع اكتساب تنظيم الدولة أرضًا في العراق، وأعلان زعيمها الخلافة. وقد عانت إيران من الإرهاب منذ الأربعينات من القرن الماضي، لكنّ الدولة الإسلامية جاءت بأسلوبٍ جديد. وكانت تسيطر على مساحاتٍ واسعة من الأراضي غير البعيدة عن الحدود الإيرانية التي يسهل اختراقها مع العراق، وكان لديها موارد هائلة تحت تصرفها، ونشرت عددًا كبيرًا من العناصر، بما في ذلك المقاتلين الأجانب. ومما زاد الأمور سوءًا، أنّ التنظيم كان معاديًا للشيعة بشدة، وأظهر وحشية نادرًا ما شوهدت في العصر الحديث.

وفي البداية، قللت طهران من مخاوفها، لكن سرعان ما أصبح واضحًا أنّ تنظيم الدولة الإسلامية أصبح يشكل تهديدًا أكبر، وأنّ إيران بحاجة إلى معالجة القضية بدلًا من تجاهلها. وتحقيقًا لهذه الغاية، نشرت قوة مكافحة الإرهاب التي تتمتع بسنواتٍ من الخبرة. ومع زيادة البلاد ميزانية الدفاع لتخصيص المزيد من الموارد لمكافحة الإرهاب، من المرجح أن يصبح هذا الجهاز أكثر قوة.

مغزى الإرهاب في إيران

وبدأت تجربة إيران الحديثة مع الجماعات الإرهابية في الأربعينات من القرن الماضي، خلال الأشهر التي شهدت انتقال السلطة بين «رضا شاه» وابنه وخليفته، «محمد رضا شاه»، وكانت الدولة في حالة اضطراب. وفي العقود التي أعقبت ذلك، حتى انهيار نظامه عام 1979، كان الشاه في الغالب متخوفًا من الجماعات الإسلامية والماركسية اللينينية والماركسية الماوية. وكان الجيش الإيراني، إلى جانب أول جهازٍ استخباراتيٍ بالبلاد، ويعرف باسم سافاك، مسؤولًا عن مواجهة تلك الجماعات. ومع جهاز الشرطة، أجرى الجيش وسافاك مراقبةً شديدة، وحددوا الشبكات الإرهابية، واعتقلوا أعضاءها، وجمعوا المعلومات الاستخباراتية لمنع الهجمات وتحييدها وردعها.

وبحلول أوائل السبعينات، أنشأ سافاك وأجهزة إنفاذ القانون فرقة عمل مشتركة لتنسيق هذه الجهود. كما تعاون الجهاز مع القوات المسلحة الإيرانية والعديد من الشركاء الدوليين، بما فى ذلك مجتمع الاستخبارات الأمريكي والموساد الإسرائيلي، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والقيام بعمليات الاستخبارات المضادة. ومن أجل التصدي للإرهاب في تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، وسعت إيران قدراتها بناءً على الأسس التي ورثتها من زمن الشاه.

وحقق السافاك والقوات المسلحة الإيرانية وأجهزة إنفاذ القانون بعض النجاحات، بما فى ذلك اعتقال عددٍ من العناصر والقادة الإرهابيين. وفي أوائل الخمسينات، انتُقدت إيران لاستعمالها للتعذيب لجمع المعلومات الاستخبارية. وعلى الرغم من أنّه كانت هناك ولا تزال بعض الأساطير حول نفوذ السافاك وتكتيكاته، كانت هناك بعض الحقيقة وراء الشائعات.

ولم يكن من المستغرب دعوة الثوريين إلى تفكيك السافاك عامي 1978 و1979. لكن مع الاستيلاء على السلطة، أدرك القادة الجدد أنّهم بحاجة إلى وحدة استخباراتية قادرة على تكملة الجيش والقوات شبه العسكرية، الحرس الثوري، في جهودهم الرامية إلى مواجهة العراق في عهد «صدام حسين» والجماعات الإرهابية على حدٍ سواء. وبينما هاجمت العراق إيران عام 1980، واصلت الجماعات الإرهابية، بما في ذلك بقية اليساريين وبعض الجماعات الانفصالية، عملياتها ضد إيران.

وقد تحول تهديد الإرهاب قليلًا في العقدين التاليين. وقد قامت عناصر إسلامية بالاندماج في النظام، في حين تركت الجماعات اليسارية البلاد إلى حدٍ كبير وأوقفت عملياتها، باستثناء مجاهدي خلق. والآن، تعد التهديدات الإرهابية المحلية الرئيسية من قبل الجماعات الانفصالية في البلاد، بما في ذلك جند الله، التي تنشط في مقاطعة سيستان وبلوشستان على طول الحدود الإيرانية مع أفغانستان وباكستان، ومجموعات كردية مختلفة، مثل بيجاك، الناشطة في غرب إيران. ويأتي التهديد الأجنبي في الغالب من الجماعات السنية المتشددة، مثل القاعدة.

ولمعالجة هذه المشكلة في التسعينات وبداية الألفية، وسعت البلاد قدراتها الأمنية على الأسس التي بنيت خلال زمن الشاه. وشملت الحرس الثوري الذي يضم جهازًا لمكافحة الإرهاب، والقوات العسكرية التقليدية، ووزارة الاستخبارات والأمن، وأجهزة إنفاذ القانون. وتعمل كل منظمة كمظلة لعددٍ من الوحدات الصغيرة التي تعالج مختلف العمليات. وتعتبر القوة الرئيسية لهذا الجهاز بعد الثورة هي الحرس الثوري. وبدأ الحرس في السبعينات كقوة حرب غير تقليدية. وقد أتاحت لهم خبراتهم ميزة كبيرة في مواجهة مختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية.

وقد عمل الحرس الثوري مع بعض الجماعات الإرهابية لردعهم عن استهداف إيران. على سبيل المثال، سمحت طهران بمنح أفراد عائلات قادة من تنظيم القاعدة الإذن بالإقامة في إيران. ونتيجةً لذلك، كانت قيادة القاعدة مترددة في ضرب إيران.

جيل جديد

بالنسبة لإيران، كان تنظيم الدولة الإسلامية وحشًا مختلفًا تمامًا عن الجماعات السنية السابقة، لأنّها سيطرت على الأراضي والموارد، وخلقت فوضى حقيقية على حدود إيران، وتبنت موقفًا قويًا مناهضًا للشيعة، ووضعت إيران على قائمتها المستهدفة، وحاولت إنشاء فرع لها في إيران، وقدمت وحشية نادرة حتى بالنسبة للجماعات الإرهابية.

وبينما اكتسبت المجموعة قوة، سرعان ما قامت إيران بنشر قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري في العراق ثم في سوريا، حيث انضم إليها الجيش في وقتٍ لاحق. وكان النظام في البداية مترددًا في إعلان وجوده في العراق وسوريا. لكن مع شعور الجمهور الإيراني بقلقٍ أكبر إزاء وجود التنظيم بجوار إيران بشكلٍ متزايد، بدأت إيران في القيام بذلك بشكلٍ فعال. وأصبح قائد فيلق القدس «قاسم سليماني» رمزًا عندما نُشرت صوره مع قواتٍ عراقية وسورية مختلفة على إنستجرام ومنصاتٍ أخرى. واليوم، يتمتع «سليماني» بالشعبية على نطاقٍ واسع. وقد تمكن من جعل الحرس الثوري أكثر شعبيةً أيضًا.

كما استغلت طهران علاقاتها مع مختلف الجماعات على الأرض، بما في ذلك الميليشيات الشيعية والأكراد، فضلًا عن بغداد ودمشق. وعززت دفاعاتها وجهودها في الداخل من خلال التشديد على التنمية في المناطق الحدودية التي يغلب عليها الطابع السني (والتي سبق أن تجاهلتها طهران)، والعمل مع رجال الدين والقادة السنة المحليين لتقويض رسالة داعش، وتعيين وزير للإشراف على شؤون الأقليات الدينية.

وكانت هذه الجهود ناجحة إلى حدٍ ما. وقبل عامٍ تقريبًا من وقوع الهجومين في طهران الشهر الماضي، كشفت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية خطة للتنظيم تستهدف ما يصل إلى 50 هدفًا مختلفًا في العاصمة. وأصدرت تفاصيل عن هذه المؤامرة في وقتٍ لاحق، وذكر المسؤولون الإيرانيون أنّهم قاموا بتفكيك شبكة تضم أكثر من 1000 ناشطٍ في البلاد.

وبالنظر إلى أنّ تنظيم الدولة، منذ ثلاث سنوات، وضعع إيران ضمن أهدافها الثلاثة الأولى، فمن المثير للإعجاب أنّه لم تقع أي حوادث كبيرة حتى الآن، وخاصةً بالنظر إلى بعض أوجه القصور في جهود مكافحة الإرهاب في إيران.

وقبل كل شيء، دعمت طهران رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» في تبنيه لسياساتٍ طائفية أهملت السنة، وساعدت تنظيم الدولة في نهاية المطاف. واليوم، تواصل طهران دعمها لـ«بشار الأسد» العلوي في سوريا لأنّ نظامه يرتكب فظائع جماعية، ويطلق الأسلحة الكيميائية ضد السكان من الأغلبية السنية. ويبدو أنّ بعض السنة في إيران، الذين لم تظهر مظالمهم ضمن الأولويات العليا للسلطة المركزية، قد وجدوا منفذًا إلى الجماعات الإرهابية الإسلامية. فعلى سبيل المثال، يبدو أنّ الرجال والنساء الخمسة الذين ارتكبوا الهجمات في طهران من الأكراد. وفي أعقاب الهجمات، قام عضوٌ كرديٌ من البرلمان الإيراني ببذل جهودٍ كبيرة من أجل أن ينأى بنفسه وبالأكراد عن تلك التهمة، لكنّه أبرز أيضًا مظالم ناخبيه، وتحدث عن الفقر وانعدام الفرص الذي دفع البعض إلى العنف.

ثانيًا، على الرغم من أنّ إيران حاولت صد تنظيم الدولة في العراق، إلا أنّها لم تفعل ذلك في سوريا. وتعتبر إيران التنيك في العراق تهديدًا أكيدًا لأراضيها وسكانها ومصالحها. لكنّها تعتبر سوريا مكانًا جيدًا لاحتواء التنظيم الإرهابي. وهناك، ركزت إيران على مساعدة وكيلها «الأسد»، دون أن تدفع التنظيم بالضرورة. وعلى الرغم من أنّ ذلك قد ساعد على إبقاء التنظيم في سوريا وتجنب انتشاره، إلا أنّه يؤدي أيضًا إلى نتائج عكسية، حيث أنّه يسمح للتنظيم بالعمل هناك بأريحية والتخطيط لهجماتٍ مثل تلك التي نُفذت في يونيو/حزيران.

إلا أنّ إيران تستغل وجود تنظيم الدولة لتبرير أنشطتها في العراق وسوريا وأفغانستان. وقد يكتسب التدخل الإيراني، الذي لا يحظى بشعبية متزايدة في سوريا، زخمًا نتيجةً للهجمات أيضًا. ويمكن للحرس الثوري أن يتمتع بشعبية لم يسبق لها مثيل.

وفي ظل هذه الخلفية، تعزز إيران عملياتها لمكافحة الإرهاب في الداخل والخارج. ومنذ الهجومين المتلازمين في طهران، قتلت الحكومة بالفعل المهاجمين واعتقلت عددًا من المشتبه بهم الآخرين، وعززت بهدوء جهودها لمكافحة الإرهاب في المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل سيستان وبلوشستان، حيث قتل الحرس الثوري زعيم جماعة أنصار الفرقان، الجماعة الإرهابية السنية، الأسبوع الماضي. كما أطلق الحرس هجماتٍ صاروخية تستهدف ما وصفوه بمقر تنظيم الدولة في بلدة دير الزور السورية، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. وتخدم الضربات الصاروخية غرضًا مزدوجًا، فهي تسمح لطهران بردع تنظيم الدلة، وكذلك جيرانها الخليجيين العرب، الذين يعتقد القادة الإيرانيون أنّه لا يمكن إعاقتهم إلا ببرنامج الصواريخ الإيراني.

ورغم معاناة جهود مكافحة الإرهاب في إيران من نقاط ضعف، إلا أنّ سجل البلاد في مواجهة تنظيم الدولة ما زال قويًا. وقد أدت الهجمات في طهران بالفعل إلى تحفيز السكان الإيرانيين. ومن شأن هذا أن يجعل الجهود الإيرانية في أفغانستان والعراق وسوريا أكثر شعبية، حيث تستطيع إيران الآن أن تتصدى للتنظيم، وأن تقود عمليات مكافحة الإرهاب الأوسع نطاقًا، بشكلٍ أكثر وضوحًا وعلانية.

  كلمات مفتاحية

إيران تنظيم الدولة العراق سوريا بشار الأسد

الحرس الثوري يزعم امتلاكه أدلة دعم السعودية لهجمات طهران