العشاء: «هوليوود» تهزأ بـ«ترامب» .. احرق مهاجرا تصبح عمدة أمريكا!

الخميس 6 يوليو 2017 07:07 ص

فيلم «The Dinner» أو «العشاء» بطولة الفنان الأمريكي «ريتشارد غير»، والذي بدأ عرضه في الولايات المتحدة في 5 من مايو/أيار الماضي يُكثف بعضًا من الأحداث السياسية والمتغيرات الاجتماعية التي تمر بها أمريكا منذ تولية «ترامب»، فعوضًا عن الصورة النمطية الفنية الراصدة المباشرة للواقع، عمد المخرج «أورين موفرمان» إلى فكرة بالغة الغرابة جددت دماء الفيلم بوجه عام، وإن قربته من الدراما المسرحية، وجعلته يفتقد الأجواء الخارجية بخاصة في النهار، وحبست العمل السينمائي طوال الوقت في الاستديوهات ليصبح مقترنًا بالليل والدراما الأغريقية المعتادة ذات الفصول المعروفة من التمهيد وبداية التعقيد فالعقدة فالإضاءة وأخيرًا الحل.

سياسة وتاريخ وسينما

الفيلم مقتبس عن رواية بنفس اسمه  للمؤلف الهولندي «هيرمان كوخ»، والمُفترض أنها تدور في هولندا، ولكن الفيلم نقلها إلى الولايات المتحدة مع إضفاء بصمات المجتمع هناك عليها، تمامًا كما فعل المخرج الإيراني «أصغر فرهادي» في فيلمه «البائع» مع مسرحية الإنجليزي «آرثر ميللر»، لكن مع الفارق الكبير بين الانتماء للوطن وآلامه في فيلم الليلة الأمريكي، رغم انتقاده له، وبين السخرية منه والخروج عليه في فيلم «فرهادي».

يبدأ فيلم «العشاء» مع نجم الصف الثاني الأمريكي (ستيف كوجان) في دور «بول» معلم التاريخ المُصاب بمرض ذهني ورثة عن أمه يجعله ناقمًا على كل الأشياء والبشر من حوله، إلا أن هذا لم يمنع علمه أن تاريخ بلاده بالغ الدموية، وإدراكه أن الأفضل لأمريكا كان أن تنهزم في حربها مع الأمبراطورية البريطانية، مع تبريره لقتل الأوروبيين سكان البلاد الأصليين المُسمين بـ«الهنود الحمر»، وفي غمرة تفضيله لحياة المصريين القدماء أو البابليين أو الأشوريين تذكره زوجته «كلير» أو  (المُمثلة لورا ليني) بدعوة أخيه له على العشاء في طعم بالغ الشهرة.

أما الآخ «ستان لومان» (ريتشارد غير)، عضو الكونغرس الأمريكي، فيجبر مستشارته السوداء، وزوجته الثانية الجميلة «كيتلين» أو (ريبيكا هول)، الواجهة السياسية للمرشح كحاكم لولاية نيويورك في صباح نفس الليلة، يجبرهما على هذه الدعوة.

وفي المطعم ومع فصول الفيلم التي تتوالى، كما يقول الكتاب الأغريقي للقصة، ومع محاولة المخرج المُتعمدة الإكثار من إيقاع التداعي الحر لجميع الأبطال، وعلى مدار نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم الإجمالية (يبلغ 120 دقيقة) نغرق في أدق التفاصيل عن العائلة، حتى لنقترب من «بربارا» أو (كلوي سيفينغي)، الأخت غير الشقيقة للبطلين «ستان» و«بول»، ولا يجعلنا الفيلم نعرف أحية هي أم ميتة؟ إذ إنها لا توجد إلا في لقطات «الفلاش باك» التذكرية المفسرة لسبب تصرفات الآخ «بول» غير المنطقية مع أبنه وتلاميذه وأخيه وحتى الخدم ومدير المطعم الراقي.

يمثل «بول» البطل الحقيقي للفيلم ، كمواطن عادي، لا يكاد يتبين طريق الخير من الشر، لا «ستان» السياسي المشهور، و«بول» مشوش من فعل الحرب التي يحياها طوال الوقت في مجتمعه ومنها التمييز العنصري ضد السود، وهو واحد من هؤلاء الكارهين لهم وللغرباء، بفعل الضغوط والمرض النفسي، و«بول» في نفس الوقت يحيا تاريخ الحرب الأهلية وكثرة الإنجاب في المجتمع الامريكي الحالي، على نحو بالغ التشويش حتى ليتمثل في مونولوج طويل حرب القرن التاسع عشر مع المتمردين.

هذه الخلطة السياسية الفنية التاريخية مع الأجواء المسرحية كانت المحاولة الرئيسية للمخرج لإنقاذ فيلم طويل مُمل .. قصته كان من المُمكن أن تُروى في أقل من ساعة!

مات «المهاجر» ولم يعش «الإنسان» 

أما قصة الفيلم الحقيقية فقد دارت في النصف ساعة الأخيرة منه فحسب، وخلاصتها أن «مايكل» نجل «بول»، الآخ الفقير المريض النفسي، بمساعدة من «ريك» نجل «ستان»، الآخ السياسي الداهية، قاما بحرق مُهاجرة كانت تنام بمكان خاص بماكينة سحب الصرافة، ثم صوراها بكاميرات الفيديو، ليقوم ابن «ستان» بالتبني «بو» ببث المقطع على شبكة الإنترنت.

وبحسب الضمير كان حكم «ستان» يقول بسحب ترشحه من حكم نيويورك؛ بل تقديم ابنه وابن شقيقه للعدالة على الفور، وهو ما لاقى ثورة عارمة من زوجته الثانية التي ربت «مايك» المُجرم، ومن «كلير» زوجة أخيه وأم «مايكل» شريك الجريمة، وخلال المونولوج المتبادل المطول الداخلي الوحيد الذي صار في خط مستقيم داخل المطعم، وبعيدًا عن الحوارات الجانبية والإسقاطات الخارجية عبر «الفلاش باك»، نستمع لكل الحجج المُمكنة لإثناء وإبعاد السياسي، الذي يحاول التطهر، عن رأيه وإقناعه أن الأفضل لأمريكا والعالم نسيان تاريخ وسيرة بل حياة المُهاجرة التي تم حرقها حتى الموت، فهي موجودة بصورة غير شرعية، وهي تتقوت على الضرائب الأمريكية التي يقومون بدفعها، وهي شخصية مقززة كانت تستحق الحرق؛ وقد أخافت الصغيرين اللذين حرقاها!

وما تزال المنظومة الفاسد بالسياسي حتى تقنعه أن أفضل صورة لإصلاح عائلته من الداخل إصلاح المجتمع من الخارج، بدلًا من العكس المعروف المعتاد!

فيلم داخل فيلم

وبانتهاء السهرة في المطعم يدخل الفيلم داخل فيلم آخر أصغر وأكثر تكثيفًا، إذ إن «ستان» يقدم مشروع قانون أمريكي بمعالجة المريض العقلي بنفس المجانية الخاصة بالمريض الجسدي، فيما أخوه المريض النفسي يحاول في مساء أعياد الميلاد بعد ساعات من العشاء ، قتل ابن أخيه البرلماني مُقدم القانون، وهو ابن التبني الأسود .. ولا يتركنا الفيلم لحيرتنا إذ ينجو الابن بالتبني من محاولة قتله، فيما تصبح المهاجرة المُحروقة ضحية الجميع .. التاريخ الأمريكي الدموي .. والواقع المُزيف .. والساسة الذين لا يملكون قلوبًا ولا رحمة وعلى قمتهم «ترامب» .. كما أنها ضحية مجتمع أصلي لم يستطع توفير توفير أبسط مقومات الحياة والحماية لها ..

ترجم «غير» أثناء عرض الفيلم فى برلين في فبراير/شباط الماضي مضمونه، خلال مؤتمر صحفي قائلًا: إن أكبر جريمة فعلها وأقدم عليها «ترامب» هو خلطه للمفاهيم بين «اللاجئ» و«الإرهابى».

وأنهى «ريتشارد غير» حديثه فى المؤتمر قائلا أن الكراهية هى التى تولد الخوف ، والخوف هو الذى يؤدى إلى ارتكاب الجرائم.

جسد «ستيف كوجان» دور «بول» بمهارة تشعر المشاهد بأنه أمام مضطرب نفسي بالفعل، كذلك فعلت «لورا ليني» في دور «كلير» إذ أبرزت دور المرأة القوية الشخصية المعقدة التي تلبس لكل دور حياتي ما يناسبه، وبقيت عفوية «غير» في دور «ستان» أداء يُحسب له لولا التطويل المتعمد لدوره وظهوره طوال الوقت!

جاءت موسيقى الفيلم التصويرية في الإجمال جيدة، وكذلك الديكور الذي حاول القيام بدور كبير للحفاظ على روح الفيلم تجاه كثرة المشاهد الليلية.

فيلم «العشاء» يجسد ازدواجية المجتمع الأمريكي الذي لا يرحم غريبًا ويتناسى الإنسانية ويُربي أفراده على النزاعات الحيوانية .. ثم هو يأمل الصلاح فيهم وإمكانية استمرارهم في حكم العالم!

  كلمات مفتاحية

فيلم هوليود استهزاء ترامب قتل مهاجر عمدة أمريكا