استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السعودية وجيرانها.. علاقات مضطربة

السبت 8 يوليو 2017 07:07 ص

تعتبر الأزمة الحالية بين السعودية وحليفاتها من جهة وقطر من جهة أخرى حلقة، ربما ليست الأخيرة، في مسلسل علاقات سعودية حرجة مع جاراتها الخليجية الصغيرة. ظهرت الأزمة الحالية المفتعلة مع قطر بشكل فجائي يوم 23 مايو/أيار 2017، لكنها تسارعت بطريقة تصاعدية، كما تبيَّن في الأيام التي تلت مباشرة عملية قرصنة وكالة الأنباء القطرية.

وانفجار الوضع حاليًّا قد لايكون نهاية لهذه العلاقات الحرجة بل امتدادًا لسياسة سعودية خارجية قديمة، تجددت بشكل أكثر سلبية خاصة بعد التغيير القيادي الجديد في السعودية والذي أسفر عن تسلُّم أمير صغير السن، هو محمد بن سلمان، مقاليد ولاية العهد. 

يناقش هذا التقرير مقومات السياسة السعودية الخارجية وقواعدها التي تخوِّل المملكة تبني مواقف تجاه جاراتها، قد توصف بالاستعلائية، مما يجعل الخلاف حالة متكررة ومعضلة مزمنة تلازم العلاقات السعودية-الخليجية بشكل عام، وليست الأزمة الحالية مع قطر إلا حلقة أخرى من مظاهر سياسة المناكفة المعتادة تاريخيًّا.

 

مقومات السياسة السعودية الخليجية

أية سياسة إقليمية تستند إلى ركائز ومسلَّمات تشكِّل فهمًا للعلاقات الخارجية لأية دولة. ومن هنا، يجب أن نحدد ركائز العلاقة السعودية مع جيرانها من دول الخليج، وهي تقوم على منطلقات تتبناها السعودية كإطار شامل لرسم ملامح علاقاتها مع هذه الدول. 

هنا، يجب أن نذهب إلى أبعد من الخطاب الرسمي الذي يُظهر السعودية كدولة حريصة على التعاون الخليجي ورغبتها في التحول من التعاون إلى الاتحاد الحقيقي، وهي مبادرة أطلقها الملك الراحل، عبد الله، لكنها لم تنجح، وإصرار السعودية على التكامل بين الدول الست المؤسِّسة والمشاركة في مجلس التعاون الخليجي الذي تم تأسيسه عام 1981. 

وبالنظر إلى الوقائع التاريخية، نرصد لحظات التعاون وثانيًا لحظات التصادم، فنستنبط الأسس والمفاهيم التي تقوم عليها علاقة السعودية مع دول الخليج،، بعيدًا عن الصورة المنمَّقة الرسمية لمنظومة التعاون الدائمة. 

وهنا، نستطيع أن نحدد ستة مرتكزات تعتمد عليها سياسة المملكة تجاه الخليج: 

1. أهمية الرمزية الدينية

يعتقد النظام السعودي أن وجود الحرمين الشريفين، مكة والمدينة، داخل حدود المملكة وتحت سيطرة النظام كخادم للحرمين، بطاقة مهمة في التعاطي مع الدول الأخرى في المحيط الخليجي بل أيضًا أبعد من ذلك عالميًّا. الجغرافيا المقدسة تجعل السُّلطة السعودية تعتبر نفسها مخولة بقيادة العالم الصغير في محيط الجزيرة العربية أولًا والعالم العربي ثانيًا والإسلامي ثالثًا، بل حتى عالميًّا كقوة يجب على الغرب وغيره أن يعتبروها القائد الأول للعالم الإسلامي. 

وبذلك، تستغل السلطة السعودية لقب خادم الحرمين الشريفين لتروِّج نفسها على أنها الأولى من حيث الأهمية دينيًّا، ويجب الاعتراف بأن ذلك يجعلها الأولى من حيث الأهمية سياسيًّا، وهنا، نجد نقلة من رمزية المقدس إلى السياسة بما فيها من تقلبات ومصالح متنافسة وصفقات. وقد لا يكون الزج بالمقدس في صراعات سياسية رهانًا ناجحًا لكن سياسة السعودية الخارجية تتوقع من الغير التعامل معها وكأنها مفروضة على الآخرين سياسيًّا كما هي مفروضة عليهم دينيًّا وقدسيًّا. يؤدي ذلك إلى تشابك المقدس مع المدنس، أي السياسة، بشكل قد ينتهي إلى نتائج سلبية على العلاقات الخارجية للسعودية؛ لأنها مبنية على فرضية انحناء الدول الإسلامية المسبق لإرادتها السياسية. 

2. الرمزية السُّلالية

تَعتبر السعودية نفسها قلب العالم العربي حضاريًّا وثقافيًّا، فجميع قبائل العرب، خاصة القاطنة في الخليج، لها أصول تمتد إلى العمق السعودي. فهي من منظور قبلي تعتبر نفسها العمق القبلي لمجتمعات تعود أصولها إلى قلب الجزيرة العربية، ويؤدي هذا الفهم للأصول العربية المزعومة والحقيقية إلى شعور استعلائي، ينبع من اعتقاد السعودية أنها في موقع الأصل والآخرين في موقع الفرع، مما قد يسمِّم العلاقات الإقليمية السعودية مع جاراتها في لحظات معينة. 

تمامًا كما حصل مؤخرًا عندما أذاع آل الشيخ (المقصود آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، الأسرة المرتبط اسمها بالوهابية السعودية، بيانًا ينفون الصلة القَبَلية بينهم وبين حكام قطر، فجاء البيان ليعكس موقفًا سعوديًّا مستعدًّا لأن يزج بالأنساب في صراع سياسي، مما يُؤجِّج الصراع بمزيد من الخلافات القديمة ولا يتعامل مع الأزمة بعقلانية سياسية. 

استغلال خطاب العمق القَبَلي، وتجنيده كسلاح ضد من يختلف معه النظام السعودي على سياسات معينة، يعكس المفهوم المبطَّن الذي تتشكَّل على خلفيته الرؤية السعودية للعلاقات الخارجية مع جيرانها الخليجيين. 

3. المركزية الجغرافية

تعتبر المملكة نفسها ليست أكبر دولة في الجزيرة العربية فقط بل في العالم العربي؛ حيث تترامى حدودها من الأردن والعراق شمالًا إلى اليمن جنوبًا. وعلى أساس هذا الحجم الجغرافي تعتبر السعودية نفسها أنها مركز محوري يجب على أساسه أن تحترمها الدول الأخرى، وخاصة الخليجية الصغيرة، ذات المساحة الصغيرة، وكذلك ذات العدد السكاني الصغير جدًّا مقارنة بالسعودية. 

وقد برز هذا بوضوح خاصة في مناسبات الحديث عن قطر من قبل مسؤولين سعوديين سابقين؛ حيث وصفها مدير الاستخبارات السعودي السابق، تركي الفيصل، بأنها ليست دولة بل أسرة من 300 ألف شخص. ومن هنا، نقرأ النظرة السعودية لمواطني الدول الخليجية الأخرى وجغرافيتها، المشابهة جميعها نسبيًّا لقطر، ونستشرف على ضوئها منطلق السعودية في التعامل مع الدول الخليجية. 

4. الغِنى الاقتصادي

يعتبر الاقتصاد السعودي الأكبر عربيًّا وخليجيًّا، بحكم موارد النفط وحجم السوق والقدرة الشرائية، ولكن رغم ذلك لا يعتبر النظام السعودي التكاملَ الاقتصادي الخليجي مهمًّا إلا إذا كان تحت سيطرته ومن منظور مصالحه الخاصة فقط، فالتكامل مرفوض وعلى الدول الأخرى أن تقبل بالتبعية الاقتصادية للقرار السعودي، وهذا ما حصل منذ عام 2014 عندما أصرَّت السعودية على عدم خفض إنتاج النفط بعد انهيار الأسعار لتحافظ على حصتها في السوق، غير مهتمة بتداعيات هذا القرار على اقتصاد جيرانها في الخليج، وخاصة تلك التي تأثرت أكثر منها بعد انخفاض الأسعار، وتغلبت مصلحة الاقتصاد الواحد الكبير على مصالح الدول الصغرى في المنظومة الخليجية. 

وعندما اقترح النظام السعودي منظومة العملة الخليجية الواحدة على غرار اليورو الأوروبي، أصرَّ على أن تكون العاصمة السعودية مركز البنك الخليجي المقترح لكن رفضت الإمارات حينها، وأدَّى ذلك إلى طي الملف نهائيًّا. 

5. الطموح العسكري

عسكريًّا، تعتبر السعودية نفسها القلب العسكري على مستوى الخليج؛ حيث إن جميع مبادرات التعاون العسكري والأمني يجب أن تكون الرياض راعيها ومركزها وقائدها، ويستند هذا الاعتقاد إلى تقدير السعودية أن جيشها هو الأكبر على مستوى الخليج ناهيك عن صرفها على التحديث العسكري المستورد، والذي يعتبر أيضًا من بين الأكبر عالميًّا وخليجيًّا. 

اتضحت هذه المقاربة السعودية للتعاون العسكري في منظومة درع الجزيرة والاتفاقيات الأمنية والتحالفات العسكرية الإقليمية بعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي؛ فالرياض لا تقبل بمنظومة عسكرية مشتركة إلا إذا كانت تحت قيادتها، وهذا ما حصل في اليمن عندما جمعت تحت رايتها حلفًا عسكريًّا خليجيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا، لتشنَّ الحرب الجارية الحرب منذ 2015. 

6. القيادة الإقليمية

يعتبر النظام السعودي نفسه المحور الأساسي للتحاور مع المحاور العالمية نيابة عن الدول الصغرى الخليجية، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال العلاقة السعودية الأميركية وخاصة بشقها الخليجي والعربي؛ فالرياض لا ترضى ولا تقبل أن تكون هناك علاقات مستقلة عن الإطار الذي ترسمه هي لاتصالات الخليج مع الولايات المتحدة، وقد أدى ذلك إلى صدام مع الدول الخليجية الأخرى التي تبنَّت خطوط اتصال مباشرة مع الولايات المتحدة دون الإذن السعودي. 

فمثلًا قرار سلطنة عُمان لعب دور الممهِّد لاتصالات أميركية-إيرانية أدَّت إلى الاتفاق النووي في عهد الرئيس باراك أوباما، مما أثار غضب الرياض؛ لأن عُمان تبنَّت سياسة الحوار وليس الصدام مع إيران ومهَّدت لعلاقات حميمية مستقلة مع الولايات المتحدة، اعتبرتها السعودية مخالفة لمنهجها في التعامل أولًا مع الولايات المتحدة وثانيًا مع عدوتها إيران. 

 

مكاسب الضعف 

مكَّنت هذه المرتكزاتُ السعوديةَ من تحقيق بعض النجاحات في بسط هيمنتها وقرارها على الدول الخليجية إلى حدٍّ ما، وقد أسهمت في نجاحها معاناة الدول الخليجية في مراحل مختلفة من وهن وضعف داخلي أو إقليمي. 

وسنؤصل لذلك في حالتين خليجيتين، هما: الكويت بعد الاجتياح العراقي وأزمة الخليج عام 1990، والبحرين بعد اندلاع الثورة فيها ضمن تداعيات الربيع العربي عام 2011. 

1. النموذج المهادِن

في الحالة الكويتية، استطاعت الرياض أن تضع قيودًا على حركة الكويت الخارجية بسبب الدَّيْن السياسي الذي تراكم على الإمارة الصغيرة نتيجة العدوان العراقي عليها، وبسبب اعتمادها على السعودية كسند قوي مكَّنها من استرجاع وجودها على الخريطة كدولة مستقلة، لكنها بذلك ظلت مقيدة بذلك الدَّين خاصة في الشأن الإقليمي، رغم أن الكويت لها باع طويل تاريخيًّا في النشاط السياسي نتيجة مجتمع مدني حيوي وبرلمان منتخب ومؤسسات دستورية عريقة. 

مع ذلك تمكَّنت الكويت من التصدي للسعودية في موضوع حقل الخفجي النفطي مثلًا، ومن انتهاج سياسة خارجية متفردة لا تتماهى مع السياسة السعودية في ملفات مهمة مثل العلاقة مع إيران؛ حيث حافظت على مستوى تمثيلها الدبلوماسي رغم قطع السعودية لعلاقاتها مع طهران في 2016، وانتهجت أيضًا سياسة مستقلة إلى حدٍّ كبير تجاه العراق تميزت بالتقارب مع بغداد. 

لكن لم تستطع الإمارة الصغيرة أن تستعيد حيويتها كاملة بعد أكثر من عقدين على كارثتها مع العراق، فنجد أنها تحاول دومًا بدبلوماسية مهادنة تفادي استفزاز الرياض بقرارات معاكسة، وإن أرادت أن تتجنب الرياض نجدها تلعب دور الوسيط في أزمات السعودية مع جيرانها الخليجيين الآخرين. والوساطة الكويتية تعكس محاولة الإمارة أن تكون همزة وصل للسعودية وجاراتها تُجنِّبها الوقوع في خياري الخضوع أو الصدام مع الرياض. 

قد ضمن هذا الموقف للكويت دورًا جديدًا كوسيط بين السعودية والآخرين، وهذا بالفعل ما حدث خلال الأزمة القطرية-السعودية-الإماراتية الحالية. 

2. نموذج التبعية

أما البحرين، فهي من التبعية المطلقة للسعودية بسبب هشاشة الحكم البحريني داخليًّا بعد أحداث عام 2011 عندما حصل انفصام سياسي وشرخ مجتمعي وطائفي بين القيادة وشعبها، فاستغلت السعودية هذا الشرخ وأدخلت البحرين تحت عباءتها دون جهد كبير؛ مما أفقد البحرين استقلال قرارها السياسي وزاد اعتمادها على المساعدات المالية المعنوية السعودية. 

في هذين المثالين نجد أن السعودية نجحت بشكل أو بآخر في إرساء علاقة قد تكون مضطربة؛ لأنها لا تعتمد على المساواة بل على التبعية التي تكفل هيمنتها على دولة أصغر منها بكثير ومحتاجة لمساندتها أمنيًّا واقتصاديًّا في الحالة البحرينية. 

 

إخفاقات التبعية 

تُعتبر هذه المرتكزات الراسخة، التي حدَّدناها كإطار لطبيعة العلاقات السعودية-الخليجية، قاعدة غير قادرة على ترسيخ وحدة خليجية حقيقية وكاملة بل وحدة مقيدة مبنية على مفهوم التبعية للشقيقة الكبرى تحت شعارات التعاون والإجماع الخليجي، مما يجعل مرتكزات هذه العلاقة تثير أكثر من مرة احتكاكات مستمرة ومناكفات تظهر ثم يتم احتواؤها.

لكن هناك متغيرات حديثة قد تجعل الأزمات السعودية-الخليجية حالة متكررة دائمًا تمامًا كما ظهر في السنوات القليلة الماضية، وهذا له علاقة قوية بالداخل السعودي خاصة بعد انتقال الحكم إلى شخصية ليس لها خبرة أو حنكة سياسية بل قد تُعتبر متهورة تطيح بالوحدة الخليجية، وقد تؤدي إلى انهيار مجلس التعاون أو تهميشه على حساب تحالفات ثنائية مثل الحلف السعودي-الإماراتي الحالي. 

ظهرت تاريخيًّا إخفاقات كان أهمها النزاعات الحدودية التي شكَّلت محورًا للصراعات السعودية-الخليجية، بدأ من ترسيم الحدود في العشرينات من القرن الماضي مع الكويت ومن ثمَّ قطر والإمارات وكذلك سلطنة عُمان، وكل هذه النزاعات كان محورها النفط وأماكن وجوده وكيفية استغلاله، ومن أجل حلِّ النزاعات لجأت السعودية إلى مفهوم امتلاك الأرض معتمِدة على هوية القبائل القاطنة لمنطقةٍ ما وولائها التاريخي. 

إضافة إلى النزاع على الموارد الاقتصادية، هناك أهداف أخرى تكون أكثر خطرًا مثل النزاعات القبلية وامتداد المجموعات البشرية عبر الحدود الخليجية التي رُسمت منذ عهد قريب تحت مظلة أجنبية، بريطانية سابقًا تلتها مصالح نفطية أميركية. 

من إخفاقات السياسة الخليجية السعودية، انفجار أزمات مستمرة مع بعض الدول كدولة قطر؛ حيث نهجت هذه الأخيرة منهجًا مخالفًا لنهج السعودية في التعامل مع الثورات العربية عام 2011. 

وكذلك السياسة الإعلامية القطرية التي اصطفت مع الشعوب العربية عكس الموقف السعودي الذي فضَّل منهج الثورة المضادة في مصر وتونس وغيرها، من هنا كان التصادم بين قطر والسعودية أشبه بالحتمي خاصة على ضوء مرتكزات وقواعد السياسة السعودية-الخليجية المذكورة سابقًا. 

والحالة الثانية هي سلطنة عُمان والتي انتهجت سياسة بعيدة عن الفَلَك السعودي؛ مما أدى إلى فتور بالعلاقات الثنائية لم يصل بعد إلى حدِّ القطيعة على غرار الحالة السعودية-القطرية، لكنها لم تكن يومًا علاقة متينة بين الجارتين في الجزيرة العربية.

وتاريخيًّا، لم تعتبر السعودية عُمان دولة إسلامية؛ حيث أن مفتيها لم يعترف بالمذهب الإباضي المتَّبع في عُمان كمذهب من ضمن المذاهب الإسلامية؛ مما أدى الى تصادم ديني بين الدولتين كان يُدار خلف الكواليس تؤجِّجه المؤسسة الدينية السعودية في الماضي.

وبعد تجاوز هذه الأزمة الدينية انتقل الصراع إلى الموقف من إيران، حيث نأت عمان بنفسها عن الموقف السعودي الذي يدعو للصدام مع إيران وفضَّلت السلطنة الحوار الخفي الذي رعته ومهدت له بين الولايات المتحدة وإيران. 

 

من التبعية إلى الندية 

في ظل القيادة الجديدة تبدو السعودية أكثر شراسة في مواقفها من دول الخليج، وبدلًا من الإجماع الخليجي الذي كانت تعلنه كراعية للوحدة والتعاون المشترك، نجد أنها تفضِّل، تحت قيادة محمد بن سلمان، ولي العهد الجديد، مفهوم اللعبة الصفرية المبنية على مبدأ أن تكون معي أو تكون ضدي أو أي ربح لك يعني خسارة لي في علاقاتها مع الدول الخليجية. 

ينتج عن هذه العلاقة الصفرية علاقة غير متوازنة تعتمد على مبدأ الهيمنة وليس المساواة، من هنا ستكون احتمالات وسيناريوهات المرحلة القادمة خطرة ليس على الدول الخليجية الصغيرة بل على المنطقة العربية كلها لأسباب متعددة: 

انحسار خطاب الدبلوماسية وتبني خطاب المصادمة والعسكرة والحصار على دول تعتبر مشاغبة من المنظور السعودي، سيفتك بالسلم الخليجي والنسيج الاجتماعي؛ حيث زجَّت الرياض بمواطنين خليجيين في الصراع السياسي، كطلب ترحيل مواطنين مقيمين في دولة ما إلى دولتهم الأم خلال الأزمات. 

يعتبر هذا تصرفًا تعسفيًّا ضد حقوق الإنسان والمهاجرين وليس هذا بمستغرب؛ حيث رحَّلت السعودية سابقًا مئات الآلاف من اليمنيين إلى بلادهم بعد أن اصطفَّ علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني حينها، مع صدام حسين خلال حرب الخليج عام 1990. 

في العهد السعودي الجديد قد يعتبر المال أهم من الدبلوماسية، وقد يُستعمل لشراء الولاء، لكن إن نفع ذلك مع دول خليجية تحتاج للدعم المالي السعودي كالبحرين إلا أنه أثبت محدوديته مع دولة غنية كقطر.

ولن تتجنب السعودية عواقب هذه المنطلقات في سياستها الخارجية إلا إذا تغيرت سياستها وقواعد علاقاتها الخارجية بشكل يعتمد الدبلوماسية والحوار ويُقِرُّ بحق الدول المستقلة في اتخاذ قرارات لن تكون دومًا انعكاسًا للسياسة السعودية. 

ومن هنا، نعتبر مفاهيم السياسة الخارجية السعودية خطرًا على المنطقة؛ لأنها قاصرة وتحتاج الأخذ بعين الاعتبار بُعدًا مهمًّا، وهو سيادة الدول الأخرى مهما كانت صغيرة، ومبدأ المساواة، من أجل إقامة منطقة خليجية آمنة بعيدة عن الصراعات المرتبطة بطموح يفتقد الحنكة السياسية والخبرة في التعامل مع الأزمات.

* د. مضاوي الرشيد أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية لندن للسياسة والاقتصاد

  كلمات مفتاحية

السعودية دول الخليج الأزمة الخليجية حصار قطر العلاقات السعودية الخليجية محمد بن سلمان ولاية العهد الصراع الصفري مقومات السياسة السعودية الخارجية سياسات المناكفة