«أميركان إنترست»: الإفراج عن «طلعت مصطفي».. مصر تستعيد وجه «مبارك»

الجمعة 14 يوليو 2017 02:07 ص

في 23 يونيو/حزيران، منح الرئيس المصري «السيسي» العفو لحوالي 500 من المدانين، وهي ممارسة شائعة من القادة العرب عشية عيد الفطر، نهاية شهر رمضان المبارك. ومن بين أولئك الذين تم إطلاق سراحهم، «هشام طلعت مصطفى»، وهو ملياردير عقاري وسياسي ذو علاقات وثيقة بنظام مبارك. وفي عام 2009، أُدين «مصطفى» بالتآمر على قتل صديقته، المغنية اللبنانية «سوزان تميم»، في دبي. وبعد ثمانية أعوام من الاضطرابات السياسية المتلاحقة، يسلط الإفراج عن «مصطفى» الضوء على كيف أنّ مصر لم تتغير كثيرًا.

وتعد قصة مقتل «سوزان تميم» قصة مثيرة. وكانت سوزان، وهي مطربة لبنانية فازت في برنامج عربي للبحث عن النجوم عام 1990، قد أصبحت عشيقة «هشام مصطفى» حين كان عضوًا برلمانيًا وعضو الأمانة السياسية للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس «حسني مبارك» آنذاك. كما أنّه كان على صلة وثيقة بنجل مبارك وولي العهد «جمال». وأراد «هشام»، الذي كان متزوجًا بالفعل، أن تكون «سوزان» زوجته الثانية، لكنّها رفضت، وبعد ذلك تقربت من بطل العالم العراقي في رياضة الكيك بوكسينغ، «رياض العزاوي».

وبسبب غضبه من ذلك، دفع «مصطفى» مليوني دولار لمسؤول أمني مصري سابق لقتل حبيبته السابقة. وفي يوليو/تموز عام 2008، طار ضابط الشرطة المتقاعد «محسن السكري» من القاهرة إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث قتل «سوزان» في شقتها، وقطع رأسها بسكينٍ كبير. ولسوء حظه، ترك «السكري» آثارًا دموية أثناء فراره من مكان الحادث، وقامت الشرطة الإماراتية في نهاية المطاف بتتبع الحذاء الرياضي الذي قادها إلى مركزٍ تجاريٍ في دبي، حيث اشتراه «السكري» قبل أيامٍ قليلة. ثم تمّ التعرف على «السكري» وتسليمه إلى مصر، حيث اعترف بتورط «مصطفى» في المؤامرة.

وفي ربيع عام 2009، في محاكمتهما في مصر، بدأ أنّه لا فرار من العقوبة القصوى. ولم يقتصر الأمر على اعتراف «السكري» بالجريمة والإشارة بأصابع الاتهام إلى «مصطفى»، بل شملت الأدلة المسجلة محادثاتٍ هاتفية بين «مصطفى» والضابط السابق. وكان السؤال المطروح، هو ما إذا كان «مصطفى»، مع ثروته الهائلة وصلاته بعائلة الحكم، سيحصل على محاكمة عادلة في نظامٍ قضائيٍ يتلاعب به نظامٌ استبدادي.

وكان «نظام مبارك» قد أصدر أمرًا مباشرًا للمحكمة، إلا أنّه وبعد أن نشرت صحيفتان محليتان تفاصيل عن الحادث، قررت الحكومة بدلًا من ذلك استخدام المحاكمة لتسليط الضوء على القضاء «المستقل» عن الدولة. وأشار «علي الدين هلال»، أمين شؤون الإعلام في الحزب الديمقراطي الحاكم أثناء حكم «مبارك»، إلى توجيه الاتهام إلى مصطفى كدليلٍ على أنّ «الحزب الحاكم لا يعرف المحسوبية ولا أحد في مصر فوق القانون». وصدم المصريون حقًا عندما أُدين «مصطفى» ورجله وحكم عليهما بالإعدام في مايو/أيار عام 2009.

وفي حين تم تخفيف الحكم الصادر بحق «السكري» بعد ذلك إلى السجن المؤبد، سرعان ما تمت الموافقة على نقض الحكم على «مصطفى» بسبب أخطاءٍ إجرائية مزعومة. وتمت إعادة المحاكمة عام 2010، والتي وجدت «مصطفى» مذنبًا مرة أخرى، ولكن حكم عليه هذه المرة بالسجن لمدة 15 عامًا فقط. وعندما أطلق سراحه قبل العيد، كان «مصطفى» قد أمضى أقل من نصف المدة. وفي ذلك الوقت، خلص كثيرون إلى أنّه تلقى معاملة خاصة بسبب وضعه الاجتماعي. ولكن كان الحكم عليه جدير بالملاحظة، على أي حال، نظرًا لعلاقاته مع دولة الاستبداد آنذاك في مصر.

ومنذ سجنه، حدثت وأربعة تغييرات في النظام في مصر، ولكن استمر اهتمام وسائل الإعلام بقصة مصطفى مع ذلك. وفي مناسباتٍ عدة، ذُكر أنّ «مصطفى» قد ناشد السلطات للإفراج عنه بناءً على ظروفٍ طبيةٍ مزعومة، لكنّ هذه الطعون رفضت. وفي الوقت نفسه، تم رفع دعوى ضد شركته، مجموعة طلعت مصطفى، وذلك بسبب العديد من المشاكل المتعلقة بمشروع «مدينتي» حيث كانت قد اشترت الأراضي من الدولة بأقل من قيمتها السوقية بأكثر من مليار دولار، وذلك لبناء مجمع سكني وملاعب جولف. وتسببت الإجراءات القانونية في انخفاض أسهم شركته بنسبة 10% تقريبًا.

إلا أنّه بعد إطلاق سراحه، ارتفعت قيمة أسهم المجموعة بنسبة 15% تقريبًا. فهل كان «السيسي» يفكر في إعطاء إشارة ودية لمجتمع الأعمال بإطلاق سراحه؟ ربما. وقد بقي مجتمع الأعمال في مصر، الذي أيد بقوة الإطاحة بزعيم الإخوان المسلمين «محمد مرسي» في يوليو/تموز عام 2013، ودعم صعود السيسي للرئاسة بعد عام، يشكل عنصرًا مهمًا في الحكومة المصرية. أم كان العفو إشارة من القضاء المصري، الذي كان في بعض الأحيان على خلافٍ مع «السيسي»؟ أم كان «هشام طلعت مصطفى» يعاني طبيًا فعلًا داخل السجن؟

لا أحد يعرف، وهذا هو الحال دائمًا في مصر. وفي الواقع، يعد التعتيم أحد أهم ملامح صنع القرار في مصر خلال أعوامٍ من الاضطرابات. وبعد سبعة أعوام من الثورة، يمثل الإفراج عن «مصطفى» عودة القاهرة للعمل كما اعتادت في السابق، بحضور كل الوجوه القديمة.

 

  كلمات مفتاحية

السيسي هشام طلعت مصطفى مصر