استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أزمة الخليج وأثرها على المقاومة الفلسطينية

الأحد 16 يوليو 2017 05:07 ص

تزعم هذه المقالة أنها حيادية لا تنحاز لدولة قطر ضد الدول العربية التي أعلنت حصارها لها، ولا تدافع عن مواقف هذه الدول في حصارها لدولة قطر، ذلك أن الأسباب الحقيقية التي فجرت هذه الازمة فجأه ما زالت غير معروفة ولا يعلم بها الاّ طبقة الحكم في تلك الاقطار، بالاضافة إلى سادة الأقطاب الدولية. 

ولكن موقف الحياد بين المعسكرين، لا يخفي مخاوف عميقة من ان هناك صفقات تدور وراء الكواليس سوف تؤثر على نحو خاص في القضية الفلسطينية، لاسيما وأن النخبة الخليجية التي تتصدى لادارة هذه الازمة تحمل مواصفات «المحافظين الجدد» من حيث النزعة الاستبدادية المتصلبة في المواقف، واعتبار انها صاحبة الحق المطلق الذي لا يقبل النقاش ولا يأتيه الشك من أي جهة.

وما يزيد من منسوب هذه المخاوف هو التمعّن في «قائمة المتطلبات الجماعية من قطر» وعددها ثلاثة عشر مطلباً، وهي تثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب قبل ان نصل إلى الاستهجان، وهو صلب موضوعنا. 

وبداية لابدّ من تقرير مبدأ دولي استقرّ عليه المجتمع الدولي في قرار صادر عن الجمعية العامة للامم المتحده عام 2005 ومناط هذا المبدأ الوارد في البند الاول من ذلك القرار انه «يتعين على الدول ان تكفل امتثال أية تدابير تتخذها لمكافحة الارهاب لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ولاسيما القانون الدولي لحقوق الانسان وقانون اللاجئين الدولي والقانون الانساني الدولي».

فاذا كانت دول الحصار تعلن حصارها لدولة قطر بمقولة مكافحة الارهاب، فانها ملزمة، وهي تحارب الارهاب، باحترام حقوق الانسان والقانون الدولي بكل مكوناته، ذلك ان محاربة الارهاب ليست رخصة للمساس بحقوق الانسان أو لانتهاك مبادئ القانون الدولي.

فمثلا، ورد في احد المتطلبات انه على دولة قطر الا تخلّ بالعقوبات «المفروضة دولياً وامريكياً على ايران». من الظاهر ان هذا التزام فردي على دولة قطر، فاذا أخلّت به، لماذا لا يتصدى المجتمع الدولي، والامريكي خاصه، لهذا الاخلال؟

هل هناك مسؤولية جماعية على دول المقاطعة بالتصدي لاخلال قطر؟ وما هو السند القانوني لهذه المسؤولية الجماعية بالذات؟

ثم تطالب دول الحصار دولة قطر «باغلاق قنوات الجزيرة [ الفضائية] والقنوات التابعه لها». فهل تدرك دول المقاطعة ان هذا انتهاك للقوانين الدولية، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على حق الانسان في التعبير والنشر والرأي؟ وقد علقت مجلة «الايكونومست» البريطانية ( 29/6/2017) على هذا الطلب بقولها انه يشبه حالة ان تطلب الصين من بريطانيا اغلاق محطة «بي بي سي».

وأدرجت دول الحصار مؤسسات وكيانات وافراداً قطريين على قائمة الارهاب، دون اتخاذ اجراء قضائي أو شبه قضائي، ودون نشر بيانات وادلّة تسوّغ لها هذا التصرف. وفرضت حصاراً برياً وبحرياً وجوياً وطردت مواطني دولة قطر من اراضيها حتى للعابرين منهم في مطاراتها، دون اعتبار للنواحي الانسانية والاجتماعية.

هذه مجرد امثله على تجاوز دول الحصار لالتزاماتها بموجب القوانين الخاصة بحقوق الانسان وبالقانون الدولي، رغم انها ترتكب هذه الخروقات وهي تتصدى – حسب ادعائها- لمقاومة الارهاب وهو بلا شك عمل جليل.

ثم نصل إلى موضوعنا الذي اثار قلقاً خاصاً من هذه الازمة، التي مازالت تتمدد وتفتح ابوابها للتدخلات الخارجية. يشترط المتطلب الرابع من دولة قطر «ايقاف كافة اشكال التمويل القطري لأي فرد أو كيانات أو منظمات ارهابية أو متطرفة، وكذا المدرجين ضمن قوائم الارهاب في الدول الاربع وكذا القوائم الامريكية والدولية المعلن عنها».

من الواضح ان هذا نص مرن وفضفاض، لاسيما وأنه يتعلق بمسألة اكثر مرونة وهي الارهاب، إذ لم يعثر القانون الدولي حتى الان على تعريف جامع مانع لما يسمى بـ»الارهاب»، ولا أدلّ على ذلك من ان هناك اثنتين وعشرين اتفاقية دوليه تصدت للارهاب، ولم تتفق هذه المواثيق على تعريف واحد أو محدد.

ان هذا يؤكد ان مسألة التصدي للارهاب مسألة تخضع لمعايير ذاتية وشخصية، ولا تستند إلى اسس موضوعية أو معايير محايدة. فقد وجد الاخوان المسلمون – على سبيل المثال – في المملكة العربية السعودية، الملاذ الآمن حين اختلفوا مع جمال عبد الناصر، والان اصبحوا حركة ارهابية في المنظور السعودي، علماً بأن سلوكهم ومنهجهم وعلمهم وشعارهم ظل على حاله، ومازالوا، وإن بلهجات مختلفة، يطرحون شعار «الاسلام هو الحل».

أما في الاردن فقد كانوا، ومازالوا، من اركان النظام الاساسيين. وقد سبق الاعلام المصري ان قال في حركة حماس، التي هي جزء من حركة الاخوان المسلمين، اكثر مما قاله مالك في الخمر، والان يقوم وفد من حماس بزيارة القاهره ويعلن الاخ اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة عن تقديره لموقف مصر الاخوي.

إن الخطر الذي ينطوي عليه المتطلب الرابع هو انه قد يؤدي إلى، أو يفتح باباً على المقاومة الفلسطينية. وقبيل طرح هذه المتطلبات رسميا، ورد على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قوله ان على قطر ان توقف مساعداتها للمنظمات الارهابية مثل «حماس». صحيح ان اسم «حماس» لم يرد في قائمة المتطلبات الاّ ان الخلفية تشير إلى ذلك، كما ان تفسير المتطلب الرابع يؤدي إلى تلك النتيجة.

اذ أنه من الثابت ان حركة «حماس» مدرجة على قائمة المنظمات الارهابية الامريكية، وبالتالي ليس مبالغة في التفسير القول ان المتطلب الرابع سوف يطعن في المقاومة الفلسطينية مهما حاولت دول المقاطعة استخدام التعابير الفضفاضة. والمقاومة الفلسطينية لا تقتصر على المقاومة الاسلامية «حماس» بل تشمل كل عناصر المقاومة، بما في ذلك عناصر المقاومة التي لجأت مؤخراً إلى ما اطلق عليه تجاوزاً «انتفاضة السكاكين» أو اضطرت لاستخدام المركبات الميكانيكية لمهاجمة قوات الاحتلال.

وقيام أي عنصر من عناصر المقاومة باستخدام السكاكين أو المركبات الميكانيكية ضد أي جندي/ جندية اسرائيلي هو عمل مشروع في القانون الدولي، باعتبار أنه شكل من اشكال المقاومة لاحتلال أجنبي، رغم ان إسرائيل تطلق عليهم صفة «ارهابيين».

واذا اخذنا في الاعتبار عمق التأثير الصهيوني على الرأي العام الامريكي، فان وصف اسرائيل لهؤلاء المقاومين بالارهابيين سوف ينتقل عاجلاً ام آجلاً إلى صانعي القرار الامريكيين، أي ان المتطلب الرابع سوف يمتد ليشمل أي عمل مقاوم يقوم به أي فلسطيني أو فلسطينية ضد الاحتلال أو ضد أي عمل اجرامي يقوم به المستوطنون ضد المدنيين الفلسطينيين، لاسيما اذا تم ادراج هذه الفئه من المقاومين في قوائم الارهاب الامريكية.

ولابدّ من اعادة قراءة المتطلب الرابع لكي ندرك خطورة محتواه على المقاومة الفلسطينية. انه ينص على وقف كل «اشكال التمويل» ، وهذه الاشكال قد تأخذ شكل التمويل نقداً، أي لا يحق لقطر التبرع بالمال لأي مقاوم، واذا استشهد هذا المقاوم، فان الدعم النقدي يجب ان لا يقدم لأولاده أو عائلته، كما تطالب الان الولايات المتحدة ( وقد تعهدت السلطه الفلسطينية بوقف هذا الدعم) ونعلم ان اسرائيل قد استصدرت قانوناً من الكنيست يفوض الحكومة بخصم مبالغ محددة كانت مخصصة لاهالي الاسرى والشهداء.

كما يشمل التمويل المعونة العينية، مثل تقديم خيمة أو بيت متنقل للآلاف الذين دمرت مخيماتهم ومنازلهم أو الذين تقوم اسرائيل بنسف بيوتهم. ويمتد الحظر ليشمل ليس الافراد، بل «الكيانات» و»المنظمات»، سواء كانت هذه المنظمات «ارهابية» أو «متطرفة».

وقد سبق وان تطرقنا إلى تعريف الارهاب، الاّ انه لا يوجد تعريف كلمة «متطرفة». فهل حركة مثل حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) منظمة متطرفة؟

وهل المنظمات الفلسطينية التي تنظم دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب الاسرائيليين في مختلف الدول، منظمات «متطرفة»؟ لاسيما وأن اسرائيل تطلق على هذه الانشطة اسم «الحرب القانونية».

إن شرط المنع قد يتمدد ويتسع أو يضيق حسب رغبات دول المقاطعة، دون ايجاد أي معيار أو صفه أو تعريف موضوعي، ما يجعل عملية الطعن في المقاومة الفلسطينية أو التضييق عليها عملاً خاضعاً لاعتبارات سياسية ضيقة، طالما انه يمكن وصف المقاومة بالارهاب أو التطرف دون تحديد أو وضع معالم واضحة.

وفي النهاية، لابدّ من التساؤل: الاّ يشكل هذا المتطلب منزلقاً خطيراً لدول المقاطعة قد ينتهي بها المآل إلى الوقوع في الفخ الاسرائيلي؟

إذ أنه يمكن القول انه اذا قامت دول الحصار بمقاطعة قطر لأنها تقدم العون المالي للمقاومة الفلسطينيه، ولاسيما تلك المدرجة على القوائم الامريكية، ستقوم هي بدورها بقطع أية معونه مالية أو عينية عن أهلنا في الاراضي المحتلة.

والذي سوف يصبحون فجأه في وضع قاتل يجدون انفسهم فيه بين سندان الاحتلال ومطرقة الاشقاء في دول الحصار. فهل يصل بنا الحال إلى هذا المأزق ويصل الحال الاسرائيلي إلى هذا الانفراج؟

* د. أنيس فوزي القاسم خبير فلسطيني في القانون الدولي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

أزمة الخليج المقاومة الفلسطينية دولة قطر دول الحصار سادة الأقطاب الدولية إسرائيل القضية الفلسطينية النخبة الخليجية مواصفات «المحافظين الجدد» النزعة الاستبدادية المتصلبة حقوق الإنسان «مطالب دول الحصار»