«ستراتفور»: ذكرى الانقلاب.. كيف حوله الرئيس التركي إلى فرصة؟

الثلاثاء 18 يوليو 2017 11:07 ص

لا يحب زعيم دولة التفكير بمؤامرة بالتآمر لإخراجه. لكن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» يعرف بالتأكيد كيفية تحقيق أقصى استفادة من محاولة الانقلاب. في السنة التي حاول فيها فصيل من الجيش إسقاط إدارته، قام الرئيس التركي بتحييد جزء كبير من المعارضة السياسية، وأجرى إصلاحات رئيسية لتعزيز صلاحياته وبقي على ذات المسار في سياسته الخارجية التوسعية. وعلى الرغم من أن جدول أعماله لا يزال يواجه عدة عقبات، فإن «أردوغان» سيحتفظ بتلك الوضعية للحفاظ على قبضة مشددة على السلطة في الداخل مع موازنة مجموعة متزايدة التعقيد من العلاقات في الخارج.

إحكام القبضة

سرعان ما تطور الانقلاب الفاشل بقيادة مجموعة من الجنود الموالين لـ«فتح الله غولن» إلى فرصة سياسية لـ«أردوغان». وكان الرئيس، الذي كان قد أنهى بالفعل مدة ولايته كرئيس للوزراء حزبه ونجا من دورة انتخابات حادة في عام 2015، يستعد لاستخدام كتلة الناخبين الذين ما زالوا يدعمونه لإعادة كتابة الدستور لصالحه. وكان الناخبون سيقررون في استفتاء ما توسيع صلاحيات الرئاسة وإعطاء «أردوغان» الشرعية للبقاء حتى عام 2029. لكن نجاح الاستفتاء كان بعيدا بعض الشيء، نظرا لانقسام الناخبين بشدة في تركيا وتباطؤ الاقتصاد. ومما جعل الأمور سوءا بالنسبة إلى «أردوغان»، أن فصيلا من أتباع غولن له تأثير في العديد من مؤسسات الدولة الحرجة كان يهدد بالوقوف في طريقه.

ومع ذلك، كان أنصار «غولن» معزولين جدا. وقد ثبت أن الشعب التركي كان أكثر اعتراضا على الانقلاب أكثر من معارضته للرئيس. وقد استثمر «أردوغان« سريعا على هذه الميزة للمضي قدما في حملة للسيطة تجاوزت مدبري الانقلاب إلى خصومه السياسيين.

ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيا لتأمين حصول الرئيس على السلطة. ولتحقيق أهدافه من خلال الاستفتاء الدستوري، كان على «أردوغان» أيضا أن يحظى بدعم حزب الحركة القومية وقد استدعى ذلك إظهار نهج متشدد لا يتسامح مطلقا مع الأكراد التابعين لحزب العمال. وسرعان ما أتاحت عمليات التطهير التي قام بها ضد «غولن» محاصرة الأكراد وسمحت للرئيس التركي بالدخول في مفاوضات مع حزب الحركة القومية في المفاوضات وراء الكواليس، قبل المغامرة في الاستفتاء الدستوري. وبالفعل حصل على انتصار ضئيل في التصويت، الذي حصل في أبريل/نيسان، حيث حصل على 51.41 في المئة في الانتخابات وفرصة للبقاء في منصبه لمدة اثني عشر عاما أخرى (شريطة أن يفوز بإعادة انتخابه في عام 2019).

في مواجهة أوروبا

لم يتقبل الأوروبيون المسار التركي. وردا على ذلك، حاولت بروكسل حجب المزايا، مثل السفر بدون تأشيرة، للضغط على تركيا لتخفيف قوانينها الصارمة ضد الإرهاب. غير أن جهودهم لم تفعل شيئا يذكر لتقييد أنقرة، و بدلا من ذلك عكست سوء فهم الاتحاد الأوروبي لـ«أردوغان» وجدول أعماله المحلي. وكلما حاولت هذه الكتلة أن تحارب الرئيس التركي، كلما زاد الوقود الذي كان يثير الحرائق القومية في الداخل، مدعيا أن القوى الأوروبية الشريرة تريد مرة أخرى إضعاف تركيا وتقسيمها. ومع تكثيف الحملات السياسية ضد المتشددين الأكراد خارج حدود تركيا، الذين يهددون بتقويض وحدة أراضي البلاد، كان لدى «أردوغان» منصة أمنية وطنية قوية بما يكفي لوقوفه ضد أوروبا. وعلاوة على ذلك، فهم الرئيس جيدا النفوذ الذي كان لديه في امتثال تركيا أو تجاهلها للصفقة التي أبرمتها مع أوروبا للحد من حركة المهاجرين إلى القارة.

تحتاج أوروبا إلى تعاون أنقرة بشأن قضية المهاجرين لإعطاء السياسيين المعتدلين في القارة فرصة القتال ضد خصومهم القوميين. وستواصل المواجهة العمل لصالح تركيا، مما يمكن أنقرة من توجيه مفاوضاتها مع الكتلة نحو القضايا التي تهمها بشكل أكبر. إن محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليست ما تفعله البلاد (ولا هي ما تريده أوروبا). وبدلا من ذلك، تركز تركيا على مسائل مثل رفع مستوى اتفاق الاتحاد الجمركي غير المتوازن مع الاتحاد الأوروبي. وتريد أنقرة، بعد كل شيء، التأكد من أن وصولها إلى هذه الكتلة لا يتأثر حيث تسعى أوروبا إلى عقد صفقات تجارية مع الشركاء الرئيسيين مثل اليابان والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن القوى الغربية تجد مسار أنقرة غير محمس، فإن تركيا ستكون حليفا حرجا لمنظمة حلف شمال الأطلسي حيث تواصل روسيا إستراتيجيتها الحربية الهجينة لمحاولة تقسيم أوروبا. وعلى الرغم من ذلك، سيتعين على أنقرة أن تدرس برفق بعض الخيارات مع روسيا، لأن موسكو لا تزال تتدخل في جدول أعمالها في الشرق الأوسط. وتكشف القرارات المثيرة للجدل، بما في ذلك الاتفاق المبدئي لإنتاج وتجميع صواريخ دفاع جوي روسية من طراز إس-400 في تركيا، مدى استعداد أنقرة لاختبار ثقة شركائها في الناتو.

ولكن من وجهة نظر تركيا،فإن الغرب ليس متعاطفا بما فيه الكفاية لتوفير احتياجاتها. فقد واجهت أنقرة، على سبيل المثال، صعوبة في فهم لماذا لا تتبع الولايات المتحدة وأوروبا ببساطة زمام المبادرة في التعامل مع جميع المسلحين الأكراد على أنهم إرهابيون. (بطبيعة الحال، فإن الجواب يكمن في حقيقة أن واشنطن وشركاءها في التحالف يحتاجون إلى وكلاء متشددين موثوق بهم لتعزيز هدفهم الاستراتيجي المتمثل في تحييد الدولة الإسلامية).

وقد عرقلت الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء تركيا في نقاط متعددة في ساحة المعركة السورية، محبطين إستراتيجية أنقرة ضد الأكراد.

وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن أنقرة تلعب لعبة أطول. يعرف «أردوغان» أنه مع تراجع المعركة ضد الدولة الإسلامية، سيكون لدى تركيا مجال أكبر لتوسيع رقعتها العسكرية في شمال سوريا والعراق. وفي الوقت نفسه، ستحاول تركيا التنقل الزئبقي بين الولايات المتحدة وروسيا للحفاظ على موطئ قدم في ساحة المعركة وتجنب الوقوع في تصادم مع موسكو.

علاقات معقدة

كما أن علاقات أنقرة مع القوى الأخرى في الشرق الأوسط من شأنها أن تزداد تعقيدا في الأشهر المقبلة. تحت حكم «أردوغان»، ظلت تركيا ثابتة على أجندة أيديولوجية لتعزيز النشطاء السياسيين الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة. وقد أظهرت مؤخرا التزامها بالسعي خلف تعزيز قطر فيما تحاول السعودية والإمارات إجبار الدوحة للتخلي عن علاقاتها مع الجماعات الإسلامية. وتستخدم أنقرة الأزمة الدبلوماسية في الخليج كفرصة لتعميق نفوذها العسكري في المنطقة بدءا من قاعدتها الوليدة في قطر. وعلى الرغم من اهتمام تركيا و السعودية بتشكيل دفاع سني قوي ضد إيران، فإن وجهات نظرهما المتباينة بشأن الجماعات الإسلامية تعمقان الخلافات بينهما.

لقد مر عام منذ أن أطل «أردوغان» إطلالته التي لاتنسى على هاتف ذكي لمذيعة الأخبار ليقوض نصر المتمردين الذين حاولوا الإطاحة به. ومنذ ذلك الوقت، اتخذ الرئيس التركي خطوات غير عادية لتعزيز سلطته في بلد ما زال شعبه منقسما ولكن الحب أو الكراهية له، لا ينكر حقيقة أن «أردوغان» تمكن من تمديد حياته السياسية في الوقت الذي تزداد فيه السياسة الخارجية التركية تعقيدا.

  كلمات مفتاحية

أردوغان تركيا انقلاب تركيا