استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عما جرى في جزيرة «الورّاق»

الثلاثاء 18 يوليو 2017 03:07 ص

ما قامت به السلطات الأمنية أول أمس مع "الشعب" في جزيرة الوراق لا يخرج عن ذات السياق الاجتماعي والسلطوي الذي تتعامل به مع "الشعب" في أي مكان آخر!

إهدار أي قيمة لوجوده أو وجهة نظره أو حقوقه التي يتصورها أو الفعلية، كرامته، وكرامة حياته، حرمة دمه، ما حدث أمس هو استمرار لفكرة أن هذا الشعب لا يصلح معه إلا "العصا الغليظة" لتأديبه وقمعه وإخضاعه للسياسات والقرارات التي تقررها السلطة وهي غالبا قرارات تراعي مصالح طبقة بذاتها أو مستثمرين أجانب.

أهالي جزيرة الوراق معهم مستندات ملكية لأراضيهم، ومعهم أحكام قضائية أنصفتهم من تغول السلطة التنفيذية في مراحل سابقة، ومكنتهم من أرضهم وبيوتهم، وكان هذا معروفا لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أن يطلق إشارة الهجوم على الوراق الشهر الماضي، بل إنه اعتبر أن "هذه الجزيرة" لها أولوية في السيطرة عليها و"تطهيرها" من سكانها في أسرع وقت. 

فبحسب رأيه ـ لا يصح أن يكون عليها أي سكان ولا أي مواطن، وهي الرسالة التي فهم منها أهالي جزيرة الوراق أنها توجيه رئاسي بسحقهم وطردهم من أرضهم للاستيلاء عليها ومنحها لنفر من "الباشوات" المحظوظين، من مصر أو من خارجها.

رئيس الوزراء عندما علق على الاشتباكات التي جرت بين الأهالي وقوات الأمن لمنعهم من مصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم، لم ير من المشهد إلا "هيبة الدولة" المهدرة، كأنه كان يواجه أجانب أو قوات أجنبيه، وليس شعبه صاحب السيادة، إنه لم ير الإنسان، لم ير الشعب، لم ير البشر، ولم يتصور أن لدم هذا الشعب حرمة ولا لحياته كرامه، إنه لم يفكر حتى في تقديم عزاء "نفاقي" للمواطن الذي قتل وهو يدافع عن أرضه، لم ير أن حياته ذات قيمة أو تستحق أن يتذكرها.

إنه لم يفهم معنى أن يضحي الإنسان من أجل أرضه التي عاش عليها عمره وورثها عن آبائه وأجداده، وتأتي قوة غاشمة لتطرده منها إلى المجهول وتشرده بين الخلائق، رئيس الوزراء لا يفهم ذلك، إنه لم يترب سياسيا على أن هيبة الدولة من هيبة شعبها، وأن كرامة الدولة من كرامة مواطنيها، وأن إهانة مواطن واحد في أي مكان في الأرض هو إهانة للدولة ذاتها.

هو تربى على خبرات سياسية تعتبر أن هيبة الدولة بسحق شعبها وكسر إرادته وأن المواطن مجرد رقم قومي وعالة على الحكومة يشغلها دائما التخلص من عبء إطعامه أو علاجه أو تعليمه، وفي أي دولة أخرى في العالم "المتحضر"، أي دولة لها هيبة، يتم تقديم رئيس الوزراء نفسه للمحاكمة، برلمانيا أو قضائيا، إذا تسبب قراره في موت مواطن، لأنه المسئول عن الدم الذي سال والنفس التي أزهقت.

يتحدث رئيس الوزراء عن أن هناك 700 قرار إزالة صادر لمباني في جزيرة الوراق، ولكنه لا يذكر أن هناك مائتي ألف قرار إزالة صادر في محافظة الاسكندرية وحدها، ولم ينفذ منها شيء، لأن أغلبها لباشوات و"قانونيين" كبار وداعمين مهمين للسلطة، أي سلطة، رئيس الوزراء يتجاهل أن تلك المخالفات كلها، في جميع محافظات مصر، كانت بالتراضي والتواطؤ الضمني بين السلطة وحزبها الحاكم وبين بعض المتعهدين الكبار!

اخدمونا في الانتخابات وسنغمض أعيننا عن المخالفات، تراعيني قيراط أراعيك قيراطين، لذلك كانت مواسم الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو الاستفتاءات هي أهم مواسم مخالفات البناء، الشعب فهم أن ما يحكم مصر هو السياسة وليس القانون، وأن هناك "مقايضة" للفساد السياسي بالفساد الإداري والعقاري.. أمرر لك فسادك وتزويرك للانتخابات وتمرر لي تجاوزاتي في البناء والأراضي.

لكن السلطة عندما يكون لها مصلحة في "هبرة" أو "قطعة كيك" من الأراضي المميزة التي زغللت عينها، تتذكر القانون بعد سنوات تصل إلى نصف قرن أحيانا، وتنتفخ أوداج مسئوليها دفاعا عن سيادة القانون، أين كان القانون وسيادته قبل ذلك أيها الهجاصون.

الأهالي يعرفون أن العدالة غائبة عن بلادهم، وأنهم لا يتعاملون مع سلطة تعبر عن إرادتهم، وتخضع لمؤسسات رقابية مستقلة، وأن ما يسري على الضعيف يسري على القوي وأن الفقير والغني سواء: الفلاح المصري والمستثمر الإماراتي سواء.

لذلك يرفضون أن تكون العدالة سيفا على رقابهم وحدهم، دون رقاب "الأكابر" أو أن يكون القانون مختصا بهم وحدهم دون باقي من خرجوا عليه جهارا نهارا وهم يتوسدون حتى الآن المناصب المرموقة في أجهزة رفيعة، الأهالي يعرفون أن عشرات الآلاف من الأفدنة في العاصمة نفسها، وبعض أطرافها، تمت السيطرة عليها خارج إطار القانون، وآلاف الأفدنة من أراضي الدولة المستباحة في الفيوم.

وهي محميات طبيعية، تعجز حتى الآن عن استعادتها، لأن الطرف الآخر تدعمه مؤسسات دينية حليفة للسلطة، وسجلت ذلك وثائق أعلى جهاز رقابي في البلد، فما كان من "أصحاب الهيبة" إلا أن طردوا رئيس الجهاز الرقابي، القاضي الجليل، وقرروا سجنه تأديبا له وترويعا لمن يأتي بعده، ستمائة مليار جنيه ضائعة ومنهوبة من المال العام، اعترف السيسي (ضمنيا) بأنها أكثر من ذلك في بعض خطبه، السلطة لم تتذكر هيبتها هنا، ولا حقوق الوطن هنا، والأهالي يعرفون ذلك، ويعرفون السبب.

فـ"دعائم السلطة" وحلفاءها هم أنفسهم الذين يستولون على هذه "الهبرة" الضخمة، ولكن السلطة المنتفخة غطرسة وغشومية لا تتذكر إلا "الغلابة" من أهالي جزيرة الوراق، ويعلن رئيس الجمهورية شخصيا أن أرضهم هم بالذات لها أولوية في التعامل، حسب نص كلامه،.. اشمعنى ؟!

ما جرى في جزيرة الوراق هو فصل من كتاب الظلم والتخبط السياسي والقانوني في مصر، فصل في ضياع فكرة الدولة نفسها، لأن الدولة ليست عصا الشرطة والعدالة الانتقائية، بل الدولة مؤسسات وقوانين عادلة ومنظومة للعدالة مستقلة ونافذة على "الجميع" ومنظومة رقابية قوية ومستقلة وليست مرتعشة ونظام حكم يعبر عن الشعب وإرادته ويحترم كرامة مواطنيه ويحفظ دماءهم، فهل هذا كله متوفر في مصر ؟!

* كاتب صحفي مؤسس ورئيس تحرير "المصريون".

المصدر | المصريون

  كلمات مفتاحية

مصر اجتياح جزيرة الوراق السيسي طرد الأهالي المستثمر الإماراتي ضياع فكرة الدولة