استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

القـاتـل والمقـتـول والمـفـوّض في بر مـصر

السبت 22 يوليو 2017 07:07 ص

في مثل هذه الأيام قبل أربعة أعوام، وبعد ثلاثة أسابيع من انقلابه الذي قاده في الثالث من يوليو/ تموز 2013، ألقى المشير عبد الفتاح السيسي خطاباً، طالب فيه الشعب المصري بالخروج في مظاهراتٍ تمنحه تفويضاً لمحاربة الإرهاب. واشتمل الخطاب مناشدة للشعب لـ "تحمل المسؤولية مع الجيش والشرطة في مواجهة ما يحدث في الشارع". وكان هذا الطلب غريباً من أكثر من وجه.

أولاً لأن محاربة الإرهاب لا علاقة لها بما "يحدث في الشارع"، كما أنها لا تحتاج إلى تفويض. فهي بالعكس، واجب الرجل، حتى حين كان مجرّد وزير دفاع. وقد أصبح الواجب أوجب بعد أن أعلن نفسه رئيساً لا سلطة فوقه. وهو بهذا معرّضٌ للمساءلة إذا قصّر في محاربة الإرهاب.

فكيف يطلب تفويضاً لأداء مهمته وواجبه؟ هل يطلب الطبيب تفويضاً لمعالجة المرضى، أو المعلم لإعطاء الدروس للتلاميذ، أو الشرطي لمحاربة الجريمة؟

من ناحية أخرى، فإن الرجل طالب عامة الناس بتحمّل المسؤولية معه حول "مواجهة ما يحدث في الشارع". وما كان يحدث في الشارع المصري وقتها لم يكن إرهاباً، وإنما كان مظاهراتٍ واعتصامات سلمية.  

كان واضحاً، إذن، أن هناك رسالة فهمها السيسي ومناصروه، هي أن المطلوب كان تفويضاً بالتصدّي للمعارضة السلمية بالعنف، واتخاذ أقصى إجراءات القمع ضدها باسم مكافحة الإرهاب. فهذا هو مغزى دعوة المناصرين لتحمل "المسؤولية" مع السيسي ونظامه. لأن قيام الدولة بمهامها العادية في حفظ الأمن لا يتطلب مثل هذا "التفويض"، أو المشاركة في المسؤولية، حتى لا نقول "التورّط" مع الفاعل.

وإنما تكون الدعوة إلى تحمّل المسؤولية، فيما يخرج المألوف والمشروع. وقد كانت الحاجة إلى مثل هذا التوريط واضحةً في استراتيجية المخطط الانقلابي، بدايةً من تلاوة بيان الانقلاب على الرئيس محمد مرسي يوم الثالث من يوليو/ تموز، حيث ظهر السيسي محاطاً بشخصياتٍ، مثل شيخ الأزهر وزعيم الكنيسة القبطية البابا تواضروس الثاني، وعدد من قادة الأحزاب والشخصيات العامة.

ومثل هذه الشخصيات لا تظهر، في العادة، في بيانات الانقلاب. وكان القصد توريط هؤلاء في العملية، حتى يتفرّق دم الضحايا بين القبائل والطوائف والأحزاب. 

المفارقة أن السيسي الذي حرّم كل نوع من التظاهر، دعا (بالتزامن مع الاحتفال بذكرى ثورة يوليو) إلى التظاهر وشغل الميادين. وبالفعل، استجاب كثيرون للدعوة، وخرجوا وفوّضوا. وساهمت معظم وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية (وبعضها رسمية أكثر من "الرسمية") في التجييش، كما انصاع زعماء دينيون، وعديد من "المثقفين" والسياسيين وزعماء الأحزاب (بما فيها عدة أحزاب ذات دعاوى إسلامية، بل وحتى سلفية متشدّدة) في هذه الزفّة، وفوّضوا فيمن فوض. 

وكانت النتيجة، كما هو معلوم، الفضّ العنيف للاعتصام في ميدان رابعة العدوية، وقمع المتظاهرين في كل موقع، واعتقال عشرات الآلاف من الناشطين، ومحاكمات جماعية أصدرت مئات أحكام الإعدام على ناشطين من كل التوجهات. وفي سيناء، اتّخذ النظام إجراءاتٍ كان السيسي نفسه قد حذّر، عندما كان وزيراً للدفاع، من عواقبها المدمرة على السلم الاجتماعي.

وبالفعل، تحقق ما حذّر منه السيسي، وتحولت المشكلة الإرهابية في سيناء إلى حربٍ أهلية، جعلت سيناء أشبه بدارفور. 

وهذا يقودنا إلى السؤال المحوري هنا: إلى أي حدٍّ يتحمّل من باشر "تفويض" المشير المسؤولية عن الدماء التي سفكت، والأسر التي شرّدت، والحريات التي غيبت، والاقتصاد الذي دمر؟

لا بد أن من جلسوا حول المنصّة في الثالث من يوليو، ومن لبّوا دعوة التظاهر، ومن خطبوا ونظروا وكتبوا وأفتوا، كانوا على علمٍ كافٍ بالنتائج المترتبة على مواقفهم، وليس أقلها وأد الديمقراطية عبر إغراق مصر بالدماء. وهم بهذا يتحملون كامل المسؤولية الدنيوية والأخروية عن إزهاق الأرواح وتدمير المجتمع وإرجاع مصر قروناً إلى الوراء. 

صحيحٌ أن بعضهم قد يحتجّ بأنه قد غرّر به، ومن هؤلاء نائب رئيس الجمهورية في حكومة الانقلاب، محمد البرادعي، الذي يُحمد له أنه استقال من منصبه غداة مجزرة "رابعة"، وتبرأ منها.

لكن البرادعي نفسه تمترس بالصمت بشأن ما كان يعلمه من تجاوزاتٍ سبقت الانقلاب ورافقته وتبعته، حتى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، حين أصدر بيانه الشهير.

عندها فقط، فضح البرادعي حجم التآمر الذي تم لإفشال محاولات الحل السلمي للأزمة المصرية، وحجم التضليل الذي راح ضحيته حتى قطاع واسع من أنصار الانقلاب.

هناك آخرون، مثل بعض قادة حركة 6 أبريل، تابوا وأنابوا بعد أن تحوّلوا بدورهم إلى ضحايا للوحش الذي أطعموه دماء الأبرياء، و"فوّضوه" فيمن فوّض. وهناك سؤالٌ حول صحة هذه التوبة، وهل هي توبةٌ من الإثم، أم ردّة فعل تجاه خيانة الشريك في الإثم. 

وفي حقيقة الأمر، لم يكن الأمر في حاجةٍ إلى بياناتٍ أو كشف ما خفي، لأن طلب التفويض كان واضح المعاني والدلالات والتبعات. وقد سبقت طلب التفويض، وحتى الانقلاب نفسه، جرائم بشعة ومجازر وحرق لمقار الأحزاب والمؤسسات المدنية، واعتقالات (بل وعمليات اغتيال) للصحافيين والمصورين والناشطين، وذلك كله على مسمع ومرأى من العالم كله.

وإذا كان من فوّض وأفتى ونظر غافلاً عن ذلك، ومن السذاجة بحيث لم يعلم أن هذه الممارسات هي ما طُلب التفويض له والاستزادة منه، فهو غير مؤهلٍ لأن يلعب دوراً في الساحة العامة. وإن كان يعلم ويمالئ، وهو الأرجح، فإن مسؤوليته أمام الله والأمة لا تقل عن مسؤولية القاتل المباشر. 

من هذا المنطلق، فإن موقف البرادعي في التبرؤ من الجريمة، وكشف وإدانة من قاموا بها، وتورّطوا وورّطوا، يعتبر نقطة البداية في إعادة العافية إلى الجسم السياسي المصري، ذلك أن التوبة من الجرائم المنكرة التي ارتكبت وترتكب في حق شعب مصر تستلزم الاعتراف بالمسؤولية، والتبرؤ من الجرم، والدعوة إلى مصارحةٍ كاملةٍ ومصالحة وطنية حقيقية.

ويحمد للبرادعي أنه "سحب التفويض" من القتلة ومحترفي خداع الشعب. وكان الأحرى برجال الدين، وفي مقدمتهم شيخ الأزهر، ومن التحق به ممن يسمون أنفسهم العلماء وعلماء الدين، أن يسبقوا البرادعي إلى التوبة والتطهّر من دماء الأبرياء، قبل فوات الأوان. 

ولا يُعفي من هذا ما ذكره البرادعي، عقب بيانه من تهديدات وصلت إليه من أعلى المستويات في مصر بـ"تدميره"، إذا لم يكفّ عن فضح جرائم النظام.

ولا شك أن كثيرين من تواطأوا في الجرم المشهود يتعرّضون لضغوط وابتزاز من هذا النوع.

لكن هذا أدعى إلى تعجيل التوبة، لأن مثل هذه التهديدات، إضافةً إلى الممارسات الأخرى، تكشف أننا أمام نظام إرهابي بحق وحقيقة. وأن الجرائم التي تواطأ المتواطئون بصددها أصبحت من كبائر الكبائر، ولم تعد مما يسهل التجاوز عنه. 

* عبد الوهاب الأفندي رئيس برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عبد الفتاح السيسي السلطوية العسكرية الأمنية المعارضة السلمية السلم الاجتماعي محمد البرادعي