«فتوى دليفري».. أكشاك دينية على أرصفة مترو القاهرة

الاثنين 24 يوليو 2017 08:07 ص

بمساحة 6 أمتار مربعة تقريباً حجز الأزهر الشريف مقرات له على أرصفة مترو العاصمة المصرية القاهرة، لتقديم الفتاوى الدينية، في خطوة أثارت استجابات متباينة بين الاستحسان أو الرفض والسخرية.

البداية كانت في مايو/أيار الماضي عبر بروتوكول تعاون بين مجمع البحوث الإسلامية (التابع للأزهر)، وهيئة مترو الأنفاق بمصر، لتنطلق رسائل دعوية يومية خلال شهر رمضان الماضي عبر إذاعة المترو في خطوط سيره الثلاثة بالقاهرة الكبرى (تضم محافظتي القاهرة والجيزة ومدينة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية).

وحسب التصريحات الصحفية للمسؤولين المعنيين فقد ارتأى الجانبان نجاح الفكرة، لتتطور لاحقاً منتصف يوليو/تموز الجاري إلى اتفاق يتضمن وجود مكان ثابت لأعضاء المجمع بالمحطات، يقدمون من خلاله الفتاوى للمواطنين، في تجربة هي الأولى من نوعها.

وحول أسباب الفكرة، قال أمين عام البحوث الإسلامية «محيي الدين عفيفي»، في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي، إن «الخدمة تأتي ضمن جهود المجمع لمواجهة الفتاوى المضللة، التي تحاول تيارات متطرفة ترويجها بأشكال مختلفة، وتيسيراً على المواطنين دون الحاجة إلى السفر وقطع المسافات إلى دار الفتوى (شرق القاهرة».

وتقوم «أكشاك الفتوى» كما يطلق عليها الجمهور أو «لجان الفتوى» حسب التعريف الرسمي لها، بتقديم فتاوى دينية على مدار 12 ساعة تمتد على فترتين من التاسعة صباحاً بتوقيت القاهرة (7 ت.غ.)، حتى الثامنة مساءً (18 ت.غ.).

ويتواجد في كل فترة واعظين اثنين أو ثلاثة يكونون «مؤهلين للرد على الأسئلة والفتاوى مجانا»، بحسب الإعلان الرسمي عن الفكرة التي بدأ تدشينها في محطة مترو «الشهداء» في ميدان رمسيس الحيوي وسط القاهرة، مع تجهيز لتعميمها تدريجياً في المحطات البالغ عددها إجمالاً في الوقت الحالي 64 محطة.

وأشار الشيخ «يوسف محمد»، وهو واعظ عام بمجمع البحوث الإسلامية بـ«لجنة الفتوى»، في تصريحات صحافية عقب بدء تطبيق الفكرة الأسبوع الماضي إلى أن «الإقبال على لجان الفتوى كبير جداً جماهيرياً حيث يستقبلون في الفترة الواحدة أكثر من 40 طلب فتوى».

وبمجرد تدشين الفكرة رسمياً، تباينت ردود الأفعال حيالها.

أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب «عمرو حمروش» رحب من جانبه بالفكرة، واعتبرها «متأخرة».

عبثية وسطحية

وقال في تصريحات صحافية مؤخراً، إنه يتمنى «تعميمها في كافة محطات المواصلات حتى الطائرات؛ لنشر سماحة الإسلام والفكر الوسطي، والبعد عن التشدد والتطرف».

بينما استنكر النائب البرلماني «محمد أبو حامد»، فكرة إنشاء «أكشاك للفتاوى» بمحطات المترو، واعتبرها «عبثية وسطحية».

وعبر صفحته بموقع «فيسبوك»، اتهم النائب البرلماني، الأزهر بـ«عدم فهم حقيقة تطوير الخطاب الديني»، وأنه مؤسسة «تعاني انفصالاً عن واقع المجتمع، وتتعارض حتماً مع ما أكده الدستور من أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة».

وهو ما اتفق معه جورج إسحق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه حكومي)، مهاجماً «بشدة» الفكرة، واعتبرها «مخالفة للدولة المدنية».

وقدم إسحق تساؤلاً للقائمين على الفكرة، قائلاً «هل نحن في دولة مدنية أم دينية».

واستنكر فكرة استحداث مركز للفتوى بالمترو، مضيفاً «مرفق المترو مرفق عام، هذا مكان محايد لا يقال فيه سياسة ولا دين (..) نحن نعود للخلف بطريقة سريعة».

وفي السياق ذاته قال «مجدي حمدان»، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (ليبرالي)، إن «الفكرة محاولة لتقزيم دور الأزهر في الصراع القائم ما بين وزير الأوقاف (مختار جمعة)، وشيخ الأزهر (أحمد الطيب)».

وخلال الربع الأول من العام الجاري، شهدت دوائر دينية رسمية في مصر، توترات غير معلنة، على خلفية توتر علاقة شيخ الأزهر بالرئاسة في ظل مطالبات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني، والهجوم على مناهج الأزهر، وتحركات لوزارة الأوقاف مخالفة لتوجهات الأزهر، ووصم علماء ومستشاري المشيخة بأنهم «ينتمون لجماعة الإخوان وظلاميون».

وتابع حمدان حديثه متسائلاً «ما معنى أن يجلس شيوخ ليدلوا بفتوى بينما لدينا دار للإفتاء، ومساجد منتشرة في كل حي ومدينة (..) وهو ما يسحب الكثير من ثوابت الدين ويحرك الشعب لأفكار جديدة وفتاوى ربما يكون إحداها على خطأ».

وذهب حمدان إلى أبعد من ذلك، مضيفاً تساؤلاً آخر «ماذا لو طلبت الكنيسة وجود كرسي لقس بجوار كل شيخ لتقديم الفتوى للمسيحيين (..) أعتقد أن الأمر سيصنع حالة من الصدام والخلاف والتناحر».

واعتبر أن فكرة استحداث مقر للفتوى بمحطات المترو «إلهاء للشعب، حتى يتناسى السياسات الخاطئة والفشل في إدارة ملفات كثيرة، على رأسها الملف الاقتصادي»، بحسب قوله.

واتفق خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية (حركة إسلامية معارضة)، قليلاً مع الطرح السابق.

وأوضح أن «أكشاك الفتوى استمرار في خط ثابت للنظام الحالي، والذي يعمل على تفريغ المحتوى الديني للمجتمع المصري، وذلك بتقديم صورة الشيخ الأزهري المهزوزة».

وأضاف سعيد «أضع صورة هذه الأكشاك، بجوار مطالبة جهات محسوبة على النظام، بمنع الاتحاق بجامعة الأزهر لمدة 15 عاماً، وبعدها يمنع الطلبة الراغبون في دراسة العلوم الشرعية من الالتحاق بالكليات التي تدرسها إلا بشروط مشددة، وإلغاء جامعة الأزهر العلمية، وتحويلها لجامعة الإمام محمد عبده».

وسبق أن قدم البرلماني محمد أبو حامد، طلباً برلمانياً لرئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال بما أشار إليه سعيد، غير أن طلبه قوبل بالرفض وقتها.

مصطفى خالد، طالب جامعي (21 عاماً)، يرتاد يومياً مترو الأنفاق، هاجم فكرة استحداث مقر للفتوي، واعتبرها تأتي في إطار “فشل المؤسسة الدينية في مصر”.

وقال من داخل محطة مترو “الشهداء”: “الشارع المصري ليس في حاجة حالياً إلى فتاوى دينية، لكنه بحاجة إلى الغذاء والدواء الذي لا يجده أغلب المصريين”.

وفي مقابل ذلك، رحب كريم محمد “أحد مرتادي المترو/ عامل (48 عاماً)” بالفكرة، وقال: “دائماً ما نشكك (المصريين) في الخطوات التي تتخذها الحكومة”، مطالباً بالانتظار لحصاد تقديم تلك الفتاوى على المستويين الديني والخاص بالسلم الاجتماعي، بحسب تعبيره.

وبالتوازي مع ذلك، شهد موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» هجوماً وسخرية كبيرين من فكرة استحداث «لجان الفتوى» بمحطات المترو.

ودشن مغردون هاشتاغ (وسم) #كشك_الفتوى تصدر قراءات الموقع لعدة ساعات خلال أواخر الأسبوع الماضي.

حساب باسم «وفاء صبري» تساءل بسخرية: «سؤال لكشك الفتوى: هل يجوز النزول في محطه مارجرجس (إحدى محطات المترو التي تحمل مسمى رمز مسيحي وتضم كنيسة تاريخية) وما هي الكفارة».

وغرد الكاتب الصحافي خالد منتصر ذو التوجه العلماني: «سؤال شرعي ماذا لو اختلفت فتوى كشك عن كشك آخر في محطات المترو. أي كشك اتبع».

وسخر الحقوقي اليساري جمال عيد من الفكرة، مغرداً: «الهند تطلق أول قطار بالعالم بالطاقة الشمسية، ومصر تطلق أول كشك للفتوى بمحطات المترو».

وتعد الفتوى محل اهتمام للمسلمين بمصر، حيث أعلنت دار الإفتاء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبر بيان، أنها أصدرت خلال العام 2016 أكثر من سبعمائة وعشرين ألف فتوى، شملت كل ما يهم المسلم من أمور في مناحي حياته المختلفة.

كما تنتشر على المحطات التلفزيونية المصرية، العديد من البرامج المختصة بإصدار الفتاوى، بخلاف حلقات الدروس المعتمدة بالمساجد.

وتنظر تيارات معارضة للنظام الحالي بريبة لدعوات تجديد الخطاب الديني بمصر وتعتبرها محاولة للتغطية على استهداف المعارضين خاصة المنتمين للتيار الإسلامي، وتستهدف وصم المعارضة بـ«الإرهاب والتطرف»، خاصة منذ الإطاحة بالرئيس الشرعي محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، والذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في 3 يوليو/ تموز 2013.

  كلمات مفتاحية

الفتوى مصر الأزهر