قلت له: إني التقيت بفلان فكان غاية في الخشونة والجلافة!
قال لي: إذا تعرّفت إليه من قرب ستجده في منتهى اللطف.
. . . . . .
ربما واجهتم يوماً مثل هذا التوضيح الاعتذاري من صديقٍ مشترك مع شخص آخر لا تعرفه.
هل تقبّلتم (التوضيح)، وأبديتم الاستعداد لإجراء محاولة (الاقتراب) مرة أخرى؟!
قلّة من الناس لديها أريحية عالية و (طول بال) طويل، يكفيها لتكرار المحاولة مرة أخرى، وربما لأكثر من مرة.
بقية الناس سيسيطر عليها الانطباع الأول من اللقاء الأول ولن تعاود المحاولة، لماذا؟
لأننا نعتقد أن الحكم الحقيقي على أخلاق الناس، والأكثر صدقاً ودقّةً هو (غالباً) ذلك الذي يظهر في المواقف العفوية، المجرّدة من ترتيبات مسبقة أو علاقات متضافرة.
الاختبار الحقيقي لحُسن أخلاقك هو في تعاملك مع من لا تعرف، لا مع من تعرف.
وفِي الحديث النبوي الشريف ملمحٌ إلى هذه المسألة المعيارية في التعامل مع المعروف والمجهول، فقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أوصى رجلاً بقوله: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».
الغاية من الوصية النبوية هي توطين النفس البشرية على أن يكون الأصل في تعاملها مع الناس هو السلام الذي يشيع الطمأنينة وينزع الخوف والقلق اللذين قد يداهمان الإنسان من مثيله لأول وهلة، فيكون السلام هو اللقاح الأسرع لمكافحة القلق، وإن لم يكن لقاحاً طويل المفعول دوماً!
بالطبع، ستكون خلوقاً معي ولطيفاً بما فيه الكفاية إذا أصبحتَ صديقي، أو إذا التقيتك بتوصية من صديقك فلان، أو إذا انعقد لقاؤنا على ترتيبات مصلحة مشتركة. لكنّ هذا الأخلاقية التي أبديتها معي في التعامل تحت تلك الاشتراطات ليست هي الصورة الحقيقية لعفويتك التي كانت خشنة أو استعلائية أو شحيحة في الأدب واللطف.
أخلاقك (الخام) هي التي رأيتُها عندما فتحت (صندوق) التعرّف إليك لأول مرة!
كن مؤدباً مع من تعرف ومن لا تعرف،
كن منصفاً مع من تحب ومن لا تحب،
كن لطيفاً مع من ترجوه ومن لا ترجوه،
كن منضبطاً مع من تخشاه ومن لا تخشاه،
كن مع الناس كما تريدهم أن يكونوا معك.
* د. زياد الدريس كاتب سعودي وسفير سابق لدى منظمة "اليونسكو"