استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أولويات الأمة بين الحروب الداخلية وتحرير فلسطين

الاثنين 31 يوليو 2017 04:07 ص

شهدت مدينة القدس الاسبوع الماضي توترا جديدا انتهى بانتصار ارادة الفلسطينيين. بدأت المشكلة عندما اراد الاسرائيليون احكام السيطرة على المسجد الاقصى بنصب بوابات الكترونية، الامر الذي رفضه الفلسطينيون. وحسنا فعلت القيادات الدينية عندما قررت الامتناع عن دخول المسجد عبر تلك البوابات، فامتثل الناس بذلك المنع واستبدل الحضور باحتجاجات اوصلت الصوت إلى العالم.

كان المسلمون في اقطاب الارض يعيشون حالة من الخدر وغياب الوعي، خصوصا تجاه القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لارض المعراج. 

كان عويل النساء اللاتي فقدن العشرات من ابنائهن في المواجهات مع قوات الاحتلال كفيلا بايصال صوت الظلامة إلى خارج حدود فلسطين، الامر الذي كان سيقلب الطاولة على رؤوس الحكام الذين ما برحوا يعملون لتغييب قضية فلسطين عن الوجدان العربي والاسلامي، واستبدالها بتطبيع مع الاحتلال. هذا التطبيع ليس ناجما عن ضعف حقيقي في الامة، بل عن تضعيف لها وتوهين لارادتها تواصل عقودا.

صرخة الاقصى هذه المرة كانت ناقوسا مؤثرا، اذهل الصهاينة وداعميهم والمطبعين معهم. وفي السابق لم تكن قوات الاحتلال مستعدة للتنازل عن سياسات فرض الامر الواقع بالقوة وان اقتضى ذلك عدوانا آخر على اهل فلسطين. ولكن هذه المرة بلغ الاحتقان في النفوس مبلغا غير مسبوق، ليس في نفوس الفلسطينيين فحسب، لدى عموم العرب والمسلمين. من اسباب هذا الاحتقان سياسات قوى الثورة المضادة التي مزقت الامة وقتلت تطلعات الشعوب وسعت لفرض امر واقع جديد عليهم يتميز باستبداد أشد وقمع اعمق وتجهيل غير مسبوق.

لم يقتصر ما شهدته شعوبنا في السنوات الست الماضية على القمع الجسدي، حيث اكتظت السجون بعشرات الآلاف من الابرياء في مصر والبحرين والسعودية و»اسرائيل» بل بلغ العدوان مدى اوسع بفرض ايديولوجيات وقناعات دينية وسياسية غير مسبوقة.

الامر المؤسف ان تلك القوى نجحت في تمرير مشروعها على قطاعات واسعة من الامة والعلماء والمثقفين والكتاب، فاعتقدت انها استطاعت اختراق المناعة الفطرية لدى الامة، واعادة توجيهها لاهداف مختلفة تماما عن مضامين رسالتها.

بدأ التفكير بالمشروع والتخطيط له بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر الارهابية، التي كسرت العديد مما كان يعتبر من الثوابت لدى تلك القوى. فكيف تستطيع مجموعة ارهابية محدودة الامكانات احداث ذلك التدمير البشري والمادي الهائل؟ تأسس المشروع على ثلاثة اهداف:

- أولها ضرب المجموعات الارهابية عسكريا وامنيا بلا هوادة، ودك متاريسها في جبال تورا بورا بافغانستان وفي كافة البلدان التي تمدد لها،

- ثانيها: اختراق تنظيم «القاعدة» واعادة توجيهه (فكريا وعقيديا وايديولوجيا) بعيدا عن اهدافه الاساسية المتمثلة اساسا باستهداف الغرب خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية،

- ثالثها: توسيع مفهوم الارهاب ليتجاوز حاملي السلاح وليشمل من يتصدى لقوى الثورة المضادة فكرا وممارسة.

يمكن القول ان العالم لم يشهد هندسة فكرية واستراتيجية كهذه. فقد ضرب تنظيم القاعدة الارهابي واستهدفت رموزه في كافة البلدان، واختطف افراده من اكثر من ثلاثين بلدا ضمن سجون وطلعات جوية سرية، ومورس التعذيب باقرار رسمي أمريكي مع افراده لانتزاع «الاعترافات» والمعلومات. وكان اهم تجليات تلك الممارسة اسلوب الايهام بالغرق.

أما على الصعيد العقيدي فقد طرحت قوى الثورة المضادة مبدأ استغفل الكثيرين وتم العمل بمقتضاه طوال عقد ونصف، مفاده ان «الشيعة اخطر من اليهود».

تلك المقولة اسست لاعادة توجيه بوصلة الاهتمام العربي والاسلامي بعيدا عن مبادئ الحرية والاستقلال ونبذ الهيمنة الاجنبية على بلدان العالم الاسلامي والوحدة الاسلامية وتحرير فلسطين، وتم اشغال الامة بحرب مذهبية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر. ووفقا لتلك الايديولوجيا تم تدمير التراث الاسلامي وأهدرت دماء المسلمين، ليس الشيعة منهم فحسب، بل في اغلب البلدان، من سوريا والعراق إلى اليمن وليبيا ونيجيريا ومصر وباكستان وافغانستان وغيرها.

واشعلت نيران الفتن في كل مكان، فاصبح القتل على الهوية ممارسة يومية لم تتوقف حتى هذه اللحظة. ان امة تنشغل بحروب داخلية وتصفيات دموية على اسس الانتماء للدين او المذهب او العرق، لا يمكن ان تواجه التحديات الخارجية او تنهض باعباء مشروع حضاري منوط بها.

اما الارهاب فقد تعمدت قوى الثورة المضادة منع التوافق الدولي لتحديد مفهوم واضح له. وبينما يفهمه غالبية البشر انه استخدام العنف غير المبرر ضد الابرياء بدون تمييز، فان تلك القوى وسعت مفهومه. فاصبح من يعارض سياساتها متهما بالارهاب. هناك الآلاف من العرب يحاكمون بتهم الارهاب لأنهم شاركوا في ثورات الربيع العربي بشكل سلمي، خصوصا في مصر والسعودية والبحرين.

يساق الشباب بالمئات امام المحاكم بتلك التهم وتصدر بحقهم احكام الاعدام الجماعية او السجن المؤبد، ليس لأنهم قتلوا احدا او استخدموا السلاح بل لأنهم رفعوا اصواتهم مطالبين بالحرية والتحول الديمقراطي. وبعد ان بدا لها انها سيطرت على الوضع العربي تماما، وكممت افواه النشطاء والثوريين، عمدت لاستهداف من يرفض الانسياق وراء مشاريعها.

ما هي أولويات الامة؟ وهل يجوز اقحامها في هذه الفوضى السياسية التي تساهم قوى الثورة المضادة في بثها هربا من استحقاقات التغيير؟

من الناحية النظرية والدينية فان اولى مهمة الامة اقامة العدل الذي جاءت الاديان جميعا من اجله، وهذا لا يتحقق الا بامتلاك الارادة والتمتع بحرية اداء الدور، واحترام الانسان كخليفة لله على الارض، وصون كرامته. ومن الناحية العملية فان الشعوب العربية تبحث عن الحرية واستقلال القرار والشراكة السياسية والتنمية البشرية والاقتصادية، وتسعى للخروج من هذه الحقبة السوداء التي تميزت بالاستبداد والديكتاتورية.

لكنها ما ان تحركت لتحقيق ذلك في 2011 حتى تصدت لها قوى الثورة المضادة بابشع اساليب القمع والتصفية، فانتهت الثورات إلى فوضى غير مسبوقة ادت إلى تدمير البلدان وتعميق النزعة لتفتيتها، ومهدت الوضع لتغلغل الغرب في الشؤون المحلية للدول العربية. وفرض على الشعوب تغيير قناعاتها، فاصبحت أمريكا الداعمة بلا حدود للكيان الاسرائيلي، لاعبا اساسيا يخطب وده الكثيرون، ومن بينهم من كانوا محسوبين على الخط الثوري في هذه البلدان. 

هذا التغير في التصور ليس من اولويات الامة ولا يخدم مصالحها. اما الاختلافات المذهبية فهي قديمة بقدم دين الاسلام، وقد تعايش المسلمون، بمذاهبهم العديدة، ضمن اطار الامة الواحدة، كما هم الافراد الذين يعيشون ضمن عائلة واحدة. فالتعدد المذهبي والفكري ليس مشكلة في اساسه، ولكن قوى الثورة المضادة حولته إلى قضية ومشكلة لامور عديدة: اولها اشغال الجمهور العربي الواسع عن قضايا التغيير والاصلاح السياسي، والحيلولة دون اية محاولة للعودة إلى خيار الثورة.

ولأن الكيان الاسرائيلي ساهم في قمع الثورات والتخطيط لحرف اولويات الامة حتى ادخلها في متاهات التصدع الديني والمذهبي، فقد اصبح على تحالف قوى الثورة ان تقبل بمبدأ التعايش مع الاحتلال والاعتراف بالكيان الاسرائيلي، وان اقتضى ذلك التصادم مع قوى المقاومة الرافضة للاحتلال. انتفاضة القدس هذه المرة ارعبت تحالف قوى الثورة المضادة.

فأدركت أن بامكانها تخدير الشعوب او حرف مسارها او تضليلها حقبة من الزمن، ولكن الفطرة الالهية التي فطر الناس عليها سرعان ما تفرض نفسها على البشر وتعيدهم إلى مساراتهم الطبيعية. وربما من اهم النتائج المتوقعة لتلك الانتفاضة استعادة الامة قوامها وقدراتها وعودتها لطريق التحرر من الاستبداد وتحرير الارض من الاحتلال، والعمل لتعميق الانسجام، والتوافق على ان الاحتلال هو جوهر ازمة المنطقة، وان الاستبداد هو الوجه الآخر لهذه الأزمة.

وحين ينطلق نداء البعض من داخل الجزيرة العربية «لن ننصر الاقصى» فان ذلك خط مفاصلة بين قوى التحرر وتحالف قوى الثورة المضادة، هذه المرة فان دروس الحقبة الماضية ستفرض نفسها على جماهير العرب والمسلمين لتوقظهم وتملأهم ايمانا وثقة بالنفس والهدف، وتدفعهم للقيام بدور معتبر في مشروع الحرية وفتح طريق التحرير.

فلسطين وحدت الامة طوال عقود سبعة، فلا يجوز التفريط بتلك الوحدة بالاستماع لهرطقات قوى الثورة المضادة التي تصدت للجماهير الثائرة ومزقت وحدتها ثم فتحت السجون والاقبية للتنكيل بالاحرار وطلاب الحرية. والامل ان تؤدي تجربة صرخة القدس لمستقبل افضل في منطقة الشام، يوفر الحرية للشعوب ويؤسس لاستقلال فلسطين، ويحول دون التطبيع مع الاحتلال.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

  كلمات مفتاحية

أولويات الأمة الحروب الداخلية تحرير فلسطين مدينة القدس المسجد الأقصى انتصار ارادة الفلسطينيين نصب بوابات الكترونية القضية الفلسطينية الاحتلال الاسرائيلي قضية فلسطين الوجدان العربي والاسلامي التطبيع مع العدو المطبعون المتأسرلون الاحتلال