دراسة: تصنيف الوظائف على أساس الجنس يضر بالجميع

الجمعة 4 أغسطس 2017 08:08 ص

كشفت دراسة حديثة، أُجريت على مسؤولين عن منح قروض متناهية الصغر في أمريكا الوسطى، النقاب عن طريقة تأثير نظرة المقترضين إلى طبيعة الوظيفة للشخص المُطالب بها، وما إذا كان من الأفضل أن تُسند إلى رجل أو إلى امرأة، على طريقة تعاملهم مع من يشغلونها.

وتزخر الموضوعات الصحفية والأبحاث العلمية بأمثلة على التأثير السلبي الذي يلحق بالنساء اللواتي يتولين مواقع وظيفية قيادية، بفعل الصور النمطية السائدة التي تربط الرجال أو النساء بالعمل في وظائف بعينها.

وفي هذا الإطار، تزيد فرص استهانة المرؤوسين بمديرهم إذا كانوا من النساء. فعندما يتولى رجل موقعًا وظيفيًا يعطيه حق إصدار توجيهات لمرؤوسيه، غالبًا ما يفترض المحيطون به أنه حازم وكفء. ولكن إذا شغلت امرأة الموقع ذاته، فإنها تلقى نفورًا في أغلب الأحوال، وتُوصف بأنها متسلطة.

و تطرح الدراسة الجديدة رؤية جديدة بشكل ما، على صعيد هذا التصور السائد. فربط الوظائف بجنس بعينه لا يضر النساء فحسب، بل يمكن أن يلحق ضررًا بالرجال أيضًا.

ويعود السبب في ذلك إلى أننا لا الناس لا تقوم بتكوين صور نمطية عن الرجال والنساء فقط، بل وتبلور مثل هذه الصور عن الوظائف نفسها.

 

رجال الإطفاء والممرضات

وهناك الكثير من الوظائف التي تشهد بالفعل ذلك التقسيم المبني على صور نمطية تربط أعمالًا بعينها بجنس محدد. فمن المُعتقد أن مكافحة الحرائق على سبيل المثال، هو عمل للرجال فقط، بينما يُنظر إلى التمريض بوصفه مجال للنساء فقط.

وقد أظهرت دراسات سابقة، الفاعلية الكبيرة لهذه الصور النمطية، التي تُشكِل توقعاتنا بشأن ما إذا كان من الأنسب لوظيفة ما أن يشغلها رجل أو امرأة.

وتعود هذه الفاعلية إلى أن تلك الصور يمكن أن تدفعنا لاتخاذ موقف متحيز بشأن مجموعة كبيرة من الأمور المتعلقة بالتوظيف. فتلك القوالب النمطية تؤثر على مدى حماسة أبناء هذا الجنس أو ذاك للتقدم للوظيفة، وما إذا كان سيتم توظيف رجل أو امرأة فيها.

كما تؤثر على الأجر الذي سيمنحه أرباب العمل لشاغلها، وما إذا كان سيختلف بحسب جنس الموظف، بل ويمتد هذا التأثير إلى التقييم الذي يُمنح لأداء شاغل وظيفة معينة، وهو ما يترتب عليه تحديد فرص ترقيه.

 

فرض السلطة والسيطرة

وأجرت «بي بي سي كابيتال» دراسة على وظيفة لا يوجد لها ارتباطٌ واضح بأيٍ من الجنسين؛ وهي المتعلقة بالمسؤولية عن منح تمويل متناهي الصغر في أمريكا الوسطى.

فهذه المنطقة حديثة العهد بتلك الوظيفة. كما أن طبيعة هذا العمل نفسه لا تجعله أقرب إلى الرجال أو إلى النساء. فبخلاف ما يحدث مع وظائف مثل إطفاء الحرائق أو التمريض، وهي تلك الأعمال المرتبطة بقوة، بصورٍ نمطية تجعلها تميل إلى هذا الجنس أو ذاك، يتقاسم الرجال والنساء بشكلٍ متساو تقريبًا المواقع الوظيفية الخاصة بالمسؤولية عن الإقراض في المصرف المتخصص في منح القروض متناهية الصغر، الذي شملته الدراسة.

فطابع هذا الموقع الوظيفي يجعل مسألة ترجيح كونه سيُشغل من جانب رجل أو امرأة أمرًا غامضًا. فمن جهة، يرتبط التمويل متناهي الصغر بالقطاع المالي الذي يهيمن عليه الرجال تقليديًا.

ولكن ذاك النوع من التمويل ينطوي في الوقت نفسه على إرث حافل بأنشطة الرعاية الاجتماعية والتخفيف من وطأة الفقر، وهي أعمال مرتبطة بصورة نمطية بالمرأة.

بالإضافة إلى ذلك، ففي النطاق الذي أجرينا فيه هذه الدراسة وهو منطقة أمريكا الوسطى، تبين أن تلك الوظيفة ظهرت منذ أقل من 10 سنوات، وهو ما يقلل من فرص أن يكون المتعاملون مع شاغليها قد كونوا أفكارًا مسبقة، بشأن ما إذا كانت وظيفةً تليق أكثر برجل أم بامرأة.

علاوة على ذلك، فقد كان المسؤولون عن منح القروض متناهية الصغر في المصرف الذي شملته الدراسة يتبدلون بين عميل وآخر على فترات قصيرة. كأن يُناط بمدير رجل التعامل مع مقترضٍ ما في بداية تعامله مع المصرف، ثم تُنقل هذه المسؤولية فيما بعد إلى مديرة.

وقد سمحت هذه التبديلات - التي جرت بشكل عشوائي في الظاهر - بملاحظة كيف يتغير نمط سداد المقترض لما هو مستحقٌ عليه من أموال باختلاف جنس المسؤول عن الإقراض الذي يتعامل معه.

وبفضل عملية التبديل هذه، أُتيحت الفرصة لدراسة كيف تتفاوت معدلات سداد المقترضين بفعل اختلاف عامل واحد فحسب، ألا وهو جنس المسؤول الذي يتعاملون معه في المصرف.

وبحسب معدلات عدم سداد الدفعات المستحقة من القروض في مواعيدها، باعتبارها أداةً لقياس السلطة التي يعترف المقترضون بأن المسؤولين عن ملفات إقراضهم يحظون بها. فسداد الدفعات في مواعيدها يشكل مؤشرًا على أن المقترض يعتبر المسؤول عن الإقراض شخصًا يجب إتباع توجيهاته ويتمتع بسلطة ونفوذ قانونيين.

في المقابل، يشير عدم الالتزام بمواعيد السداد إلى شعور المقترض بأن بوسعه التراخي بشكل أكبر في الوفاء بمسؤولياته والتزاماته حيال المدير الممثل للمصرف الذي اقترض منه المال.

فعدم سداد المقترض الدفعات المالية في مواعيدها يوحي بأن المسؤول عن الإقراض يفتقر إلى القدرة على ضمان امتثاله للوفاء بالتزاماته، وعدم تحليه بالتالي بالسلطة الواجب توافرها في من هو في منصبه.

وكشفت الدراسة عن أن العميل لم يحتج سوى للتواصل مرة واحدة فقط مع شاغل وظيفة المسؤول عن الإقراض، لكي يبلور تصورًا حول ما إذا كان من الأفضل أن تُسند هذه الوظيفة لرجل أو إلى امرأة، بل ولأن يبدأ في التعامل بعد ذلك مع الشاغل الفعلي للوظيفة بحسب الصورة النمطية التي كوّنها عنها.

ويعني ذلك أنه إذا اعتبر العملاء هذا الموقع الوظيفي ملائمًا أكثر للنساء، فإنهم لن يقروا سوى بقدرٍ محدود من السلطة لشاغله. ومن هذا المنطلق، تم التوصل إلى أن المقترضين الذين بدأت علاقتهم مع المصرف من خلال التعامل مع مسؤولة عن الإقراض وليس مسؤولًا، كانوا أكثر ميلًا إلى عدم الالتزام بشكل أكبر بمواعيد سداد المدفوعات المستحقة عليهم، مقارنةً بمن بدأوا مشوارهم بالتعامل مع مسؤول لا مسؤولة.

وتبين أن هذا النمط من التأخر في السداد استمر حتى وإن تولى التعامل معهم بعد ذلك مسؤول رجل. وأظهرت النتائج أن هذا التأثير ظل قائمًا حتى عندما وضعنا في الاعتبار عوامل أخرى قد تؤثر على المدفوعات، مثل حجم الدخل وقيمة القرض.

وبطبيعة الحال كانت المشكلات التي واجهت المسؤولين الذكور عن الإقراض ممن افترض عملاؤهم أن هذه الوظيفة تلائم النساء لا الرجال، أكبر من تلك التي عانى منها نظراؤهم الذين رأى المقترضون المتعاملون معهم، أن ذاك الموقع الوظيفي ذكوري الطابع.

فقد أشارت الدراسة إلى أن المسؤولين الرجال الذين تسلموا ملفات مقترضين كانوا قد بدأوا التعامل مع المصرف من خلال مسؤولين ذكور أيضًا، حظوا بقدرٍ كبير للغاية من الالتزام والامتثال من جانب هؤلاء العملاء.

أما المسؤولون الذكور الذين انتقلت إليهم ملفات عملاء بدأوا مشوار الاقتراض عبر مديرة لا مدير، فقد وجدوا هؤلاء العملاء أقل إقرارًا بسلطتهم بكثير. فهؤلاء المقترضون كانوا سيصبحون أكثر انصياعًا للأوامر، إذا ما بدأوا رحلة التعامل مع المصرف من خلال مسؤول رجل وليس امرأة.

 

التحيز يضر الجميع

لاشك في أن ارتباط وظيفةٍ ما بصورة نمطية بعينها تربطها بأيٍ من الجنسين، يؤثر على مدى تقدير الناس للسلطة التي يُفترض أن يحظى بها شاغلها، وذلك تبعًا لانتمائه أو عدم انتمائه للجنس الذي يرى المرء أنه أحق بشغل هذا الموقع الوظيفي.

ومن هذا المنظور، يعاني الرجال من التحيز إذا ما عملوا في وظيفة يربطها الآخرون بالنساء بشكل أكبر.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أنه بمقدور الرجل أن يحظى بقدر كبير وملموس من السلطة على مرؤوسيه أو المتعاملين معه، إذا شغل وظيفة إدارية يربطها الناس بالرجال، أو يتبنون صورةً نمطيةً مفادها أنه يجدر إسنادها إلى ذكور.

أما إذا كان المرء يشغل وظيفةً إداريةً أخرى لا تختلف كثيراً عن السابق ذكرها، إلا في كونها تبدو ملائمةً للنساء بشكل أكبر، فإنه سيعاني في هذه الحالة من تصنيفه على أنه غير مؤهل بشكل كافٍ لأن يكون صاحب سلطة ونفوذ بحكم موقعه الوظيفي.

وبعبارة أخرى، تشير الدراسة إلى أن ربط وظائف ما بالمرأة فقط، والتحيز المجتمعي الذي يجعل للنساء سلطةً أقل في مواقعهن الوظيفية مقارنةً بالرجال، يضران بالجنسين على حدٍ سواء.

وتختتم «بي بي سي كابيتال» بالإشارة إلى أنه: «من الوجهة المثالية، نرغب كلنا في العيش في عالمٍ يؤدي كلٌ منّا فيه الوظائف التي تناسب قدراته ومهاراته على الوجه الأمثل. وينال فيه شاغل أي وظيفة ذات صلاحيات وسلطات معينة القدر ذاته من الاحترام من قبل مرؤوسيه والمتعاملين معه، بغض النظر عن جنسه».

مشيرة إلى أنه «إذا كان بوسعنا توفير الدعم للرجال والنساء الذين يشغلون وظائف يُنظر إليها على أنها تُسند عادةً للجنس الآخر، ربما سيؤدي ذلك إلى أن نصبح أقل ميلًا إلى التقليل من قيمة بعض من شاغلي المواقع الوظيفية بناءً على صورٍ نمطية عشوائية وعفا عليها الزمن، تربط بعض الوظائف بجنسٍ بعينه دون الآخر».

 

  كلمات مفتاحية

المرأة الرجل العمل وظائف توظيف تمييز تمييز جنسي وظيفة للرجال وظيفة للنساء مساواة