«أيام المجد»: سينما فرنسية ـ جزائرية تدعو للتسامح ولا تنسى الجراح!

الاثنين 7 أغسطس 2017 02:08 ص

نكأ فيلم «دونكيرك 2017» للمخرج البريطاني «كريستوفر نولان» الجراح التي كانت منسية، ورغم افتقاده إلى الدقة التاريخية؛ (على النحو الذي فصلناه من قبل)، إلا أن التركيز على وقائع بعينها أضر بالفيلم، رغم تربعه على شباك التذاكر العالمي، ومؤخرًا ثارت اتهامات غير التلاعب بالحقائق ومخالفة تاريخ الحرب العالمية الثانية؛ مما جعل الكاتب البريطاني «روبرت فيسك» في «الإندبندبنت» يستدعي مؤخرًا، وقائع فيلم الظهيرة تحديدًا «Days of Glory» «أيام المجد» أو «السكان الأصليون» في تسمية أخرى للفيلم.

فيلم الظهيرة أخرجه المخرج الفرنسي من أصول جزائرية «رشيد بوشارب» في عام 2006م؛ لينال جائزة مهرجان «كان» غير الرسمية؛ ويشير بوضوح إلى مخرج مثير للجدل يعرف الموازنة مع تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، فيدعو للتسامح معه، ولا ينسى جراحه، عبر سلسلة من الأفلام سنتوقف أمام بعضها في مقبل الأيام؛ ومثل فيلم الظهيرة حلقة وسطى في منظومة أفلام المخرج المولود في فرنسا عام 1953م لأسرة جزائرية مهاجرة؛ وهناك كون شركة للإنتاج السينمائي وأبدع، ما سمحت له الفرصة في تصوير آلام الجزائريين تحت لهيب الاحتلال الفرنسي.

أبرز ما حققه فيلم الظهيرة هو أنه أبكى الرئيس الفرنسي «جاك شيراك» وحرمه؛ وأمر بعد مشاهدته بزيادة الواتب التقاعدية للجنود الأفارقة المُشاركين في الحرب العالمية الثانية؛ وتكريم من بقي منهم على قيد الحياة.

«دونكيرك» والسكان الأصليون

الناقد البريطاني «فيسك» أمضى قرابة 40 عامًا من عمره في دراسة أحوال الشرق الأوسط ومنذ أيام تعرض لبطولات المسلمين والأفارقة في القتال إلى جانب «الحلفاء» بخاصة بعد استيلاء الجيش الألماني على فرنسا في عام 1943م، وسعي قوات «الحلفاء» لتحريرها.

وفي حين تغافل فيلم «دونكيرك» عن أي دور للهنود والأفريقيين بخاصة المسلمين في الحرب على ألمانيا استعان «بوشارب» بكاتب فرنسي ليكتب له فيلم الظهيرة منتصرًا للأفارقة والمسلمين ما أمكنه، فما تزال السينما المشتركة العالمية تخضع لقواعد البلد الأقوى؛ أو (فرنسا) في فيلم الظهيرة، وربما نتعرض مستقبلًا لفيلم «الخارجون على القانون» لنفس المخرج وعدد من فريق العمل؛ وكيف أثار حفيظة اليمين الفرنسي المتطرف لما فهم أن «بوشارب» تعدى حدوده بتصوير بعض من التاريخ ادموي لفرنسا في الجزائر التي يحمل «بوشارب» جزءًا كبيرًا من تكوينه وينتمي به إليها!

ويبقى أن اسميّ الفيلم يساويان السخرية من الحقائق التي أظهرتها الحرب العالمية الثانية.

ملحمة حربية سينمائية

سقطت فرنسا إذًا في القبضة النازية، مع بداية الفيلم، وعوضًا عن أن يسعى الأعيان المحليون في المغرب والجزائر إلى حشد الشباب للحرب على فرنسا التي أذاقت البلاد الويلات، أو حتى أخذ مجرد موقف مضاد منها،  يُظهر الفيلم أحد الأعيان يدعو الشباب البربري للقتال إلى جوار فرنسا ضد الألمان الكفرة.

وفي معسكر التدريب على القتال يلتقي 4 شباب مغاربي:

1ـ «سعيد أوتماري» (الممثل جمال دبوز): المُعوق اليد اليمنى؛ الجاهل، الذي لا يستطيع تقديم شيء ليخدم أمه به؛ ويعتمد فيما بعد على خدمة رئيسه والتزلف إليه، ليسميه زملاؤوه «عائشة» (!)، ولكنه مع تصاعد الأحداث يتعلم التصويب الجيد؛ وتتنتقل الحماسة إليه من رفاقة فيُقتل وهو يحاول إنقاذ رئيسه؛ رغم خلافيهما.

2ـ «مسعود سُنّي» (رشيد زيم): اسم آخر به حروف السعادة دون معانها (سابقه اسمه سعيد)، فيما صاحبه شديد الفقر؛ محروم من النساء بالتحديد؛ وفي منتصف الفيلم حينما يدخل الجنود في هدنة ليطوفوا بإحدى البلدات الفرنسية يخالف «سُنّي» القواعد القائلة بعد الاقتراب من النساء، ويعاشر فرنسية ويتعهدان على البقاء لبعضيهما، إلا أن «البريد الفرنسي» و«الرقابة» يصادران رسائليهما فيما بعد، ويفشل في الهروب لمرسيليا حيث تُقيم العشيقة الشابة؛ ويقتل في نهاية المطاف دون وطن أو حب .. ولو كان بالمفهوم الخاطئ!

3ـ «ياسر» أو (سامي نصري): لم يُتعب المؤلف والمخرج نفسيهما للبحث؛ هذه المرة عن اسم به نكهة إسلامية أو حتى عثمانية لبطل يختلط الصواب فيه بالخطأ او الخطيئة (أوتماري نسبة إلى عثماني كما البطل الأول؛ ومسعود وسُنّي .. كما البطل الثاني)، و«ياسر متدين بطبعه يريد العفاف لأخيه «عربي» فيقوده للحرب مع الفرنسيين؛ ولما يدخلان المدينة الفرنسية يفاجأن بالكنيسة لكنهما يرفضان سرقة مال التبرعات ويكتفيان بالسؤال عن «آلام المسيح» .. لماذا يحتفي الفرنسيون بها بينما يُذيقون الجزائريين آلامًا أخرى، وفي الطريق إلى الحرب الأخيرة (الإلزاس) يُقتل «عربي»؛ ويضطر «ياسر» للقتال المرير حتى يُصرع في دقائق الفيلم الأخيرة انتقامًا لأخيه.

4ـ «عبد القادر» أو (سامي بوعجيلة) النموذج العلماني المسلم في الفيلم مغربي يجيد ا القراءة والكتابة وإطلاق النار؛ ولما التحق بالحرب اقتنع بكلمات «شارل ديغول» عن الحرية، ولأجل الأخيرة يلتحق بالحرب، ويناضل ليكتشف نفسه؛ فهو ملون افريقي يخدعه القادة بداية من عدم إذاقته الطماطم في الغداء حتى حرمانه من الإجازات إلى سبّه وأمثاله في الاجتماعات وفي النهاية حينما يتعثر الأمريكان في «الإلزاس» الفرنسية يضعه القادة وجنود فوجه «المشاة الجزائري» السابع في مقدمة الصفوف ليهلكوا ويبقى؛ ويخالف القادة كلمة شرفهم معه ويُكرمون رسميًا، وهم لم يطلقوا طلقة أو يدفعوا عن حجر، وبينما تصفق الجماهير البسيطة له يبكي وفاة جميع رفاقه.. وبعد 60 عامًا يزور قبورهم ليبكي من جديد، فقد بقي مقيمًا في مسكن متواضع في بناية بالقرية التي حررها، وهو لا يهتم بغلق باب المسكن بمفتاح إذ إنه ليس لديه ما يُسرق!

أما «روغر ماتينز» او «برنارد بلاكان» فالقائد الأعلى لـ«عبد القادر»، أفريقي مثله لكنه أبيض، ليس ملونًا أو أسود، فيغير اسمه ويتنكر لدينه؛ ويحرض الفرنسيون على أهله.. وحينما يموت لا يجد إلا المغاربة ليحاولوا إنقاذه.

بطولة ونذالة

إن العرب المسلمين الذين دافعوا عن أعدائهم في الفيلم استغلهم الفرنسيون ليتحرروا؛ فيما كان الصليب ينصب فوق جثث العرب، وكانت موسيقى «الراي» الأشهر للشاب «خالد» تثير الحزن؛ والأبطال يتساقطون، عدا «عبدالقادر، وهم يدافعون عن فرنسا، بخاصة في «الإلزاس»؛ والجنود العرب يعتبرون أنفسهم يدافعون عن وطنهم فيما القادة يشبهونهم بالبغال .. الغباء العربي أمام بقاء الاحتلال الفرنسي حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي .. وبالتالي قتل الفرنسيين واحتقارهم لمزيد من العرب هو رسالة الفيلم التي ظهرت في تتر البداية لعواجيز يتألمون وشباب يفنون أعمارهم في خدمة المحتل، وجزائرية ترقص ليسعد الفرنسيون .. مثلما قُتِل مواطنوها في الحرب سواء العالمية الثانية أو حرب التحرير .. وبقيت فرنسا تدعي الانتصار للحرية والعدالة.

فيلم الظهيرة يدعو للتسامح لتستمر الحياة ولكنه لا ينسى الجراح المُميتة ولا يرغب في تطهيرها!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

فرنسا الجزائر ألمانيا الحلفاء المحور الحرب العالمية الثانية دونكيرك الإلزاس