«تليغراف»: 3 عقبات في طريق اكتتاب أرامكو

الثلاثاء 8 أغسطس 2017 07:08 ص

يبدو كل شيء مختلفًا جدًا من داخل المملكة. وفي الغرب، يُنظر إلى الاكتتاب العام الأولي في شركة أرامكو السعودية وإدراجها في البورصة كتحدٍ كبير للمصرفيين الاستثماريين والمحاسبين والمحامين والاستشاريين العاملين في شركة النفط السعودية العملاقة، وكـ «حدث مالي» على نطاقٍ لم يسبق له مثيل، وتنتظر البورصات من نيويورك إلى طوكيو على أمل الفوز بأكبر جائزة في تاريخ التعويم.

وفي المملكة العربية السعودية، يعتبر الأمر حدثًا أكثر عمقًا بكثير. وفي حين تهدف الحكومة ببيع حصة في أرامكو، المساهم المالي الأكبر في الاقتصاد السعودي، إلى خفض العجز في الميزانية وبدء استراتيجية التنويع الاقتصادي، تعد أرامكو جزءًا لا يتجزأ من الشخصية الوطنية السعودية، وهذا جزءٌ لا يتجزأ من مجتمع وثقافة المملكة، وحتى بيع حصة صغيرة منها يُنظر إليه على أنّه تحولٌ جذري.

وقال أحد كبار المصرفيين السعوديين: «إنّه موضوعٌ عاطفيٌ للغاية. إنّها جوهرة التاج، ومصدر كل ازدهارنا. والآن، ببيع حصة فيها، يأتي لينقذنا».

لم يرغب الرجل في الكشف عن هويته، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ هذا الموضوع حساس في المملكة، وأيضا بسبب أنّ مصرفه يعمل لصالح الحكومة في برنامج الخصخصة، حيث ترغب الحكومة في الحصول على نحو 200 مليار دولار من بيع أصول الدولة في الـ 5 أعوام القادمة أو نحو ذلك، وتعتبر أرامكو حجر الزاوية في البرنامج.

وتعد رؤية 2030 هي الإطار الجامع للاستراتيجية التي أطلقها «محمد بن سلمان»، ولي العهد السعودي الجديد.

وإذا نجحت الرؤية، فسوف تقطع شوطًا طويلًا في تغيير الثقافة الاقتصادية الريعية التي كانت عائقًا أمام تطور اقتصاد المملكة واقتصادات الخليج الأخرى لعقود، ويتعين على المواطنين السعوديين، الذين كانوا يعتمدون منذ فترة طويلة على الوظائف الحكومية السهلة ذات الأجور الجيدة، أن يخرجوا وأن يقوموا بعمل جاد والالتزام بيوم العمل كاملًا، وسيتم تمكين المرأة في العمل بطريقة لم يسبق لها مثيل، مع كل ما يترتب على ذلك من تغيرات في المجتمع الإسلامي التقليدي.

وإذا كان الدافع وراء فلسفة «مارجريت تاتشر» للخصخصة في الثمانينات هو إحداث ثورة في الرأسمالية الشعبية، فإنّ التفكير وراء الرؤية أكثر جوهرية، ويهدف للعدول عن المجتمع الإسلامي المحافظ، في ظل الملكية المطلقة، والدفع بالمملكة نحو الحداثة.

وقال «أنطوني هاريس»، الدبلوماسي السابق في الشرق الأوسط، والذي تحول إلى رجل أعمال يعيش في دبي: «إذا حدث ذلك، ستكون قفزة عملاقة إلى الأمام للمملكة، وسيكون أهم ما حدث لهم منذ اكتشاف النفط في الثلاثينات».

بيع «الدجاجة»

وقد أثارت النتائج المحتملة لخصخصة أرامكو ورؤية 2030 الانتقادات والمعارضة في الأجزاء الأكثر تحفظًا في المجتمع السعودي.

وكان وسم «محمد_باع_الدجاجة» قد حقق انتشارًا في موقع تويتر في وقتٍ سابق من هذا العام، في إشارة إلى أرامكو كـ «دجاجة تبيض ذهبًا». ومن المفارقات، في حين أنّ بعض المستثمرين في لندن يشعرون بالقلق إزاء كونهم سيكونون مساهمين بأقلية في كيانٍ تسيطر عليه الحكومة السعودية مثل أرامكو، فإنّ بعض السعوديين قلقون من بيع «أوزتهم الذهبية» للأجانب.

ومن المنصف أن نقول أنّ هناك عملًا توعويًا يجب العمل عليه مع المواطنين السعوديين فيما يتعلق بحقائق الخصخصة.

ويهتم السعوديون الأكثر تطورًا بالجوانب الأخرى للخصخصة أيضًا. وينزعج البعض من فكرة إدراج أرامكو في بورصات نقدية مثل نيويورك أو لندن. وقال مصرفيٌ سعودي: «يعتقد بعض الناس أنّها لن تعود شركة سعودية بعد ذلك، وسوف تكون مملوكة من قبل الغربيين، وأنّها سوف تفقد نفطها».

وبغية مواجهة هذا الشك، سيكون هناك قائمة أولية في السوق المالية السعودية، تداول، تسمح للمواطنين السعوديين بتشكيل جزء من الاكتتاب العام. لكنّه هذا الجزء سيكون صغيرًا، ويقول المستشارون، أنّه ربما يكون أقل من 10% من مجموع ما سيتم طرحه. ويفضل السعوديون بعد ذلك بورصة لندن مقابل بورصة نيويورك، لأنّ السعوديين على الأرجح أكثر دراية بالنظام المالي في المملكة المتحدة.

وقد نجحت دول الخليج الأخرى، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة، في جمع الأموال هناك. ولوحظ أيضًا أنّ لندن تبدو وكأنّها تتراجع خطوات إلى الوراء لاستيعاب أرامكو، مع النظر في فئة إدراج سيادية جديدة.

لندن أم نيويورك؟

وتشير التقارير الأخيرة إلى أنّ الشركات الاستشارية الخاصة بالاكتتاب العام، مويليس وشركاه وإيفركور وإتش إس بي سي ومورغان ستانلي وجيه بي مورغان، بدعم من المستشار القانوني وايت آند كاس، قد أوصوا بالفعل بتفضيل إدراج الشركة في بورصة لندن للجزء الأجنبي من بيع الأسهم. لكنّ العميل هو من يقرر في نهاية المطاف، وفي هذه الحالة العميل هو ولي العهد السعودي الجديد.

وهنا تأتي الاعتبارات الجيوسياسية، وربما تفوق كل المشورة المكلفة. ويعتقد المصرفي السعودي بأنّه تم التوصل إلى اتفاق خلال الزيارة الرئاسية الأمريكية الأخيرة للرياض من قبل الرئيس «ترامب».

وبالتأكيد هناك الكثير من الناس في واشنطن يعتقدون بأنّ الإدراج في بورصة نيويورك صفقة تم إنجازها بالفعل. لكن تقول «إلين والد»، الأكاديمية الأمريكية ومؤلفة كتاب جديد يصدر قريبًا عن النفط السعودي، أنّ قائمة نيويورك قد تكون مشكلة، وأوضحت: «لا أعتقد أنّ محمد بن سلمان قد اتخذ قراره بعد. إنّه محبط قليلًا من الحديث عن إمكانية التعرض للتقاضي في الولايات المتحدة».

وأضافت: «تعد بورصة نيويورك هي الأكثر صرامة من حيث اللوائح والإفصاح. وقد يكون هناك تعقيدٌ آخر هو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، الذي قال البعض أنّه قد يعرض أرامكو لمزيد من الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة».

وفي النهاية، سيكون اختيار مكان الإدراج قرارًا من ولي العهد، ويبدو أنّه يتجه فلسفيًا وسياسيًا نحو نيويورك. لكن هناك قضية خطيرة أخرى محتملة داخل المملكة، وهي التقييم.

قيمة أرامكو

وقد كان هذا الأمر موضع خلافٍ منذ أن اقترح ولي العهد، لأول مرة، إمكانية الاكتتاب العام لشركة أرامكو بتقييم قيمتها بـ 2 تريليون دولار، مما يعني وصول قيمة إدراج الحصة المخصصة للبيع إلى 100 مليار دولار أمريكي. وقد تعرض هذا التقييم للانتقادات منذ ذلك الحين. وقام استشاري مجال الطاقة وود ماكنزي بتقدير قيمتها بـ 400 مليار دولار فقط، لكنّ معظم المحللين الآخرين وضعوها في مستوى 1 إلى 1.5 تريليون دولار.

وقال مصرفيٌ سعودي: «أعتقد أنّ أي قيمة بين 1.5 إلى 2 تريليون دولار ستكون جيدة. أمنا إذا كانت أقرب إلى تريليون دولار، فإنّ الاكتتاب سيكون أقل جدوى. ومن شأن ذلك أن يوفر 50 مليار دولار فقط في الاكتتاب العام، وهو مبلغ يمكن للسعودية الحصول عليه بسهولة من أسواق رأس المال. فلماذا إذًا بيع جوهرة التاج الملكية؟».

وهناك متغيرات قد تؤثر على التقييم. وقد ظلت احتياطيات المملكة النفطية المعلنة رسميًا عند مستوى 260 مليار برميل لأعوام، لكن يجري حاليًا إعادة تقييمها من قبل اثنين من مدققي الطاقة الأمريكيين المستقلين.

وإذا زاد الرقم عن 260 مليار برميل، ستزيد قيمة التقييم إلى ما يقارب 2 تريليون دولار. وهناك أيضًا إجراءاتٍ للسياسات المحلية قد تؤثر على القيمة. وقد تم تخفيض معدل الضريبة من 80% إلى 50% في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، وهناك نظامٌ جديد يجري النظر فيه على الحصة المدفوعة للحكومة.

وهناك أيضًا مسألة الدعم. توفر أرامكو الطاقة الرخيصة إلى قطاعاتٍ واسعة من الصناعة السعودية، وإذا ما تم تخفيض هذا الدعم، سيكون ذلك دفعةً فورية للأرباح. ولكن مرة أخرى، يعد الدعم الحكومي قضيةً مثيرةً للانقسام في المملكة، والتي لديها عدد كبير من الفقراء نسبيًا بين سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة، ناهيك عن الصناعة السعودية التي من شأنها أن تقاوم الاضطرار إلى دفع سعر السوق مقابل الطاقة.

وعلى الرغم من عدم اليقين المنتشر داخل المملكة العربية السعودية، لا أحد يعتقد تقريبًا أنّ اكتتاب أرامكو قد يتوقف الآن. فهو يمثل ضرورة سياسية بقدر ما هو ضرورة مالية.

المصدر | فرانك كين - تليغراف

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان ترامب اكتتاب أرامكو أرامكو