تركيا تشيد إمبراطورية جديدة في فنائها الخلفي القديم

الثلاثاء 8 أغسطس 2017 11:08 ص

في غضون شهر، ستفتح تركيا أكبر منشأة عسكرية  لها في الخارج في أفريقيا وتحديدا في الصومال. ويعد هذا أكبر تمثيل دبلوماسي لأنقرة في أفريقيا. وتطير شركة الطيران الوطنية في تركيا إلى المزيد من الوجهات في أفريقيا أكثر من أي شركة طيران دولية أخرى.

وتمثل أفريقيا لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي فرصًا اقتصادية غير مستغلة، وعودة إلى الأراضي التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.

وكانت الحكومة في أنقرة عازمة على إيجاد موطئ قدمٍ لها في أفريقيا بعد مشاهدة المتنافسين الاقتصاديين العالميين، الصين والهند، يستهدفان الأسواق الأفريقية لأعوام.

وقد أصبح الأمر ملحًا بشكلٍ أكبر أن تندفع تركيا إلى أفريقيا مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت بسرعة العدو الإقليمي الرئيسي لأنقرة، بزيادة وجودها العسكري في القارة. وتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء سلسلة من القواعد العسكرية في أفريقيا لتوسيع نفوذها الإقليمي.

وعلى الرغم من أنّ التركيز الرئيسي للإمارات يبدو أنّه شمال أفريقيا، ليبيا على وجه التحديد، حيث تدعم «خليفة حفتر»، إضافةً إلى تحالفها مع مصر عسكريًا وماليًا، إلا أن تحركاتها من شأنها أن تقوض الجهود التركية في جميع أنحاء القارة.

وقد بدأ تركيز تركيا على أفريقيا من جديد عام 2005. وبحلول عام 2008، أطلقت حملة دبلوماسية لتعزيز وضعها هناك. وزادت أنقرة تدريجيًا عدد ممثلياتها الدبلوماسية في القارة إلى 39. كما ارتفع عدد البعثات الدبلوماسية الأفريقية إلى تركيا من 8 إلى 33.

وقال «أحمد كافاس»، وهو سفير تركي سابق في جمهورية تشاد ومستشار في وزارة الخارجية لشؤون أفريقيا، لـ «ميدل إيست آي» أنّ وجود تركيا في أفريقيا أكثر منطقية من وجود أي بلدٍ آخر.

وقال «كافاس»: «إذا كان عليكم التفكير في أي الدول يجب أن تكون موجودة بشكلٍ أكبر فى أفريقيا فإنّها ستكون تركيا. كان الوضع غير الطبيعي في القرن العشرين، حين كنا غائبين إلى حدٍ كبير عن القارة، ودخلها الأوروبيون الغربيون».

بوابة تركيا

وبالنسبة لتركيا، لا تزال الصومال هي البوابة الرئيسية لأفريقيا.

وكانت أنقرة نشطة عسكريًا في الصومال منذ عام 2009، عندما انضمت إلى فرقة العمل متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة قبالة الساحل الصومالي.

وكانت هذه هي نقطة الانطلاق بالنسبة لتركيا للسعي إلى اتفاقٍ ثنائي لبناء قاعدتها العسكرية في البلاد.

وفي 3 أغسطس/آب، أعلن «عبد الرشيد عبد الله محمد»، وزير الدفاع الصومالي، أنّ العمل في قاعدة التدريب العسكري التركية في مقديشو، قد اكتمل بعد عامين، وسيصبح نشطًا في سبتمبر/أيلول.

ويعد هذا المعسكر أكبر موقعٍ عسكريٍ لتركيا، ولديه القدرة على تدريب أكثر من 1500 جندي في وقتٍ واحد.

وذكرت البعثة التركية في الصومال أنّ أكثر من 200 جندي تركي سيتمركزون في المركز لتدريب القوات المسلحة الصومالية وتوفير الأمن للمجمع.

واكتمل مجمع البعثة الجديد في مقديشو العام الماضي، وهو أكبر تمثيل دبلوماسي لتركيا.

ويعتبر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من أكثر الشخصيات زيارةً للصومال، على الرغم من وضعها الأمني ​​غير المستقر. وقد زار البلاد ثلاث مرات منذ عام 2011.

وكانت آخر زيارة في عام 2016 لمجرد ساعات فقط، بعد انفجار قنبلة في فندق في مقديشو في موقع يتردد عليه الأجانب.

وقال «ياسين أقطاي»، وهو سياسيٌ في حزب العدالة والتنمية والنائب السابق لرئيس الحزب، لـ «ميدل إيست آي» أنّه في الوقت الذي تستثمر فيه تركيا حاليًا الكثير في الصومال، فإنّها لن تكون البوابة الوحيدة في أفريقيا، وأنّه جاري توسيع العلاقات مع دول مثل السودان وتونس.

وقال «أقطاي»: «لماذا يكون لدينا بوابة واحدة لمثل هذه القارة الكبيرة، إنّ دولًا مثل السودان وتونس، التي لدينا علاقات جيدة معها، قد تكون نقاط دخولٍ أخرى لنا أيضًا».

دولة «كولن»

عندما بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية في الاتجاه نحو أفريقيا عام 2005، اعتمدت بشكلٍ كبير على القوة الناعمة لإيجاد النفوذ في أفريقيا، وخاصةً في شرق وجنوب القارة.

وكانت الأداة الأساسية التي اعتمدت عليها المؤسسات التعليمية لـ«فتح الله كولن».

لكنّ هذا النهج لم يعد مناسبًا بعد أن توترت العلاقة بين حلفاء الأمس.

وتُحمل السلطات حاليًا «كولن»، وهو داعية مسلم تركي يقطن بالولايات المتحدة، وأتباعه المسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو/تموز من العام الماضي.

ومع ذلك، أصبحت حركة «كولن» راسخة الآن في البلدان الأفريقية، مثل تنزانيا وكينيا وموزمبيق وجنوب أفريقيا.

وكان على أنقرة اللجوء إلى مزيجٍ من الترغيب والترهيب، لحمل الحكومات الأفريقية المختلفة على مصادرة المدارس التي تمولها أو تديرها حركة «كولن».

غير أنّ الضغط غير المنطقي والترويج المكثف لفكرة أنّ مؤسسات «كولن» تشكل تهديدًا هناك قد أضر بمصداقية أنقرة في هذه البلدان.

وتتطلع أنقرة إلى مواجهة ذلك من خلال زيادة وجود المؤسسات التي وافقت عليها الحكومات في أفريقيا، سواء المتعلقة بالمعونات الخيرية أو التعليم.

وقد أُطلقت مبادرة في أنقرة الأسبوع الماضي لتشجيع المتطوعين من الطلاب الأتراك على المشاركة في مشاريع المعونة والتنمية في 18 بلدًا أفريقيا. وتعد الشخصيات التي حضرت الحدث دلالةً على الأهمية التي توليها الحكومة لأفريقيا، ومن بينهم نائب رئيس الوزراء التركي، ورئيس وكالة التنمية التركية، و«بلال أردوغان»، نجل الرئيس، الذي يرأس عددًا من المؤسسات المؤثرة الآن.

كما تُقدم الجامعات التركية المزيد من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة، على أمل أن يفيد هؤلاء الطلاب تركيا في المستقبل، عندما يصعدون إلى مواقع النفوذ في بلدانهم.

وقال «كافاس»، الذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس أورداف، وهو مركز بحثي تركى يركز على أفريقيا والشرق الأوسط، أنّ الدول الأفريقية تدرك جيدًا المخاطر التي تمثلها مؤسسات «كولن»، وتعمل بسرعة لطردها من البلاد.

العوامل الاقتصادية

وقد تجاهل «أردوغان» الانتقادات الموجهة لأنقرة والتي تقول أنّها تتصرف كقوة استعمارية فيما يتعلق بتعاملاتها في أفريقيا

واستغل الرئيس التركي كل فرصة لتوجيه السهام إلى الغرب بالقول أنّه على عكس المستعمرين الغربيين، تهتم تركيا بعلاقاتٍ مربحة لكلا الجانبين مع شركائها الأفارقة.

ولا تزال الاعتبارات الاقتصادية هي المحرك الرئيسي لدفع تركيا نحو أفريقيا.

ومن شأن قيام الحكومات الأفريقية بتكليف الشركات التركية بمشاريع كبيرة للبنية التحتية أن يوفر دفعة كبيرة للمقاولين الأتراك في صناعة البناء والتعدين.

وتعرضت صناعة البناء التركية، التي تعد أحد الروافد الرئيسية للنمو الاقتصادي التركي في الأعوام الأخيرة، لضرباتٍ شديدة بعد أن خسرت أسواقًا مربحة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا، نتيجة الصراعات والأزمات.

وقال «أقطاي»، الذي كان في السودان الأسبوع الماضي، أنّ المسؤولين السودانيين أعربوا عن حرصهم على الاستثمار التركي والخبرة التركية في تطوير صناعة التعدين.

وقال: «مع كل الموارد البترولية التي فقدتها بانفصال جنوب السودان، فإنّ حكومة السودان حريصة على الاستفادة من ثروتها المعدنية الشاسعة».

وأضاف أنّ «الدلائل تشير إلى أنّ الولايات المتحدة سترفع عقوباتها عن البلاد، وقد استهدفت جميع الدول الاستفادة من الثروة المعدنية السودانية».

واستدرك: «لكنّ السودانيين يفضلون العمل مع الشركات التركية لأنّهم يشعرون بعلاقة ثقافية ودينية مع تركيا».

وكانت أنقرة قد استأجرت حوالي سبعة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية الرئيسية للعمل مع المزارعين السودانيين المحليين والمساعدة في تلبية مطالب تركيا الغذائية.

جانب مظلم

وقد لعبت الخطوط الجوية التركية دورًا كبيرًا فى مساعدة تركيا على التوسع  في أفريقيا. حيث تطير شركة الطيران إلى 51 وجهة في القارة، أكثر من أي شركة طيران دولية أخرى.

ولكن، كان هناك جانبٌ مظلمٌ لهذه الشبكة الأفريقية الواسعة أيضًا.

ويقال أنّ الاتحاد الأوروبي كان يستخدم رحلات الخطوط الجوية التركية لإعادة المهاجرين الأفارقة بالقوة.

وتجري عمليات الإعادة القسرية بموجب اتفاق الهجرة الموقع بين بروكسل وأنقرة عام 2013.

وبموجب الاتفاقية، يمكن للاتحاد الأوروبي إرسال جميع المهاجرين غير المصرح لهم بالدخول إلى أوروبا إلى تركيا للترحيل إلى بلدانهم الأصلية.

ويتعرض هذا الجزء من اتفاق الهجرة للخطر بعد أن تراجع الاتحاد الأوروبي عن وعده بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي في المقابل.

ولا تزال حكومة أنقرة مصممة على ألا تخسر المزيد في المنافسة على المواقع العسكرية الخارجية مع منافسيها الإقليميين، وكذلك من الناحية الاقتصادية مع المنافسين العالميين، في أرضٍ كانت في يومٍ ما خاضعة لها.

وبالنسبة لـ «كافاس»، فإنّه يشعر بأنّه من مسؤولية تركيا التاريخية أن تكون في أفريقيا.

وقد قال: «لدى تركيا علاقة قديمة ووثيقة مع القارة، تعود لأكثر من ألف عام، مع وجودٍ كان ممتدًا من شمال أفريقيا إلى كينيا الحديثة اليوم، ونحن لسنا الغرباء هناك».

  كلمات مفتاحية

تركيا الصومال أفريقيا الإمارات السودان

اختتام مناورات بحرية بين تركيا وقطر لدعم «مكافحة الإرهاب»

تصاعد الحرب الإعلامية بين الإمارات وتركيا يهدد بأزمة دبلوماسية أكبر