«و.س. جورنال»: «السيسي» يخاطر بالمراهنة على تحمل المصريين للألم الاقتصادي

الخميس 10 أغسطس 2017 10:08 ص

يعمل الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» على تخفيض الدعم الغذائي ودعم الوقود، وهو الملف الذي امتلأ بالفساد منذ وقتٍ طويل، في رهانٍ شديد المخاطر، لمساعدة الاقتصاد المتداعي الذي لم يجرؤ أي من أسلافه على الاقتراب منه.

وقد اهتزت البلد، الأكثر سكانًا في العالم العربي، جراء العلاج بالصدمات الاقتصادية، التي اقترنت بتخفيضٍ حاد في قيمة العملة. وقد ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 50% في يونيو/حزيران، وتضاعفت أسعار غاز الطهي، وتجاوز معدل التضخم السنوي 30%.

ومع تقلص المدخرات وانكماش القوة الشرائية للمستهلكين، يراهن «السيسي» على أنّ فرص العمل الجديدة المتوقعة والاستثمار الأجنبي والنمو ستتحقق قبل أن يتسبب الألم الاقتصادي في حدوث انفجارٍ اجتماعيٍ آخر في مصر، مثل ذلك الذي تسبب في ثورة عام 2011، إلى جانب الانتفاضات الأخرى في العالم العربي، في ما أصبح يعرف باسم الربيع العربي.

وقال «أسامة هيكل»، وهو مشرعٌ مؤيد للحكومة، أنّه يشعر بالقلق إزاء التأثير الاجتماعي لحملة التقشف: «يعاني الفقراء كثيرًا، ويتحول الناس من الطبقة المتوسطة إلى الفقيرة».

وقارن «طارق قابيل»، وزير التجارة والصناعة، الإصلاح الاقتصادي بالمضادات الحيوية. وقال في مقابلة مع صحفيين: «يجب أن تتناول الجرعة كاملة. لا يمكنك أخذ قرص واحد ومن ثم التوقف».

ويُعتبر خفض الدعم من بين الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي في اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار تهدف إلى مساعدة مصر على استقرار اقتصادها بعد أعوامٍ من الاضطراب.

وتبلغ نسبة الدعم المقدم للطاقة والمواد الغذائية أكثر من 11 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل 18% من الميزانية الحالية لمصر، حتى بعد التخفيضات الأخيرة. ويُعتبر الدعم أحد العوائق أمام النمو الاقتصادي الذي تباطأ في الأعوام التي تلت الثورة. فقوانين العمل تجعل طرد العمال مستحيلًا تقريبًا، ولا يمكن الاعتماد على النظام القضائي، كما أنّ البيروقراطية الحكومية تعيق كل المبادرات. ومما يزيد الأمور تعقيدًا، أنّ الجيش يعتمد على اقتصادٍ موازٍ خاص به، وهو غير مقبول إلى حدٍ كبير.

وقال وزير الخارجية السابق «نبيل فهمي»، وهو أستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة، أنّ خفض الدعم يدفع مصر إلى إصلاح التشوهات الاقتصادية، لكنّه يحمل الألم والمخاطر.

وقد قامت الحكومة أيضًا باستثمارات في البنية التحتية في مجال الكهرباء والنقل، وتعمل على خطط لتسهيل فتح شركات ومصانع جديدة، فضلًا عن تسهيل الحصول على الأراضي لاستخدامات الأعمال الحرة. كما قام «السيسي»، وزير الدفاع السابق، بزيادة الدور الكبير بالفعل الذي تلعبه القوات المسلحة في الاقتصاد المصري.

كما تسعى البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى تلك الدول الملكية الغنية مثل الكويت، إلى إجراء إصلاحاتٍ اقتصادية، لأنّها تحاول خلق فرص عمل كافية لمواكبة الزيادة السكانية المضطردة.

ويحاول ولي العهد السعودي الجديد «محمد بن سلمان» إجراء إصلاحٍ طموح، إن لم يكن مؤلمًا، لفطام المملكة من اعتمادها على النفط. وتحت الضغط، تنازل عن إجراءات التقشف التي كان قد أعلنها في أبريل/نيسان، وسط صراع على الخلافة وتزايد السخط العام.

لكنّ «السيسي»، الذي يخوض انتخاباتٍ رئاسية العام المقبل، قد ألغى معظم المعارضة السياسية والمعارضة المنظمة منذ الإطاحة بأول رئيس منتخب بحرية في مصر، «محمد مرسي»، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، عام 2013، والإلقاء به في السجن.

وقد تم الاستحواذ على وسائل الإعلام المصرية، وتم حجب المواقع الإعلامية المستقلة في الأشهر الماضية. وقد عرقل تشريعٌ جديد عمل المنظمات غير الحكومية. ويتم العمل على إخفاء النطاق الحقيقي للاستياء الشعبي. وقالت الحكومة أنّ هناك حاجة إلى فرض قيودٍ لمكافحة الإرهاب والتطرف، وهو رأي تخالفه جماعات حقوق الإنسان وما تبقى من المعارضة

وقال «عبد المنعم أبو الفتوح»، السياسي الإسلامي المعتدل الذي حصل على 17% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر عام 2012: «الاستقرار الحالي كالبركان الذي على وشك الانفجار. وعندما ينفجر، لن يستطيع أحد التنبؤ به».

وأضاف «أبو الفتوح»: «إذا حدث ذلك، فلن تكون ثورة تقوم بها الطبقات الوسطى، مثلما حدث عام 2011. ففي ظل الظروف الراهنة، ما أخشى أن يحدث هو الفوضى. وإذا حدثت الفوضى في مصر، فلن تشكل تهديدًا للمصريين فحسب، بل أيضًا للمنطقة كلها، وكذلك للغرب».

صفقة الخبز

كل يوم، يصطف الملايين من المصريين أمام المخابز الحكومية لشراء خمسة أرغفة من الخبز للفرد بأقل من سنتين أمريكيين، وهو جزء بسيط من تكلفة القمح. ويمتد الدعم الغذائي إلى نحو 80% من الأسر المصرية.

ويزرع المزارعون في جميع أنحاء مصر محاصيلهم بمضخات المياه التي تعمل على الديزل، وحتى بعد زيادة يونيو/حزيران بنسبة 55%، لا تزال أسعار الديزل 77 سنتًا للغالون، أي أقل من ثلث أسعار التجزئة في الولايات المتحدة.

وقال مسؤولون حكوميون أنّه على مدى عقود، تضررت البلاد بسبب عملية إعادة بيع الأغذية والوقود والغاز المدعوم من قبل المسؤولين للمشترين في مصر وخارجها، بشكلٍ غير قانونى.

وفي عام 1977، حاول الرئيس المصري آنذاك «أنور السادات» معالجة مشاكل الدعم، عندما بدأ الانفتاح الاقتصادي والتخلي عن الإرث القومي الاشتراكي والقومي العربي لسلفه «جمال عبد الناصر». وكجزء من اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي، أمر السادات بتخفيض الدعم على الخبز والسكر وزيت الطهي.

وأدى ذلك إلى احتجاجاتٍ جماهيرية شلت البلاد وقُتل فيها العشرات، وسرعان ما عكس «السادات» قراره.

وقد تعلم خلفه «حسني مبارك» الدرس. وعلى مدى ثلاثة عقود من الحكم، ظل «مبارك» حذرًا من المساس بالدعم، حتى في الوقت الذي اتبع فيه عمليات الإصلاح الاقتصادي مثل الخصخصة واتفاقات التجارة الحرة.

وقد اندلعت ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011 في مصر، جزئيًا، بسبب الغضب على الفساد والمحسوبية التي رافقت التحرر الاقتصادي لـ«مبارك»، واتجهت المشاعر العامة نحو الحنين إلى السياسات الاشتراكية في عهد «عبد الناصر».

وقد زُج بالعديد من رجال الأعمال البارزين في السجن، وتم التراجع عن صفقات الخصخصة، وانهارت السياحة، وهي جزءٌ كبيرٌ من الاقتصاد. ومع تراجع الاحتياطيات الأجنبية في مصر، أدى النقص في الوقود والكهرباء إلى تعطل النمو.

وبعد فوزه في الانتخابات عام 2012، وافق «مرسي» مبدئيًا على تخفيضات الدعم وفرض ضرائب جديدة خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 4.8 مليار دولار. وقد دفعه احتجاجٌ عام إلى التراجع، وتضررت شعبيته بشدة، والتي كانت تتقلص بالفعل بسبب تعصب الإسلاميين للحكومة. وقد بادر داعمو «مرسي» الإقليميين، وخاصةً قطر وتركيا، بتقديم مليارات الدولارات من التمويل لمصر.

وقام «السيسي» بالإطاحة بمرسي عام 2013، وتحول إلى مؤيديه الإقليميين، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت. ودفعت هذه الدول الخليجية، خوفًا من عدوى الربيع العربي وحرصًا على وقف انتشار نفوذ الإخوان المسلمين، عشرات المليارات من الدولارات لدعم الاقتصاد المصري. وبحلول العام الماضي، وسط التوترات بين القاهرة والرياض، جف هذا البئر أيضًا.

وبسبب تفاقم العجز وتقلص احتياطيات النقد الأجنبي، لم يكن أمام مصر خيار سوى قبول الدواء المرير من قبل الصندوق.

وأعلن «السيسي» تعويم الجنيه المصري الذي فقد على الفور ما يقرب من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي. ثم وقعت حكومته صفقة قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني، تضمنت تعهدًا بخفض الدعم الغذائي ودعم الوقود.

وقال «محسن خان»، المدير السابق لصندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: «لقد كانوا شجعانًا، لكن تحت الإكراه». وأضاف: «لقد كانت خياراتهم محدودة جدًا».

الخيارات الصعبة

وقال وزير التجارة والصناعة «طارق قابيل» أنّ هدف الحكومة هو إنهاء الدعم خلال ثلاثة إلى خمسة أعوام. وقال: «العمل الصحيح هو رفع الدعم تمامًا». وأضاف: «لكن لا يمكنك أن تفعل ذلك بين يومٍ وليلة، لأنك لا تستطيع تصحيح مشاكل 40 عامًا في يومٍ واحد».

وبدلًا من توفير الغذاء والوقود المدعوم لمعظم المصريين، تتجه الحكومة إلى دفع مبالغ نقدية للأفراد بناءً على الحاجة، وعلى نطاقٍ أوسع، زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية.

وقال «قابيل»: «لا يمكنك دفع الدعم كغطاء شامل لجميع السكان». وأضاف: «لا يحتاج بعض الناس إلى دعم». وأضاف أنّ ترشيد النظام سيسمح بزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم ونمو الصناعة.

لكنّ الأمر صعبٌ للغاية على الطبقة المتوسطة في مصر. وقال شخصٌ يُدعى «سيد» أنّ الزيادة الأخيرة البالغة 100 جنيه مصري في معاشه الشهري، والتي تبلغ نحو 5.63 دولار، لا جدوى منها بالنظر إلى التضخم في البلاد، قائلًا: «نحن لا نعرف كم من الوقت سنتمكن من البقاء بهذا الشكل. لقد ارتفع سعر كل شيء. وما الذي نحصل عليه مقابل هذه الأسعار المتسارعة في الارتفاع؟ لا شيء».

وفي حي شبرا في القاهرة، كانت «فاطمة حسن»، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 35 عامًا، غاضبة تمامًا. وقالت أنّ دخل عائلتها البالغ نحو 4500 جنيها مصريا في الشهر، والذي كان يوفر نمط حياة مريح قبل عام، يكاد لا يكفل العيش اليوم.

وتقول «فاطمة»: «لم يكن لدينا أي قيود على ما نأكله، أو أين نذهب، وماذا نرتديه. وفي نهاية العام، بدأنا في حذف أشياء كنا نستطيع تحملها في السابق من قائمتنا. والآن، لم يبق لنا أي شيء»

وقالت أنّ الزيادات الأخيرة في أسعار غاز الطهي المدعوم والزيت والسكر تضع الأسرة على شفا الانهيار، وقالت: «نحن لا نعرف ماذا نفعل. هل يريدون منا أن نسرق حتى نعيش؟».

وقال «نجيب ساويرس»، أحد أبرز رجال الأعمال في مصر، أنّ الحكومة توفر الأموال من تخفيضات الدعم، مما يجعل أسعار السلع الأساسية أكثر انسجامًا مع أسعار السوق، وينبغي أن تكون قادرة على توفير الدعم النقدي للفئات الأشد فقرًا من المصريين. وقال: «يحتاج الناس إلى شخصٍ ما يشرح لهم أين النور في نهاية هذا النفق، لقبول المزيد من تدابير التقشف».

ويبدو أنّ الفوضى التي اجتاحت مصر ودول أخرى بعد الربيع العربي جعلت جهود «السيسي» في التغيير الاقتصادي أكثر استساغة. وبعد أن شهدت مصر الانهيار الاقتصادي وانهيار القانون والنظام بعد ثورتها عام 2011، أصبح العديد من المصريين الآن، على الرغم من التعاسة التي يسببها برنامج التقشف، حذرين من العودة إلى الشوارع مرةً أخرى. وأدت آخر جولة من تخفيضات الدعم في يونيو/حزيران إلى احتجاجاتٍ بسيطة.

وقال «يونس مخيون»، رئيس حزب النور الإسلامي السلفي: «يعاني الشعب بشكلٍ كبير من الوضع الاقتصادي الرهيب وارتفاع تكاليف المعيشة». وأضاف: «لكنّهم يرون أيضًا تجارب الدول المجاورة، سوريا وليبيا والعراق، ويخشون أن تواجه مصر نفس المصير».

  كلمات مفتاحية

السيسي الاقتصاد المصري رفع الدعم تعويم الجنيه

«ناشيونال إنترست»: «السيسي» يدمر الاقتصاد المصري بتمكين الجيش

«ستراتفور»: أزمة الاقتصاد المصري تتفاقم.. والإصلاحات المقترحة لا تحظى بشعبية