«فورين أفيرز»: شيعة العراق يناورون ضد إيران.. هل تفقد طهران نفوذها؟

الثلاثاء 15 أغسطس 2017 07:08 ص

على مدى الأشهر القليلة الماضية، كثفت الجماعات السياسية الشيعية في العراق صراعها من أجل النفوذ في بغداد استعدادا للانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل. وإلى حد كبير هناك استياء من إيران التي دعمت عددا من المجموعات. واختار بعض الشيعة العراقيين أن ينأوا علنا بأنفسهم وأن يعملوا كقوى مستقلة عن وصاية القوى الأجنبية، للفوز بأصوات الناخبين العراقيين.

ويعتقد أن طهران قلقة بشكل خاص لأنه بعد انتهاء الدولة الإسلامية ينتهي مبرر وجودها وأخيرا يتوجب عليها الخروج من العراق. كما أن الحوار السياسي الذي سوف يترتب على ذلك بين الفصائل السياسية المختلفة في البلاد، وكذلك بين الجماعات العرقية والطائفية في العراق، حول تقاسم السلطة سيجعل إيران في الخارج ، وهذا بدوره يعرض المصالح الإيرانية طويلة الأجل من أجل السيطرة الإقليمية للخطر. هناك الآن نقاش حول ما إذا كان هذا مجرد زوبعة في فنجان أو ما إذا كان يتوجب على طهران أن تستعد للتعايش مع القومية الشيعية العراقية.

إن نتائج الخلافات الشيعية في هذا الصراع يمكن أن يكون لها تأثير على المصالح الإيرانية خارج حدود العراق. وقد اتضح قلق إيران على ما يبدو عندما ظهر رجل الدين العراقي الشيعي المتشدد «مقتدى الصدر» يوم 30 يوليو/ تموز في جدة، المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر في السعودية، المنافس الرئيسي لإيران. وفي الحد الأدنى، فإن تراجع التأثير على شيعة العراق يبطئ خطط طهران لتوسيع النفوذ الأيديولوجي في المنطقة.

وتابعت طهران عن كثب كل تطور وتحول في السياسة الشيعية العراقية، وذلك لسبب وجيه وهو أن نفوذ طهران على الجماعات السياسية الشيعية العراقية ربما يعد أكبر إنجاز في سياستها الخارجية منذ تأسيس حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة في عام 1982. وهذا هو السبب في أن هناك الكثير من شعور المفاجأة في طهران عندما ظهر «الصدر» في السعودية. ومن المعروف عن «الصدر» على أنه قومي عراقي وقد تعارض مع جماعات شيعية متحالفة مع إيران. ويعتبر شخصا مستقلا في طهران.

ومع ذلك، فإن ذهاب «الصدر» إلى السعودية واستقباله من قبل ولي العهد «محمد بن سلمان»، ينظر إليه على أنه معاداة لإيران ويقود إلى الكثير من التكهنات في طهران حول قيادة دوافع وأهمية الزيارة.

كانت آخر زيارة قام بها «الصدر» للسعودية في عام 2006. وأمضى «الصدر» ثلاث سنوات في المنفى في إيران وقد طلبت الولايات المتحدة إلقاء القبض عليه لدوره في مناهضة قواتها. ومن ناحية، قال «الصدر» علنا أنه منذ فترة طويلة ضد النفوذ الإيراني في العراق. ومن جهة أخرى، فقد وجد ملاذا آمنا في إيران كلما كان بحاجة إلى مكان للاختباء. وحتى يومنا هذا، لا يعرف الكثير عن مدى قدرة إيران على التأثير عليه، في الماضي أو في الحاضر. ولدى عودته إلى العراق في عام 2011، حافظ «الصدر» على مشاعر معادية للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، دعم «نوري المالكي»، رئيس الوزراء المدعوم من طهران في البلاد. في ذلك الوقت، لم يكن «الصدر» بالتأكيد صديقا للرياض. وبين عامي 2011 و 2016، هاجم بانتظام السياسات السعودية في البحرين واليمن.

يرى الإيرانيون أن «الصد»ر يطمح إلى إعادة إبراز نفسه بوضوح كشخص مختلف عن بقية الحشد الشعبي الشيعي، حتى يتمكن من البقاء في المشهد السياسي العراقي. ورحلته إلى جدة هي امتداد لتلك الجهود. ويريد «الصدر» أن ينظر إليه باعتباره بديلا للأحزاب الشيعية الأخرى، واتخاذ نهج مختلف تجاه السعودية هو طريقة للقيام بذلك، على الرغم من أنه يبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن أن تسحبه الظروف بعيدا في المدى الطويل.

ومثل أي زعيم آخر، فهو يخضع لمشاعر الرأي العام. وقد حصل تقليديا على دعم من الشيعة الفقراء، ولكن التعامل مع السعودية قضية حساسة. وهذا يمكن أن يجعل من الصعب على «الصدر» أن يكون قريبا جدا من الرياض، ولكن ذلك يعتمد على نتائج التدخل السعودي في البحرين واليمن. إن الحروب هناك لا تحظى بشعبية بين شيعة العراق. وتعتقد طهران أن «الصدر» يأمل أن يستطيع السعوديون مساعدته على تأمين الدعم من الجماعات السنية العراقية المدعومة من السعودية ومن الشيعة الذين ينتقدون طهران، مثل رئيس الوزراء الأسبق «إياد علاوي».

كانت حيرة إيران بشأن خطط «الصدر» واضحة. أما بخصوص القول إن هدف زيارة «الصدر» للسعودية هو الوساطة بينها وبين إيران فإن هذا التفسير انهار في أقرب وقت عاد فيه «الصدر» إلى العراق. حيث كرر الصدر مطالبة الحكومة العراقية بحل الميليشيات الشيعية، التي تعرف باسم الحشد الشعبي. وهذه نقطة حساسة بالنسبة لطهران، التي كان لها دور في تنظيم وتسليح ونشر الحشد الشعبي ليس عبر العراق فحسب، بل أيضا في ساحات القتال في سوريا دفاعا عن نظام الرئيس السوري «بشار الأسد».

تحدي «الصدر» لإيران

يرى الإيرانيون تحركات «الصدر» مدفوعة بدافع التنافس مع المجموعات السياسية الشيعية التي تدعم الحشد مثل رئيس الوزراء «حيدر العبادي»، الذي رفض في 5 أغسطس/ آب طلب «الصدر»، قائلا: «إن الحشد الشعبي ينتمي إلى العراقيين، ولا يجوز حله». (وحتى قبل زيارة الصدر إلى الرياض، لم يدافع العبادي فقط عن الحشد ولكنه تعهد بأن الحشد سيستمر لسنوات، على الرغم من محاولة بعض الناس معارضته).

ولمواجهة «الصدر»، أطلقت إيران رواية مفادها القوات الموالية للصدر كانت غير ذات صلة في مكافحة تنظيم الدولة، وأن هذه الحقيقة وحدها، تجعل إيران تصر على تنحي التيار الصدري من تحديد مستقبل الحشد والذي كان في طليعة الكفاح ضد التنظيم. ومن المرجح أن تواصل إيران البحث عن سبل لتهميش التيار الصدري في مؤتمر الحوار الوطني الذي سيتبع هزيمة تنظيم الدولة. ولن ينتظر «الصدر» ذلك وسيعمل من خلال شن هجوم واسع ضد الوجود الإيراني في العراق. ولكن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي. في الماضي، كانت مسألة النفوذ الإيراني مسألة خلافية، وأدت إلى انقسامات داخل التيار الصدري. وهكذا، فإن طهران على الأرجح لا تزال لديها القدرة على تقويض حركة «الصدر» من الداخل.

ومن المؤكد أن دعوة «الصدر» للسلطات العراقية إلى «مصادرة ترسانة كل الجماعات المسلحة»، قد أسعدت المضيفين السعوديين واعتبر ذلك تحد مباشر لموقف طهران التي ترى نفوذها على الحشد كوسيلة لتبقى نفوذها على السلطة الرئيسية في بغداد وداخل المنطقة، كما أن الحشد مفيد لإيران لأنه ساعدها على إبقاء «الأسد» في السلطة من خلال تجنيد ونشر المقاتلين بسرعة عندما كان هناك حاجة ماسة في سوريا.

كما أن الأكثر أهمية، هو أن نموذج الحشد الشعبي في نواح كثيرة هو صورة طبق الأصل من فيلق الحرس الثوري الإيراني، نظرا لأنه من بنات أفكار كل من الحرس الثوري والجنرال «قاسم سليماني»، قائد قوات القدس في الحرس الثوري. وفي إيران، يعد الحرس الثوري دولة داخل الدولة، وهو حكومة موازية تحركها المصالح التنظيمية السياسية والاقتصادية الضيقة. وهو يمارس هذه السلطة الهامة في إيران ويمكنه التهديد بإزالة رئيس منتخب، كما فعل مع «محمد خاتمي»، الذي كان في السلطة 1997-2005، كما يمكنه إرسال التحذيرات المتكررة، كما كان الحال مع الرئيس «حسن روحاني» في عدد من المناسبات.

إن حل نموذج الحشد الشعبي في العراق، سيمثل انتكاسة واضحة لطريقة العمل المفضلة للحرس الثوري الإيراني في توسيع نفوذه في المنطقة، سواء كان في بغداد أو دمشق. ولو قام العراق بحل الحشد، فإن ذلك يمكن أن يقوض صورة الحرس الثوري التي لا تقهر، التي تروج في الداخل لكسب التأييد من الشعب الإيراني.

يعرف «الصدر» بالتأكيد أن الهجوم على الحشد الشعبي يمثل تحديا صريحا لقوات الحرس الثوري الإيراني التي لن تتركه دون رد. والأسباب وراء قرار السير في هذا الطريق أنه يظل طريقا للمضاربة على علاقاته مع إيران على الرغم من أن طهران فوجئت من أحدث مناورة للصدر.

وبطبيعة الحال، فإن عملية فك ارتباط طهران عن الجماعات الشيعية العراقية ستكون صعبة بالنظر إلى العلاقات بين البلدين، والتي تمتد إلى عقود خلت. ومع ذلك، فإن قلق لطهران مستمر: لأن «الصدر» إذا استطاع أن يقف في وجه إيران، فإن مجموعات شيعية أخرى في بغداد يمكن أن تفعل ذلك أيضا.

المصدر | ألكس فاتنكا - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

إيران مقتدي الصدر السعودية شيعة العراق الحشد الشعبي