استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ما بعد الفتوى وسلطوية العلمانية

الأحد 20 أغسطس 2017 04:08 ص

أثارت دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى إيجاد صيغ قانونية تسمح بالمساواة بين المرأة والرجل في الإرث وإلغاء منشور صادر في 1973 يمنع المرأة التونسية من الزواج بغير مسلم، جدلاً واسعاً في تونس وخارجها لما تضمنته من حساسية دينية. هذا الجدل يتعلق بمفهوم العلمانية في سياقها العربي وعلاقتها بالتقاليد الدينية المستقرة في الوعي العام ومدى نجاحها في إحداث تغيير حقيقي في الوعي العربي العام يجعلها منتجاً ثقافياً، بدل أن تكون إرادة سلطة.

هذا إلى جانب أنه يثير التساؤل حول إدارة الشأن الديني وما إذا كانت الفتوى انتقلت إلى ما بعد النسق التقليدي لها. فالمابعدية مفهوم يشير إلى نسق فكري يسعى إلى إحداث تغيير في منهجية التفكير يختلف من شكل إلى آخر. ويلاحظ أن المابعدية في الفكر الغربي ارتبطت بفلسفة الحداثة في محاولة لاستدراك مخلفاتها المضرة بالفكر والمجتمع، وفق ما يرى منظرو ما بعد الحداثة والتي لم تتبن خطا بنائيا ولكن أخذت منحى تفكيكيا يسعى إلى تفكيك المنظومة الفكرية للحداثة من الأساس.

وفي المقابل ارتبط مصطلح المابعدية بالظاهرة الإسلامية، لجهة الاتفاق على إعادة قراءة الظاهرة، مع الاختلاف في منهجية هذه القراءة. فهي إن بدت تفكيكية في الحالة الغربية أصبحت بنائية في الحالة الإسلامية. ويشار هنا إلى السعي إلى نقد الظاهرة الإسلامية وتعاملها مع الواقع وحاجتها إلى تجديد منهجياتها الاجتماعية.

وتبدو تلك الدعوة وقد خرجت من كنف السلطة السياسية ولم تخرج من مؤسسات تنتمي إلى المجتمع المدني أو مؤسسة دينية، مع أنها تمس الشعائر الدينية المتعلقة بالميراث والزواج بالأساس، وبالتالي هي الأولى بهذه المبادرات التي تقع في مدار اهتماماتها. بل إن المؤسسة الدينية التونسية ارتضت أن تتلقى هذه الدعوات، لا أن ترسلها.

وتجلى ذلك في تعبير دار الإفتاء التونسية عن مساندتها دعوة السبسي، عبر بيان دعا إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والسماح للتونسيات بالزواج من أجانب غير مسلمين، بدعوى أن ذلك يدعم مكانة المرأة ويُفعّل مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، التي نادى بها الدين الإسلامي في قوله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف»، فضلاً عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين.

يبدو هذا الأمر خروجاً عن التقاليد العلمانية، باعتبار أن العلمانية في أحد معانيها تتمثل بحياد الدولة إزاء المسائل المتعلقة بالشأن الديني. العلمانية كما يرى جان مالينيون هي رأي في الدولة وليست رأياً في الدين. هذا إلى جانب أنها خروج عن التقاليد الدينية المستقرة تاريخياً والتي أوكلت إلى المؤسسة الدينية، بغض النظر عن شكلها في أحقية أن تكون المرجعية في الشؤون الدينية.

وحتى بعد ظهور الدولة القومية العربية احتفظت المؤسسة الدينية بهذا الحق رغم محاولات بعض السلطويات العربية سلبه، في مقابل أنظمة أخرى سعت إلى دعم هذا الاستحقاق بل اعتبرت تلك المؤسسة عنصراً أساسياً من عناصر ترسانتها المعنوية. فالمسار المدني للتغيير هو الحراك الاجتماعي الذي ينتج أفكاراً ورؤى يدور حولها نقاش تعبر عنه مؤسسات معنية بها داخل المجتمع المدني. يتحول الأمر بعد ذلك إلى صياغات تشريعية، خصوصاً إذا كان هذا التصور الجديد يتعلق بالثقافة المجتمعية. 

أما المسارات التي تسعى إلى التغيير المستند إلى السلطة من دون أن يكون مستنداً إلى الوعي الثقافي والاجتماعي، فإنها غالباً ما تدخل في صدامات مع الوعي الجمعي والذي وإن قبلها بإكراه السلطة فإنه يرفضها وجدانياً.

ويلاحظ أن العلمانية العربية تعاني مِن حالة اغتراب مجتمعي وحضور سلطوي نتيجة أن بعض توجهاتها يوظف جهوده لمواجهة المظاهر الدينية أكثر من الجهود التي تبذل في نماء الوعي بالحرية والعمل على مسار التنمية المجتمعية. فهذا الصدام يرى جان لاكروا أنه ليس من مقتضيات العلمانية، إذ يقول: «إن فكرة اللاييكية (العلمانية) ليست المقابل لفكرة الدين ولكنها تستدعي على الأقل التمييز بين ما هو دنيوي وما هو مقدس».

إلا أن أحد أسباب سوء الفهم المرتبط بالعلمانية في المجتمعات العربية يكمن في عدم وجود نسق ثقافي مؤسس خاص بها، الى جانب السعي إلى تطبيق النموذج العلماني التقليدي الغربي على المجتمعات العربية من دون الالتفات إلى الاختلاف في توزيع السلطة الاجتماعية والسياسية والعقدية بين المجتمعين.

العلمانية لم تكن في الغرب خطاباً واحداً نتيجة التأثر بخصوصيات المجتمعات الأوروبية، ما جعل البعض يتحدث عن علمانية مؤمنة، كما في النموذج الألماني والذي تأثر بتعاليم مارتن لوثر البروتستانتية.

وإذا كان مبرر العلمانية الفكري في سياقها التاريخي هو الخروج من كهنوت الدين، إلى الدولة المدنية، فإن محاولة السلطة التوغل في الشأن الديني هي نوع من ذلك الكهنوت الذي تسعى من خلاله إلى احتكار المجال الديني.

* حسن محمد شافعي كاتب مصري

  كلمات مفتاحية

العلمانية السلطوية المابعدية التفكيكية البنائية الحداثة المؤسسة الدينية المجتمع المدني احتكار المجال الديني