«علمانية العتيبة».. التناقض بين سياسة أبوظبي الداخلية وخطابها الخارجي

الأحد 20 أغسطس 2017 11:08 ص

أثار السفير الإماراتي في الولايات المتحدة بعض الاستغراب خلال مقابلة أجريت مؤخرا مع «تشارلي روز»، وبالحديث عن مشكلة دول المقاطعة مع قطر، أوضح «يوسف العتيبة» أنها مشكلة فلسفية أكثر من كونها خلافا دبلوماسيا.

وقال «العتيبة»: «إذا سألت دولة الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين عن نوع الشرق الأوسط الذي تريد أن تراه في 10 أعوام، فإن هذه الدول تريد حكومات علمانية قوية ومستقرة ومزدهرة»، ولكن مع وجود التاريخ القريب للسعوديين والإماراتيين، فإن حديث «العتيبة» عن دولة علمانية يبدو مخادعا، ووجهت لكلمات السفير انتقادات حادة من السعودية، وقد اعتبرت الأميرة «فهدة» - ابنة الراحل الملك فهد - تعليقات «العتيبة» مناهضة للمملكة وللإسلام.

بطبيعة الحال، لم تكن كلمات «العتيبة» موجهة إلى الجمهور السعودي، بل كانت مصممة خصيصا للمشاهدين الأمريكيين، وقد أصبحت العلاقات القوية مع واشنطن مركزية بالنسبة إلى أبوظبي في مسعاها لإنجاح مشروعها خارج مجلس التعاون الخليجي، وكسفير في الولايات المتحدة، كان «العتيبة» يحاول ترسيخ هذه العلاقات، وقد وجه نداء يخاطب الفكر الغربي لإقناع المشاهدين الأمريكيين بالشرعية السياسية في البلاد.

في الواقع، ومع ذلك، فإن الإمارات يمكن أن تتحدث بشكل متقطع عن مفهوم العلمانية دون أن تفعل شيئا عمليا يمكن أن يمس بشرعيتها في الداخل.

مخاطر العلمانية

يشكل القانون الشرعي أساسا للمجتمع الإماراتي، وعلاوة على ذلك، فإن الحفاظ عليه ضروري لضمان الاستقرار والتماسك الاجتماعي، ويعتمد البلد، الذي يعاني من حجم جغرافي صغير وتنوع قبلي، على الدين لتوحيد سكانه.

كما أن النشيد الوطني الإماراتي فيه إشادة بالتزام الشعب بالإسلام، لذا فإن إدخال عناصر علمانية في النظام السياسي لدولة الإمارات من شأنه أن يزعج توازن مجتمع البلاد، وقد قالت أميرة سعودية ردا على مقابلة «العتيبة» إن مجرد ذكر العلمانية يمكن أن يلهب الغضب.

ومن شأن فرض العلمانية أيضا أن يزرع بذور المشاركة السياسية في البلاد، تسير العلمانية والديمقراطية جنبا إلى جنب حيث تساهم في تمكين الحكومات بموافقة شعبية، وفي المقابل، فإنها تحول البلاد إلى بلاد يعرف فيها المواطنون واجباتهم ومسؤولياتهم وحقوقهم، بالنسبة للنظام الإماراتي، فإن الوعي السياسي يمثل مشكلة.

في أبوظبي، يحوز القادة قسطا كبيرا من ولاء السكان عبر الطاعة، وتفرض الحكومة رقابة صارمة على مواطنيها وتستخدم اليد الثقيلة عند التعامل مع المعارضة، في عام 2017، وحسب تقرير «هيومان ووتش» العالمي لحقوق الإنسان اتُهمت سلطات الدولة بممارسة «الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء معاملة المعتقلين».

وعلى الرغم من مركزية الإسلام في الإمارات، فقد نفذت على سبيل المثال تطويرات ناجحة في قطاع الخدمة العامة العلماني وحققت إنجازات دفعت قادتها إلى التباهي بها، وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تقول إن سياستها الخارجية تقوم على ثلاثة مبادئ: الحكمة والتوازن والاعتدال.

وقد كانت أبوظبي قادرة على اختبار هذه الاستراتيجية العملية خلال انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، عندما بدأت الحركات الإسلامية تكتسب زخما في جميع أنحاء المنطقة، وقد شكلت جماعات مثل «الإخوان المسلمون»، التي وصلت في نهاية المطاف إلى السلطة في مصر، تهديدا محتملا للنظام الإماراتي، ما دفع القادة إلى العمل ضدها، وقد اتخذت أبوظبي خطوات جريئة لتدمير جماعة «الإخوان المسلمون»، على الرغم من أنها تتمتع فقط بالقليل من التأييد الشعبي في دولة الإمارات، ولكنها فعلت ذلك لإخماد شعلة التغيير السياسي في المنطقة.

ومع ذلك، فإن تعزيز الاعتدال الديني واعتناق العلمانية أمران مختلفان، وفي الحقيقة، فإن الإسلام يعرف تيارات متسامحة دينيا، ولكنه اتجاه لا يعني بأي حال الاعتراف بالعلمانية، وقد لعبت دولة الإمارات دورا قياديا في ترسيخ أسس السلام الدولي منذ تولي الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» السلطة في عام 1971، وقد خصصت البلاد 600 مليون دولار لبناء المسجد الكبير في أبوظبي، وهو مشروع يصعب أن يجسد العلمانية.

إن العلمانية التي وصفها «العتيبة» مؤخرا هي نظام لا يمكن للأحزاب والقادة فيه استخدام الدين للإطاحة بالحكومة القائمة، ولكن السفير الإماراتي يعي بوضوح أيضا الاختلافات بين سياسات بلاده الداخلية والخارجية.

كما أن حديث «العتيبة» عن العلمانية ليس من داخل البلاد بل في بلد أجنبي حيث يوجد انطباع مختلف للجمهور المحلي، ومن جهة أخرى، فإن القادة في أبوظبي لم يأتوا حتى على ذكر العلمانية.

إن الإمارات لا تتطلع إلى نظام علماني وليس عندها القدرة على تحقيق أحد النماذج العلمانية الحالية للحكم، ولولا السرعة التي التقطت بها قناة «الجزيرة» هذه اللفظة الدعائية، لكان تصريح «العتيبة» مر دون أن يلاحظه أحد.

  كلمات مفتاحية

يوسف العتيبة الإمارات العلمانية