استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ربط الإسلام بالجريمة والإرهاب لا يخدم الغرب

الاثنين 21 أغسطس 2017 03:08 ص

العملية الإرهابية التي قام بها شاب «مسلم» الاسبوع الماضي بمدينة برشلونة الاسبانية تضاف إلى مسلسل الاعمال البشعة التي تستهدف البشر بدون تمييز، وهدفها إحداث اقصى قدر من الدمار والقتل. انه عمل عبثي لا يمكن ان يؤدي إلى نتائج ايجابية ابدا، بل إلى الشر المطلق الذي يمقته الله ورسوله ويرفضه الذوق البشري ولا تقره اية شريعة ارضية ام سماوية.

تكتسب هذه العملية الاجرامية اهمية ليس لأنها الوحيدة من نوعها في الاسابيع الاخيرة او لأنها اكثر تدميرا ودموية، بل لأنها وقعت في مدينة اوروبية تجذب الانظار وتحظى باهتمام اعلامي متميز. فقبلها بثلاثة ايام ارتكب الإرهابيون عملية اخرى بمدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو ادت لمقتل 18 شخصا. كما تزامن معه عملية إرهابية اخرى بمنطقة بيجي العراقية لقي فيها عشرة اشخاص مصرعهم. وبرغم ان الفاعل يكاد يكون واحدا (ربما مع اختلاف في التسمية والموقع الجغرافي) الا ان هناك تمييزا في التغطيات الاعلامية والمواقف السياسية ازاء كل منها. هذا التباين في المواقف يضيف لتعقيدات الموقف الدولي ويساهم سلبا في جهود التصدي لظاهرة الإرهاب. وهنا تجدر الاشارة إلى عدد من النقاط:

الأولى: أن الإرهاب ليس له دين او مذهب او هوية، بل هو شر مطلق يستهدف البشرية والانسانية بدون تمييز. ويمكن القول ان كافة الاديان والايديولوجيات السياسية ترفض العنف الاعمى ولا تسمح باستهداف البشر وقتلهم او التنكيل بهم. واذا وجد من يشذ عن تلك القاعدة فانه يحرف قيم الدين الذي ينتمي اليه ويتحرك ضد مبادئه. فليس هناك «إرهاب إسلامي» او «مسيحي» او «شيوعي». فمن يمارس القتل الجماعي عمدا بدون تمييز بين المذنب والبريء فانه يمارس إرهابا، حتى لو كان جيشا نظاميا. وقد سعى المسلمون، علماء ومفكرون ونشطاء، للنأي عن ظاهرة الإرهاب الذي يمارس باسم الدين، وأكدوا رفض الإسلام لكل ما يضرب الامن الاجتماعي ويسلب البشر حقهم في الامن والسلم. وتصطرع في اذهان الغربيين صورتان للإسلام. الاولى تمثلها قيمه ومبادئه وتحظى بقبول عام مع شيء من التحسس، واخرى مستوحاة من اجواء العنف والقتل العبثي الذي انتشر كظاهرة في السنوات الاخيرة. ويساهم الاعلام الغربي في ترويج الصور السلبية عن الاديان عموما والإسلام بشكل خاص ليكون ذلك مانعا من انتشار توسع ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب.

الثانية: ان الاهتمام الغربي بظاهرة الإرهاب ومصاديقه محكوم بقدر كبير من الانحياز والفئوية والانتقائية. فطاحونة الموت الإرهابية تحصد من ارواح المسلمين يوميا العشرات في العراق وسوريا وباكستان وافغانستان وبعض الدول الافريقيا. ولكن هذه الاعمال لا تحظى باهتمام سياسي او اعلامي يذكر، وفي احسن الاحوال تقتصر تغطيتها على خبر صغير في زاوية مغمورة. ويختلف الامر تماما حين يضرب الإرهاب هدفا غربيا.حينها تطرح القضية بمنطق آخر: إرهاب إسلامي يستهدف غير المسلمين. 

فالتحالف الجديد الذي اعلن الاسبوع الماضي بين تنظيم داعش وطالبان الباكستانية بهدف استهداف الشيعة في افغانستان تطور خطير وسيؤدي للمزيد من اعمال العنف والإرهاب. فلو كان الاهتمام الغربي ازاء ظاهرة الإرهاب جادا ومتوازنا لتمت دراسة هذا التطور وبذلت الجهود لمواجهته. 

ونتيجة لهذا التجاهل من جهة وتشتيت المشهد الجامع للإرهاب والاعتبارات الاقتصادية العديدة، ضعفت سياسات مواجهة الظاهرة. والاخطر من ذلك ان مشروع «الحرب ضد الإرهاب» الذي اطلقه الرئيس الامريكي الاسبق، جورج بوش الابن، فشل تماما، وبدلا من احتواء الظاهرة، ازدادت انتشارا.

الثالثة: ان ظاهرة الإرهاب الحالية توسعت لتضرب اهدافا في القارات الخمس بدون تمييز، فهي كاللوحة الكبيرة التي ترتبط اجزاؤها ببعض. فاذا عرض جانب صغير منها فقط فان المشهد يبقى ناقصا. ولكن عندما تستعرض كافة جوانب اللوحة يبدو المشهد متكاملا. بمعنى انه عندما يحدث عمل إرهابي في مدينة غربية فالمطلوب ان يربط ذلك بالاهداف الاخرى التي استهدفها الإرهاب. فحين تضرب لندن او باريس او بروكسيل او برشلونة فالمطلوب ان تعرض الصورة بما هي جزء من المشهد الكبير للظاهرة الإرهابية واماكن حدوثها. فحين يستهدف تنظيم داعش الإرهابي اهدافا غربية فان هذا التنظيم يستهدف في الوقت نفسه اهدافا إسلامية ايضا. فمثلا برغم تراجع العمليات الإرهابية في العراق عما كانت عليه في ذروتها قبل خمسة اعوام، فانها ما تزال تحصد أرواح المئات شهريا في بغداد والمدن الاخرى. وكذلك الأمر في سوريا وشبه القارة الهندية وبعض الدول الافريقية. فلو حظيت تلك الاعمال بتغطيات متماثلة لضعفت الصورة النمطية التي تهدف لاظهار ظاهرة الإرهاب وكأنها ممارسة يقوم بها المسلمون ضد غيرهم. فحين يدرك الغربي ان فكر التطرف والإرهاب لدى المنظمات المعروفة مثل داعش يستهدف الآخر السياسي والمذهبي والديني، فستتغير نظرته ويدرك الحقيقة التي تقول بان الإسلام كدين ليس هو صانع قرار استهداف الآخرين بالعنف العبثي.

رابعا: حين تحدث عملية إرهابية في الغرب يتكرر السيناريو نفسه: اتهام الإسلام بالإرهاب، تصعيد اللهجة ضد ظاهرة اللاجئين، التحشيد الاعلامي ضد الإسلام واستهداف المظاهر الإسلامية كالمساجد والمراكز والنساء المحجبات. والملاحظ هنا ان هناك مشروعا غربيا يظهر حينا ويتوارى اغلب الاحيان، يستهدف الإسلام كظاهرة ثقافية حضارية، بهدف الحد من انتشاره في المجتمعات الغربية. وتوفر اعمال الإرهاب ظروفا مؤاتية لذلك الاستهداف. وينجم عن ذلك اعمال عنف موجهة ضد المسلمين في المجتمعات الغربية. فبعد العمل الإرهابي في مانشستر، تضاعفت الاعتداءات على المسلمين خصوصا المرأة بحجابها المعروف. كما تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا للتخويف من الإسلام وتشويهه في نظر الغربيين. 

هذا برغم توافق علماء المسلمين على رفض ظاهرة الإرهاب وتأكيدهم مبادئ التفاهم والحوار وبث الامن في المجتمعات، ودعوتهم للتكامل في المجتمعات الغربية بين المسلمين وغيرهم بعيدا عن التكفير والتطرف. المشكلة ان من يخطط لاستهداف الإسلام بدوافع الحقد والتحسس، يختلف عن المتأثرين باعمال الإرهاب الذين ينطلقون في عدائهم للعنف من تجاربهم الشخصية. وقد اصبحت الإسلاموفوبيا مقلقة للمسلمين القاطنين في الدول الغربية.ولولا تنامي ظاهرة الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين لتوترت العلاقات الاجتماعية في هذه البلدان بوتائر اكبر. ويقدر للكنيسة تشجيعها الحوار الديني مع المسلمين الامر الذي يخفف من التطرف في معاداة اللاجئين. مع ذلك لا يكاد يمر يوم بدون حدوث جرائم كراهية ضد المسلمين.

خامسا: ان هناك تداخلا في المواقف الغربية ازاء ظاهرتي الإرهاب واللجوء. فكلاهما سبب للتحسس العام من الاجانب. فتثار القضية عندما تحدث جرائم إرهابية، وتثار كذلك حين تطرح مسألة اللجوء وتصاعد الهجرة باتجاه اوروبا. 

انه موقف مفهوم في جوهره ولكن المبالغة في عرضه وتسخير وسائل الاعلام للتصعيد ضد الإسلام يعمق ظاهرة التطرف الغربي التي تحدث مشاكل للغرب نفسه.

فحين يتردد الرئيس الامريكي في شجب التطرف اليميني بعد حوادث الشغب التي قام بها اليمينيون بمدينة شارلوتسفيل، فانه يبعث رسالة للعالم لا تبعث على الامن والطمأنينة. هذا التداخل له اسبابه التي من اهمها رفض الغرب التعامل الجاد مع اسبابهما، واصراره على الاستمرار في نهجه الداعم للاستبداد والاحتلال في العالم العربي.

في غياب التصدي للواقع الذي يشجع بروز ظواهر الهجرة واللجوء والإرهاب، فمن غير المتوقع تغير اوضاع العالم، او احتواء ظاهرة الإرهاب. 

فالغرب قادر على التصدي للتطرف والإرهاب ولكن بشرط وضوح المواقف والسياسات والتخلي عن عقلية الاستعلاء والاستكبار، وعدم التردد في التصدي للظواهر التي لا تنسجم مع المشروع الديمقراطي واحترام حقوق الانسان.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

  كلمات مفتاحية

الإسلام الإرهاب الغرب جريمة برشلونة التغطيات الاعلامية المواقف السياسية حقوق الإنسان الديمقراطية