«واشنطن بوست»: لماذا دخلت مصر إلى قلب النزاع الخليجي مع قطر؟

الأربعاء 23 أغسطس 2017 06:08 ص

تعد مصر المركز الأيديولوجي للخلاف القائم بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين.

ومنذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011، كانت مصر منطلقا للإصلاح السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكانت أيضا نقطة محورية للجهود التجريبية لدول الخليج بشأن ممارسة سياسات التدخل المالي والسياسي. فكيف يمكن لتبعات أزمة مجلس التعاون الخليجي الحالية على مصر أن تخبرنا الكثير عن المعايير الجديدة للتدخل الأجنبي، سواء كان اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا، في المنطقة.

الدعم الخليجي

قبل بدء مقاطعة قطر في يونيو/حزيران، كانت مصر ساحة تنافس رئيسية بين دول الخليج التي تتنافس على النفوذ الدولي. وفي حين دعمت قطر جماعة الإخوان المسلمين، دعمت السعودية والإمارات النظام العسكري للرئيس «عبدالفتاح السيسي».

وفي محاولة لتعزيز الاستقرار السياسي في مصر منذ انقلاب عام 2013، استخدمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عددا من الأدوات المالية، بما في ذلك الودائع في البنك المركزي المصري، والقروض طويلة الأجل، والمنح العينية من شحنات النفط والغاز، والوعود بالاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات مثل العقارات والزراعة.

وقد كان هناك بعض التقلبات في تدفق الدعم المالي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي إلى مصر على مدى الأعوام الأربع الماضية. وكان العام الماضي صعبا بوجه خاص على مصر، حيث سعت إلى الحصول على مساعدة من مصادر التمويل التقليدية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لمعالجة أزمتها المالية العامة، وتحقيق الاستقرار لعملتها. واستأنفت الإمارات والسعودية تدفقات الدعم مرة أخرى إلى مصر، في صورة استثمارات أجنبية مباشرة من كيانات تابعة للدولة، ولاسيما في قطاع العقارات.

ومع ذلك، فإن هذه المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبي لم يكن عملا خيريا، حتى في ما يتعلق بأولويات السياسة الخارجية كهدف. وكثيرا يكون التمويل الإماراتي خاصة من خلال أدوات الاستثمار التي تتألف من الموارد الخاصة للشخصيات العامة، والتي يمكن أن تفيد الدولة والكيانات التجارية ذات الصلة.

وفي الوقت الذي تتمتع فيه مصر بمكانة جغرافية وسياسية هامة، تظل مصالحها الاقتصادية مقسمة بصورة غير مستقرة بين أطراف نزاع مجلس التعاون الخليجي. وفي حين لم تعد هناك ديون مستحقة لقطر بالنسبة للقروض الممنوحة بعد عام 2011، بعد تسديدها عامي 2014 و2016، ستؤثر مدفوعات الديون المستحقة للدول الخليجية الأخرى بشدة على التزامات الإنفاق في الأعوام القادمة.

الغاز القطري

كما لا تزال مصر تعتمد على قطر في إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال. وخلف أسواق التصدير الرئيسية في آسيا والهند، تعد مصر هي المشتري الرئيسي للغاز الطبيعي المسال القطري. وقد تقلصت قدرة مصر على تلبية احتياجاتها من الطاقة بسبب العوائق والعقبات المالية. وأصبح الاعتماد على الغاز الطبيعي أزمة في عام 2014، عندما انخفض إنتاج الغاز المحلي بنسبة 22.3% عن مستويات عام 2009. وتوقفت عقود الاستكشاف الجديدة بعد انتفاضات عامي 2011 و2013، حيث زاد الطلب على إنتاج الكهرباء مع العدد المتزايد من السكان.

وقد قامت قطر بتصدير أكثر من 30% من إجمالي المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال عام 2016. ويعد أكبر عملائها في الشرق الأوسط الإمارات ومصر والأردن. ويتسبب نزاع قطر مع الإمارات ومصر الآن في التشكيك في استدامة تلك العلاقة التجارية.

وقد تكون سيطرة مصر على قناة السويس عاملا جيدا يضعها في موقع تحكم في تدفق الغاز الطبيعي القطري المسال إلى أوروبا، لكن سمعة مصر قد تتضرر أيضا إذا حاولت تعطيل تدفق التجارة عبر البوابة الدولية. وفي الوقت الراهن، وجدت مصر حلا وسطا، حيث تمنع السفن القطرية من التوقف على طول الطريق في موانئ مصر ومناطقها الاقتصادية، مع السماح بمرورها عبر القناة. وإذا تفاقمت أزمة مجلس التعاون الخليجي مع زيادة العقوبات التجارية على قطر وشركائها التجاريين، فإن العواقب الاقتصادية ستكون عالمية.

كما تعتبر مصر حالة اختبار لبعض إجراءات التقشف التي تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنفيذها في الداخل، على الرغم من كون خيارات دول مجلس التعاون الخليجي عموما أفضل بكثير مصر. وتمر مصر بتعديل هيكلي كامل، مع وجود عجز مالي كبير، ومشكلة تضخم متزايدة، ومثبطات للاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في البلاد. وتراقب دول مجلس التعاون الخليجي كيف سيؤثر تخفيض دعم القمح والبنزين على المجتمع المصري. وتبقى مصر حالة اختبار لكيفية استجابة المجتمع لآليات الحوكمة الاقتصادية بناء على إجراءات الدولة الأمنية القوية.

ويرى بعض الباحثين أن تكلفة الفرصة البديلة للإنفاق الحكومي على استهلاك الطاقة، في شكل دعم، تدعم الصناعات غير الفعالة على حساب المحافظ الحكومية الأخرى. ويعني مزيد من الإنفاق على الطاقة توفر أموال حكومية أقل للصحة والتعليم، اللذان يعدان استثمارا أفضل على المدى الطويل. ويواجه المصريون بطالة عالية، وعقبات أمام الإدماج الاقتصادي، خاصة بالنسبة للنساء. ولقد كان العمل في الخارج في دول مجلس التعاون الخليجي فرصة جيدة وضرورية للعديد من الأسر المصرية، على الرغم من أن المستقبل غير مؤكد بالنسبة للعاملين في قطر.

وفي الوقت الحالي، يبقى الاستثمار في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في مصر أولوية للسياسة الخارجية للإمارات والسعودية. وقد تستفيد الحكومات وصناع القرار من فرص التعلم الطبيعة من تجربة برنامج الإصلاح الاقتصادي المتنوع، الذي أصبح ضرورة ملحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتعود حقيقة النزاع بين قطر ودول الحصار الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، إلى النزاع حول ممارسات الاقتصاد الوطني. وتستخدم قطر مواردها الاقتصادية لدعم الحركات السياسية الإقليمية الشعبية، ويدعم خصومها الأنظمة الاستبدادية التي تبقي الدولة قوية. ومع الاتجاهات السياسية المختلفة، تختلف وجهات المنح والاستثمارات، الأمر الذي يجعل لديها القدرة على إعادة تشكيل الاقتصاد السياسي في المنطقة بأسرها.

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر قطر الغاز القطري قناة السويس الإمارات