الاكتظاظ السكاني في مصر فرصة أم تحد للتنمية الاقتصادية؟

الاثنين 4 سبتمبر 2017 09:09 ص

تعتبر مصر أكبر دولة عربية مكتظة بالسكان اذ بلغ عددهم 95 مليونا قبل أشهر. وترى الأمم المتحدة ان معدل الزيادة السنوية سيستقر على 2.18% للفترة 2010-2015، وهو ضمن المعدلات العالية عالميا، مع ذلك توجد معدلات أعلى منه في غالبية الدول الإفريقية.

وإدراكا من الحكومة المصرية لخطورة استمرار الزيادة العالية في السكان على جهود التنمية الاقتصادية، بدأت بحشد الوكالات الحكومية وغير الحكومية لحصر الزيادة السنوية في السكان حتى يصبح عددهم 112 مليونا في 2030 بدلا من 128 مليونا طبقا لمعدل الزيادة الحالية.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان مطلع الشهر الجاري عن خطة تتضمن تشجيع العائلات على الاكتفاء بولدين بدلا من أربعة في الوقت الحاضر. كما أرسلت الحكومة، كجزء من جهودها في هذا المجال، مسودة قانون إلى البرلمان تقلص عدد المرات التي تستطيع فيها المرأة الحصول على إجازة أمومة مدفوعة بالكامل من ثلاث مرات إلى مرتين.

كما اقترح بعض أعضاء البرلمان تقديم دعم غذائي للعائلات التي تكتفي بطفلين فقط. وسيصدر البرلمان قانونا يقدم حوافز لتحديد النسل تشمل إعفاءات ضريبية وإعانات على أجور المدارس. وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسي في إحدى خطبه الى أن الزيادة الكبيرة في السكان من أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري. وتساءل بعض المعنيين كيف تستطيع عملية التنمية أن تعطي ثمارا في دولة يزيد عدد سكانها مليوني شخص سنويا.

وتشير الأرقام الرسمية الى أن معدل الفقر في مصر هو 27.8%، بينما يقدر خبراء أن النسبة تصل إلى 34%، ويعيش معظم الفقراء في المناطق المحرومة والأرياف وينتمون إلى عائلات تتصف بزيادة عدد أفرادها الذي يصل في بعض الحالات إلى تسعة أولاد.

ويسود لدى هذه الطبقات اعتقاد بأن تحديد النسل محرم في الإسلام. لذلك يسعى علماء الدين وبعضهم من مؤسسة الأزهر إلى تثقيف الناس وتوعيتهم بأن الإسلام لا يؤيد الإجهاض ولكنه يوافق على تنظيم النسل.

طبقا لنمط الفجوتين Two-gap model، تعاني الدول النامية من تحديين أساسيين للتنمية:

الأول، الفجوة بين الادخار والاستثمار، بسبب ارتفاع الاستهلاك، بحيث يعجز الادخار المحلي عن تمويل الاستثمار.

الثاني، الفجوة بين الصادرات والواردات بحيث تعجز الأولى عن تلبية الحاجة المتزايدة للواردات.

وتصبح المشكلة أكبر وأكثر تعقيدا عندما تكون هناك زيادة كبيرة في السكان تستحوذ في استهلاكها على كل زيادة تحصل في الدخل ولا تبقي شيئا للادخار، كما تزيد الحاجة إلى الاستيراد الذي تعجز الصادرات المتواضعة عن تعويضه.

لكن هناك فئة أخرى في مصر ترى أن معدل النمو السكاني الحالي يمكن أن يكون عاملا إيجابيا في التنمية لا تحديا لها إذا ما تم استثماره جيدا.

فأكثر من نصف سكان مصر هم من الشباب الذين يعتبرون موردا طبيعيا مهما للنمو الاقتصادي لو استثمروا كما يجب. ويطالب أصحاب هذا الرأي بضرورة ربط نظام التعليم بسوق العمل، وتوفير التسهيلات التي تمكن الشباب من القيام بمشاريع تصب في تحقيق التنمية. وفي هذه الحالة يصبح السكان منتجا على درجة عالية من الأهلية وتصبح مصر بلدا مصدرا مثل الهند والصين.

وتنتقد هذه الفئة المسؤولين الذين يصرحون عن أخطار الزيادة السكانية في مصر بدلا من توجيه الجهود لتحويلها من نقمة إلى نعمة. ويضيفون أن اهتمام الحكومة المصرية بالاستثمار بالحجر وترك البشر هو الذي جعل من الزيادة السكانية في مصر تحديا للتنمية.

فدول مثل الصين والهند والبرازيل وأندونيسيا والفيليبين من أكبر دول العالم سكانا ولكنها لم تنظر إلى مواردها البشرية كعائق وإنما استفادت منها لرفع معدل التنمية. فالهند استثمرت الكثير في عدد سكانها الهائل من خلال التعليم والتدريب وبدأت تصدرهم إلى العالم كعلماء على مستوى عال من الحرفية والتعليم.

وتقترح هذه الفئة قيام وزارة الأشغال بفتح المصانع المغلقة لتشغيل العاطلين من العمل وقيام وزارة التعليم بتشجيع التعليم الفني حتى يكثر عدد العمال المهرة، وقيام وزارة الصحة بتوفير الرعاية الصحية للمواطنين حتى لا يعود عدد السكان الكبير في مصر طاقة مهدورة. فهذا أمر ضروري ومطلوب حتى في حالة سعي الحكومة إلى تقليص الزيادة السنوية العالية للسكان.

إن تجارب دول مثل الهند والصين والبرازيل وغيرها لا يمكن استنساخها من قبل دول أخرى مثل مصر إلا في حال تشابه الظروف، ولكن الأخيرة غير متشابهة. فالهند تمكنت من تقليص معدل نمو سكانها من 1.99% ستينات القرن الماضي إلى 1.26 في 2015 أي بأكثر من الثلث. ووفق تقديرات الأمم المتحدة للفترة 2010-2015 يبلغ معدل النمو السكاني السنوي في الصين 0.52% وفي البرازيل 0.91 وأندونيسيا 1.28.

وهذا يعني أن هذه الدول التي حققت إنجازات تنموية مهمة سيطرت في الوقت ذاته على معدل نمو السكان فيها. وليس سرا ان سياسة الطفل الواحد التي فرضتها الصين على شعبها على مدى عقود، أدت إلى انخفاض الزيادة السكانية السنوية فيها إلى المعدل المذكور.

هناك نقطة مهمة يجب عدم إهمالها وهي أن الميل الحدي إلى الاستهلاك (التغير في مقدار الاستهلاك نسبة إلى التغير في مقدار الدخل) يعتبر مرتفعا جدا في الدول العربية ومنها مصر.

وإن أية زيادة في عدد السكان تسبب ارتفاعا في الاستهلاك في شكل لا يبقي شيئا للادخار بينما تتميز دول مثل الصين والهند وأندونيسيا بانخفاض الميل الحدي إلى الاستهلاك ونزعة كبيرة للادخار، مع ذلك سيطرت حكومات هذه الدول على معدلات نمو السكان فيها وقلصتها إلى مستويات أقرب إلى الدول المتقدمة منها إلى الدول النامية حتى تمكنت من تحقيق نجاحات مشهودة لها في التنمية.

أن الاكتظاظ السكاني في مصر يعتبر تحديا كبيرا للتنمية ولا بد من السيطرة عليه خصوصا في غياب تكامل اقتصادي عربي يمكن الدول العربية من الاستفادة من الزيادة السكانية بطريقة إيجابية.

* ذكاء مخلص الخالدي - كاتبة اقتصادية

المصدر | ذكاء مخلص الخالدي - الحياة

  كلمات مفتاحية

الاكتظاظ السكاني مصر التنمية الاقتصادية معدل الزيادة السنوية الحكومة المصرية إجازة أمومة مدفوعة الميل الحدي للاستهلاك نمط الفجوتين