بالصور والأدلة.. ضحايا تصفية «أرض اللواء» بمصر «مختفون قسريا»

الاثنين 11 سبتمبر 2017 07:09 ص

لم تنجح وزارة الداخلية المصرية، في إقناع المراقبين والمتابعين، بالرواية المتداولة عن تصفية 10 من الشباب، أمس الأحد، خلال مداهمة شقتين سكنيتين في منطقة «أرض اللواء»، بمحافظة الجيزة، جنوب القاهرة.

التضارب كان سمة التغطية الإعلامية لعملية التصفية، التي باتت نهجا للأمن المصري، في التعامل مع معارضي الانقلاب العسكري منذ يوليو/تموز 2013، دون محاولة إلقاء القبض على عناصر تقول السلطات، إنهم قادمون من «شمال سيناء»، شمال شرقي البلاد، لتنفيذ عمليات إرهابية في قلب القاهرة.

ووسط تشكيك حقوقي في بيان وزارة الداخلية عن الواقعة، تعددت الروايات الصادرة عن مصادر أمنية، تقول إن الضحايا يتبعون تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتارة ينتمون لـ«حسم»، وتارة لـ«الإخوان»، لكن ظلت التساؤلات تطرح نفسها حول كيفية تجاوز تلك العناصر -حال صحة الرواية الرسمية- لأكمنة الجيش والشرطة في سيناء، والوصول إلى قلب العاصمة، في الوقت الذي تقول السلطات إنهم «مطلوبون على ذمة قضايا».

هناك تساؤل آخر يبدو منطقيا: كيف تسللت تلك العناصر أصلا إلى البؤرة الأكثر سخونة في مصر، والتي تخضع منذ سنوات لحصار مشدد بموجب حالة الطوارئ المفروضة في المحافظة منذ نحو 4 سنوات، وبطاقات الهوية التي كشفت عنها الوزارة تقول إنهم من قاطني محافظتي «الجيزة» و«القاهرة»؟

شهود عيان تحدثوا لـ«الخليج الجديد»، مشيرين إلى ملاحظة ملفتة للانتباه قد تنسف الرواية الرسمية من الأساس، وهي أنهم «لم يسمعوا أي انفجار لقنبلة أو لإطلاق نار»، في وقت زعم فيه بيان «الداخلية المصرية» أن أحد الضحايا فجر عبوة ناسفة لمنع قوات الأمن من دخول المبنى.

و«أرض اللواء» منطقة شعبية مكتظة سكانيا، وعادة ما يسهر المصريون خلال الصيف إلى الفجر، وليس من المنطقي أن تتم عملية أمنية كبيرة بهذا الحجم، دون أن يسمع بها أحد، ما يعزز فرضية الاتهامات القائلة بأن الضحايا كانوا من المعتقلين لدى الأمن المصري، وجرى إحضارهم لموقع المداهمة لتصفيتهم، وإخراج المشهد باعتبارهم قتلى خلال اشتباكات مع قوات الأمن.

أدلة التصفية

دليلان لافتان يعززان تلك الاتهامات، الأول البيان الرسمي ذاته، الذي أشار إلى «استمرار إطلاق أعيرة نارية تجاه القوات، لمدة أربع ساعات»، دون أن يسفر ذلك إلا عن «إصابة  3 ضباط و3 مجندين، من قوة قطاع الأمن المركزي وضابط من قوة قطاع الأمن الوطني، و2 من أفراد البحث الجنائي بمديرية أمن الجيزة، بكدمات وتم عمل الإسعافات اللازمة لهم».

عملية أمنية بهذا الحجم، من المفترض أنها تستهدف عناصر خطرة قادمة من «شمال سيناء»، وبحوزتها أسلحة آلية وحزام ناسف وكميات من المواد المتفجرة، وتستمر ساعات، دون أن يتكبد الأمن المصري أية خسائر، أمر مثير للتعجب والدهشة، خاصة أن الضحايا كانوا يقطنون الشقة الكائنة بالطابق الثالث، ما يعطيهم ميزة نوعية في التصدي لقوات الشرطة، وتكبيدها خسائر فادحة حال الاشتباك معها من موقع أعلى.

تحت عنوان «ملاحظات علي رواية الداخلية»، كتب وزير العدل المصري الأسبق، المستشار «أحمد سليمان»، عبر صفحته على «فيسبوك»، قائلا: «يبدو أن شيئا من الخجل أصاب الداخلية بعدما أصبحت رواية أن المجني عليهم قتلوا نتيجة تبادل إطلاق النار ودون إصابة أحد من أفرادها محل سخرية الشعب، فأرادوا تغيير سيناريو التصفية ولكنهم وقعوا في خطأ فادح، فقالوا إن بعض أفرادها أصيبوا نتيجة تبادل إطلاق النار بكدمات وجروح، وفاتهم أن هذه الإصابات لا تحدث من سلاح ناري».

وأضاف وزير العدل المصري الأسبق، مشككا في الرواية الرسمية: «كما قالت الداخلية إنه لم يتم التعرف على اثنين من المجني عليهم، لاحظ أن التحريات قالت إنهما إرهابيان ورغم ذلك لم تتعرف علي اسميهما».

لكن الدليل الثاني يبدد كثيرا من تلك الدهشة، أشار إليه مصدر أمني بمديرية أمن الجيزة، في تصريح نقلته صحيفة «اليوم السابع»، المعروفة بقربها من أجهزة أمنية وسيادية في البلاد، يقول المصدر، إن «مناظرة جثث قتلى (الخلية الإرهابية) البالغ عددهم 10 أشخاص الذين لقوا حتفهم خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة صباح الأحد تبين أنهم مصابون بأعيرة نارية بالرأس والبطن»، ما يعني أن الضحايا تم استهدافهم عن قرب وليس خلال اشتباكات كما تزعم الرواية الرسمية.

«خلية أرض اللواء»، وعلى غرار وقائع سابقة، غالبا ما تتعرض لتعتيم على تقارير الطب الشرعي بشأن جثث الضحايا، والتي يقول مراقبون للشأن المصري، إنها قد تكشف مقتل المستهدف تصفيتهم من مسافة صفر، ودون مقاومة للسلطات.

أيضا، في الأغلب، تنتهي مداهمات الأمن المصري بقتل المطلوبين، دون الإبقاء على جرحى، أو التمكن من القبض على أحدهم للكشف عن مصير باقي الخلايا المسلحة، وهو ما حدث في عملية «الأحد الدامي».

مختفون قسريا

البيان الرسمي بشأن الواقعة، كشف عن هوية 6 من الضحايا، أغلبهم  من الطلاب والشباب، وهم: «أكرم الأمير سالم محمد حرب (مواليد 1979/8/1 القاهرة ويقيم بحدائق حلوان/ فني حاسب آلي)، وعمر إبراهيم رمضان إبراهيم الديب (مواليد 1994/12/3 القاهرة ويقيم بها 103 شارع السباق/ مصر الجديدة– طالب)، معاذ أحمد يحيى أحمد (مواليد 1995/11/18 الجيزة ويقيم بها 10 شارع 3 مدينة النور/ إمبابة)، وحمزة هشام حسين إبراهيم (مواليد 1995/10/18 القاهرة ويقيم بها المطرية/ 3 شارع محمد سليمان/ عزبة شوقي– طالب بكلية الآداب بحلوان)، وشريف لطفي خليل عبدالعزيز (مواليد 1974/8/11 الجيزة ويقيم بها العجوزة/ ميدان لبنان/ 24 ش النيل الأبيض)، وخليل سيد خليل أحمد (مواليد 1990/12/11 الجيزة ويقيم بها ميت عقبة/ وادي النيل/ 8 ش محمود حبيش)».

ووفق تسجيل صوتي لوالد الضحية «عمر إبراهيم الديب»، فإن نجله الذي عاد لقضاء الإجازة في مصر، كان معتقلا لدى أجهزة الأمن في محافظة الجيزة، وقد يكون تعرض للقتل في أحد المقار الأمنية، وتم نقل جثته لشقة «أرض اللواء»، قائلا: أنا فخور إن ابني شهيد، وأتمنى أن أكون شهيدا معه، إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا قدر الله، وأنا راض بقضاء الله، صامدون على الحق وإن قتلونا جميعا».

و«عمر إبراهيم الديب» 22 عاما، طالب بكلية الإعلام بجامعة «مالتي ميديا» بماليزيا، وكان في إجازة لزيارة عائلته بمصر، وهو شقيق بطل الملاكمة «إسلام الديب» الذي توفي العام الماضي في حادث سيارة بماليزيا، ووالدهما الأكاديمي والمفكر المصري الدكتور «إبراهيم الديب» مدير مركز «هويتي» والأمين العام لمؤسسة «قرآني»، في كوالالمبور.

وغالبا ما تظهر روايات مغايرة تكذب بيانات السلطات الأمنية في مصر، وتقول إن من تمت تصفيتهم على يد «الداخلية» أو المقبوض عليهم مختفون قسريا منذ أشهر، وتم تلفيق تهم لهم بالضلوع في أعمال عنف وانتزاع اعترافات منهم بارتكابها تحت وطأة التعذيب.

وتنفذ وزارة الداخلية المصرية، وأجهزة سيادية أخرى، عمليات التصفية والاغتيال بحق مختفين قسريا تحت إشراف رئاسي مباشر، وبعلم من الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، كون الوزارة تخضع لإشراف مباشر من مستشار الرئيس المصري للشؤون الأمنية، اللواء «أحمد جمال الدين»، وسط تعتيم إعلامي كبير.

وزادت عمليات التصفية بحق معارضين، منذ تولي وزير الداخلية المصري الحالي، «مجدي عبد الغفار»، مهام منصبه في مارس/آذار 2015، لكن وتيرتها تسارعت عقب زيارة الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، قطاع «الأمن الوطني» (جهاز استخبارات داخلية)، مارس /آذار الماضي، معربا عن تقديره لجهود الأمن الوطني، وأجهزة وزارة الداخلية، لدورهم الذي يقومون به في حماية الدولة، وتعهده بتقديم كل الدعم للقطاع، لرفع قدراته على مواجهة التحديات، وعلى رأسها الإرهاب.

وتأتي عملية التصفية بعد أيام، من تقرير مروع أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، مؤكدة «توقيف 60 ألف شخص على الأقل منذ انقلاب 3 من يوليو/ تموز 2013، كما تم إنشاء 19 سجنا جديدا خلال الفترة ذاتها لاستيعاب هذه الأعداد».

وعرضت المنظمة شهادات 19 سجينا سابقا «تعرضوا لأساليب من التعذيب ما بين عامي 2014 و2016 تضمنت الضرب والصعق الكهربائي والاغتصاب»، قائلة إن «التعذيب الشائع في مصر يشكل جريمة محتملة ضد الإنسانية بسبب انتشاره وممارسته بشكل ممنهج».

والشهر الماضي، وثق تقرير صادر عن منظمتي «الشهاب لحقوق الإنسان» و«العدالة لحقوق الإنسان» (غير حكوميتين)، بعنوان «العام الرابع»، مقتل «ألفين و441 حالة قتل خارج نطاق القانون، و880 حكم بالإعدام، تم تنفيذ الحكم على 8 منهم في 3 قضايا مختلفة» في مصر.

  كلمات مفتاحية

مصر خلية أرض اللواء وزارة الداخلية المصرية إبراهيم الديب الاختفاء القسري

تقرير حقوقي: تصفية 135 مصريا خلال 6 أشهر

«الإخوان»: قوات الأمن قامت بتصفية 7 معارضين ومثلت بجثثهم