استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لماذا يشيح العالم بوجهه بعيدا عن مأساة الروهينغا؟

الأربعاء 20 سبتمبر 2017 04:09 ص

بوسعي أن أدبج الكلمات القادمة في قدح حكومات الدول الكبرى التي لم تحرك ساكنا لإنقاذ أقلية الروهينغا المسلمة من التصفية العرقية التي تنفذها بحقها حكومة ميانمار (بورما).

ولن أعدم من العبارات ما يمكنني من توجيه الاتهام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لحكومة ميانمار، وهو اتهام مشروع في ضوء الحقائق المتوفرة والمتداولة عالميا، أو من مطالبة حكومات البلدان الإسلامية ومؤسساتها الدينية الرسمية بالنشاط الدبلوماسي والإغاثي لمساعدة الأقلية المضطهدة.

كذلك ليس بعسير بالنظر إلى مقالات الرأي التي تنشر هذه الأيام في الصحف الغربية والعربية حول مأساة الروهينغا وتحذر من خطر تحول شبابهم إلى وقود «لداعش جديدة» ولموجة جديدة من الإرهاب والتطرف ستضرب شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.

ليس بعسير أن أضيف إليهم مقالا يذكر بالتحليلات الحاضرة في البحث الأكاديمي حول الإرهاب والتي تجمع على وجود علاقة ارتباطية بين التعرض للاضطهاد والعنف والتمييز، وبين تبني الأفكار والأفعال المتطرفة والنزوع لاستخدام العنف كرد فعل وآلية انتقامية/ تعويضية، خاصة من قبل الشباب.

في الجوهر، لا تختلف التصفية العرقية التي تواجهها اليوم أقلية الروهينغا عن جرائم التصفية العرقية التي شهدتها منطقة البلقان الأوروبية في تسعينات القرن العشرين، وتهدد إن ترك جنرالات حكومة ميانمار وشأنهم بأن تصبح إبادة عرقية ممنهجة تتشابه مع مذابح رواندا وبوروندي التي أدمت القارة الأفريقية أيضا في تسعينات القرن الماضي.

في البلقان كما في رواندا وبوروندي، تدخلت الدول الكبرى (الغربية في المقام الأول) دبلوماسيا ثم عسكريا لإنقاذ المضطهدين ووضع نهاية للعنف.

بالقطع، تعددت دوافع التدخل الأمريكي والأوروبي الغربي في البلقان وحضرت المصالح الاستراتيجية في حسابات الحكومات التي حركت جيوشها باتجاه يوغسلافيا السابقة.

في رواندا وبوروندي، لم يغب تماما بعض اعتبارات الماضي الاستعماري وبعض المصالح الاقتصادية والسياسية عن قائمة دوافع الغرب للتدخل لإيقاف الإبادة العرقية هناك.

غير أن الحقيقة المؤكدة، وكما وثقتها مذكرات لفيف من صناع القرار في الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية الغربية آنذاك، هي أن الاعتبارات الإنسانية المتمثلة في إنقاذ مضطهدين ضعفاء والانتصار لحقهم في الحياة والأمن في وجه جرائم التصفية والإبادة والعنف كانت حاسمة في دفع الغرب إلى التدخل العسكري.

وعلى ذات القدر من الأهمية كان تبلور رأي عام أمريكي وأوروبي يرفض أن يترك مسلمو البلقان في وجه الآلة العسكرية الصربية دون حماية دولية، أو أن تتواصل إبادة أقلية التوتسي والجرائم المفزعة التي ارتكبت بحق النساء والأطفال والعجائز دون أن تسعى الحكومات صاحبة الجيوش المدججة بالقطع العسكرية لإيقافها.

فأين ذهبت الاعتبارات الإنسانية في حسابات الحكومات الغربية الحالية وهي تنظر إلى الجرائم المرتكبة بحق أقلية الروهينغا في ميانمار؟

ولماذا يخفت اهتمام الرأي العالمي الأمريكي والأوروبي بالأمر إذا ما قورن بجرائم التسعينات في البلقان وفي رواندا وبوروندي، على الرغم من كون مأساة الروهينغا لم تبدأ بالأمس القريب؟

لدي طيف من التفسيرات الممكنة لتلك الاستقالة الدولية من حماية الروهينغا، والامتناع عن الضغط الفعال على جنرالات حكومة ميانمار لكف عنفهم عن أقلية تقتل وتحرق منازلها وتطرد من بلاد سكنتها منذ عقود طويلة وتنتمي إلى نسيجها المجتمعي.

لست في طرح التفسيرات هذه بباحث عن مبررات أخلاقية أو سياسية للاستقالة الدولية المخزية من حماية الروهينغا، بل أطرحها لكي نرى الدرك الأسفل الذي بلغته حكومات الدول الكبرى المتحكمة في مصير الإنسانية المعاصرة، وحتى ندرك أن البدائل الواقعية المتاحة لنا كمواطنين ومجتمعات مدنية لإنقاذ المضطهدين والتضامن معهم بعيدا عن الحكومات لا تتعدى توثيق ما يرتكب بحقهم من جرائم والتوعية بحتمية مساءلة ومحاسبة المتورطين وإن طال الزمن فضلا عن التضامن الإنساني بالمعنى الإغاثي.

التفسير الأول هو أن الحكومات في واشنطن والعواصم الأوروبية الرئيسية والعواصم العالمية المهمة لديها من الأزمات المتراكمة ما يشغلها عن الاهتمام الجاد بمأساة الروهينغا، ويدفعها من ثم بعيدا عن التدخل لحمايتها.

على رأس قائمة الأزمات تأتي أمور كالخطر النووي الذي تطرحه حكومة كوريا الشمالية على الغرب والعالم، والإرهاب المتأسلم الذي يضرب الغرب والشرق، والحروب الأهلية المتفجرة في سوريا وليبيا واليمن وبقاياها المستمرة في العراق.

مع قائمة كتلك تختلف الأوضاع العالمية عن «السلم والاستقرار» النسبيين اللذين حضرا في عقد التسعينات في أعقاب انتهاء الحرب الباردة واندثار خطوط الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي باختفاء الأخير.

التفسير الثاني يرتبط بكون الحكومات الغربية، في واشنطن والعواصم الأوروبية الرئيسية، يعلو بداخلها اليوم الوزن السياسي للقوى الشعبوية (واشنطن ولندن) أو على الأقل تواجه داخل أروقتها خطر صعود القوى الشعبوية وأجنداتها الكارهة للآخر وللغريب وللتدخل الخارجي والمتبنية لرؤى وطنية ضيقة (من قبيل أمريكا أولا).

في أجواء كهذه يستحيل الاهتمام الفعال بجرائم التصفية العرقية لأقلية تسكن بعيدا في آسيا أو يكتفي الجميع بعبارات الإدانة الدبلوماسية وبإرسال المساعدات الإنسانية إلى حيث يطرد المساكين المضطهدين من الروهينغا.

ثم لدي تفسير ثالث يتعامل مع غياب تفاعل الرأي العام الأمريكي والأوروبي، وبالتبعية العالمي، مع مأساة الروهينغا؛ تفسيري يقول إن الرأي العام في الغرب وبعيدا عنه تابع خلال السنوات القليلة الماضية وعلى شاشات التلفاز وعبر الوسائط الإعلامية المتنوعة من المآسي الإنسانية في سوريا وليبيا واليمن والعراق وفي بلدان أخرى، وأيضا على شواطئ المتوسط ما حصنه سلبيا ضد التفاعل مع التصفية العرقية لمسلمي الروهينغا.

المشاهد تتكرر، ومن ضمنها المشاهد المفزعة للقتل والحرق والدمار والعنف، ومع تكررها يحصن الناس عقولهم وضمائرهم ومن قبلها حواسهم ضد التعاطف والتضامن مع المضطهدين لكونها لا تكفي أبدا لوضع حد لجنون الإنسانية المعاصرة.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة عضو مجلس الشعب السابق.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مأساة الروهينغيا حكومات الدول الكبرى ميانمار التصفية العرقية جرائم ضد الإنسانية البلدان الإسلاميةالصحافة الغربية والعربية «داعش جديدة» الإرهاب والتطرف الاضطهاد والعنف والتمييز الأفكار والأفعال المتطرفة آلية انتقامية/ تعويضية