نقاش حول تراجع مطالب الثورة المصرية

الخميس 5 فبراير 2015 06:02 ص

أربعة أعوام شهدت فيها مصر تطورات عدة على الصعيد السياسي، بعض الانتصارات وكثير من الانتكاسات. يرى كثيرون أن الثورة تعيش الآن في مرحلة الهزيمة، فالمطالب العريضة التي انطلقت في كانون الثاني/ يناير 2011 من "عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة انسانية"، قد ذهبت مع رياح الحكم العسكري الحالي. اختفت هذه المطالب وبات المطلب الوحيد أو الأهم الآن هو الإفراج عن المعتقلين. ربما يكون الأمر طبيعيا، خاصة وأنه وفقا لتقديرات حقوقية فهناك ما يقارب الأربعين ألف معتقلة ومعتقل سياسي في مصر.

من مبارك إلى السيسي

بعد أن نجحت الموجة الثورية الأولى في خلع مبارك، سيطر المجلس العسكري على السلطة مماطلا في تسليمها للمدنيين حتى مع اجراء الانتخابات البرلمانية نهاية 2011. وقمع المجلس العسكري الثورة، وقتلت قوات الداخلية والجيش العشرات من المتظاهرين في أحداث مختلفة، من فض عنيف لميدان التحرير، إلى أحداث ماسبيرو ثم أحداث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء على امتداد 2011، وصولا إلى أحداث بورسعيد في شباط/فبراير 2012. كان مطلب الثورة الرئيسي آنذاك، وحتى منتصف 2012 ، مع إجراء الانتخابات الرئاسية، هو تسليم السلطة وإنهاء حكم العسكر. 

تعالت الاصوات بعد شهور قليلة من تولي مرسي للرئاسة، واستحواذه وجماعته على السلطة، وإقصاء كافة التيارات السياسية المدنية، خاصة في عملية كتابة الدستور، وقمعه للحريات وللمتظاهرين في أحداث محمد محمود الثانية، ثم في أحداث الإتحادية في نهاية 2012... تعالت أصوات إذاً مطالبة بإنهاء حكم الأخوان.

وبدأت مع هذه الموجة الثورية الثانية (؟!) في حزيران/يونيو 2013 لإسقاط النظام، فتدخلت القوات المسلحة وقامت بخلع مرسي تمهيدا لاستعادة الحكم. وقدمت وجها جديدا هو الجنرال السيسي واعتمدت طريقة "ديمقراطية" تمر بالانتخابات.

بعد ذلك سقط المئات من القتلى واعتقل الآلاف تحت دعاوى محاربة الإرهاب، ووقع قمع شديد للحريات وللمعارضة، ووتقرر الإفراج عن رموز النظام القديم. انسحقت الثورة بين المطالبين بعودة مرسي (وما يسمونه "الشرعية") وبين نظام السيسي ومؤيديه..

تراجع للمطالب أم تراجع للقوة الفاعلة؟

يرى خالد عبد الحميد عضو حملة "الحرية للجدعان" و"جبهة طريق الثورة" أن مطالب 2011، مثل القصاص للشهداء وتطهير القضاء، كما المطلب الأهم وهو إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتوفر حوله إجماع، لم تتحقق لأن القوى السياسية لم تعمل عليها على الرغم من أن توازن القوى كان في صالحها. وحين وصل الأخوان للحكم عبر البرلمان أرادوا أن يرثوا دولة الاستبداد وليس تغييرها، ولذلك وحين قدمت لهم مشروعات قوانين للعدالة الانتقالية وتطهير وزارة الداخلية لم يستجيبوا لها.

وفي 2012، انقسمت خلفية المطالبة باسقاط حكم الاخوان، فالثوار تعاملوا مع الأخوان باعتبارهم سلطة أتت بعد ثورة ولم تنفذ مطالب الثورة، بينما تعامل مؤيدو النظام القديم معهم باعتبارهم ثورة ولذلك أرادوا اسقاطهم. يرى عبد الحميد أن الثورة انهزمت لأنه لم يعد هناك مئات الآلاف في الشوارع، ومع ذلك كانت هتافات الثورة من "الداخلية بلطجية" الى"الشعب يريد إسقاط النظام"، تنطلق حتى في تجمعات صغيرة للمتظاهرين.

ثم تحول المطلب للإفراج عن المعتقلين بعد اصدار قانون التظاهر وتبعاته. ويرى عبد الحميد المطلب الاخر طبيعيا وملحا حتى لو لم يحقق نجاحا حتى الآن، فهناك معتقلي الجواب، والسحور، والعزاء، والشال، وصفحات الفيسبوك.. في اشارة منه لحجم الاعتقالات العشوائية. يستطرد عبد الحميد: "الناس محبطة جدا والخطاب السياسي حاد، والشعور بالهزيمة جعل المطالب تنحصر في أهداف صغيرة تسميها السلطة المطالب الفئوية لتشويهها".

مالك مصطفى، كاتب واحد الفاعلين البارزين في الثورة المصرية، يرى أن سبب التراجع هو أن المطالب العريضة في 2011، وخاصة مطلب إعادة هيكلة الداخلية لم يكن معد له جيدا، وأن غالبية المطالب العريضة كانت بلا آليات للتنفيذ، كما أن البدائل التي طرحتها الثورة لم يتم السعي لها بشكل واضح خلال عامي 2011 و2012، مثل مطلب تسليم السلطة وقبله مطلب المجلس الرئاسي المدني.

يستطرد مصطفى أن التيارات السياسية الكبيرة انشغلت بالسعي للسلطة، وهذا جعل كثير من الثوار يفقدون الثقة فيهم وفي التغيير، وينفضون من حولهم. أما لحظة 30 يونيو فيصفها بالمربِكة، وكانت لحظة لانشقاق الصف.

انقسم الثوار بعد ذلك بين مرهقين ومكتئبين أو مهاجرين للخارج، ولم يتبق سوى مجموعة صغيرة للغاية تعتقل على يد سلطة ديكتاتورية. أما هالة جلال، وهي مخرجة سينمائية ومهتمة بالشأن العام، فترى أن الوصف الدقيق ليس تراجع المطالب لأن الظلم لم يتراجع، بل تراجع القدرة على المطالبة بها بسبب الخوف من بطش السلطة المتزايد.

فمن كان لديه الاستعداد للمخاطرة ومواجهة البطش والتظاهر في "يناير 2011" كان يرى أن احتمالات نجاحه تصل إلى 50 في المئة بينما النسبة الأخرى تؤشر لاحتمال اعتقاله أو استشهاده. أما الأن فالتظاهر يعني القتل أو الاعتقال.

من يتحمل المسئولية؟

يرى مصطفى أن السيسي يتبع خطوات دكتاتورية مثلما تصفها الكتب، فهو يمنع كل التحركات بالشارع لكسر إرادة الثوار والثورة، رغم ادعاءه بأن شرعيته هي ثورة 25 يناير. ويعتبر أن على الثورة مسئولية حتى وإن كانت جزئية، بسبب الانقسام وغياب النقد الذاتي وعدم الإعداد والاستعداد لتنفيذ المطالب والاتجاه للتفاوض مع السلطة، إلا أنها تظل الضحية أمام نظام يقتل ويقمع ويعتقل.

يفرق مصطفى بين معتقلي الثورة ومعتقلي الإخوان، موضحا أن معسكر الثورة هو المعسكر الذي لا يحمل دماء على يديه مثل معسكري السيسي والإخوان، اللذان يتبادلان العداء ويتصارعان على السلطة وليس حول مبادئ الثورة من حرية وعدل وكرامة. بينما يرى عبد الحميد أن ازدياد سطوة استبداد السلطة مدعوما بالموقف الخارجي، خاصة من السعودية والإمارات.. ويخلص أن أحداً لم يكن على قدر مسئولية الملايين الذين كانوا في الشوارع، وانه لم يكن هناك تنظيم سياسي ناجح.

تحمل هالة جلال السلطة المسئولية كاملة، فالبطش المتزايد منذ عهد المجلس العسكري وصولا إلى تغول سلطة السيسي الحالية، هو المسئول عن تراجع القدرة على المطالبة بمطالب الثورة، وحتى وإن كان للثوار أخطاء، فهم في النهاية لا يبحثون سوى عن العدالة والحرية، ولا يمكن وضع الجاني والضحية في جملة واحدة، ومن ثم تحميل الضحية أي مسئولية أمام الرصاص والسجن. وتضيف "اللي قتل مش زي اللي برّر مش زي اللي سكت مش زي اللي راح يموّت نفسه دفاعا عن بنت بتضرب على إيد قوات الأمن".

وتستكمل أنه هناك مسافة بين الثائر غير المنظم، والثائر المنظم، والسياسي، والسلطة، ولا تجوز محاسبتهم بالقدر نفسه، فالأحزاب السياسية على سبيل المثال تخاذلت في الضغط من أجل الإفراج عن أعضائها المعتقلين.

تختم بأن السلطة الحالية كان من الممكن لها أن تتفاوض على مطالب المتظاهرين، مثلما تفعل سلطات عدة في العالم، وألاّ تطلق عليهم الرصاص، أو تعتقلهم لسنوات بموجب قانون غير دستوري، أو تصدر أحكاما بالإعدام تصل إلى 500 حكم... لذلك وأمام هذا البطش، فلا يمكن لأحد أن يتحمل مسئولية الدماء ويدعو للتظاهر".

لكن عبد الحميد يرى أن السيسي، مثلما قرر أن يوقف الثورة والتظاهرات أوقف كل شئ آخر. فأداء الداخلية الهستيري أوقف الاستثمارات. ويرى مصطفى أن هذه السلطة ستنهار لأنها قائمة على التبعية.. ولأن اقتصادها منهار وبنيتها التحتية منهارة، إلى جانب عودة الشرطة لقمعها السابق.

والحل في رأيه الاتفاق على مراجعة أخطاء الثورة في السنوات الماضية كإنشاء تكتلات سياسية كثيرة، وتجاهل وضع آليات لتنفيذ أهداف ومطالب الثورة، والتفاوض مع السلطة... بينما ينتهي عبد الحميد إلى أنه لا أمل إلا في تنظيم سياسي يدافع عن الثورة، على الرغم من صعوبته في اللحظة الحالية، ولكنه يمكن التعلم من تجارب السنوات الماضية.

 

* هدير المهدوي صحافية وباحثة من مصر

المصدر | هدير المهدوي، السفير العربي

  كلمات مفتاحية

مصر ثورة يناير مطالب الثورة عيش حرية عدالة اجتماعية الإفراج المعتقلون أخطاء الثورة التظاهر

هكذا تنهار الدول والجماعات الوطنية

حصاد «السيسي»: سراب الاستقرار وتنامي الاضطراب