التهريب والسوق السوداء وضعف الرقابة يهددون منظومة رفاهية الوقود في السعودية

الاثنين 16 فبراير 2015 10:02 ص

دائما ما ينظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها دولة الرفاهية، من ناحية توفر الوقود وكافة المشتقات النفطية وكذلك الغاز ، ووجود كميات كبيرة في الأسواق بشكل دائم تلبي احتياجات جميع المستهلكين ،سواء المواطنين السعوديين أو المقيمين الوافدين، وبأسعار متدنية بفضل الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة لمختلف أنواع المحروقات، حتى أن فاتورة الدعم بلغت حوالي 200 مليار ريال (50 مليار دولار) سنويا وفق آخر رصد لمنظمة الطاقة العالمية لعام 2014.

 ولكن يبدو أن منظومة رفاهية الطاقة والوقود في المملكة اهتزت فجأة، واستيقظ المستهلكون على أزمة طاحنة في أسطوانات غاز البوتاجاز تمثلت في نقص شديد في المعروض منها بالأسواق، وجاءت الأزمة بشكل أبرز وأكثر وضوحا في مدينة جدة التي تعج بالسكان والنشاط الاقتصادي والتجاري، وأشارت أصابع الاتهام إلى نقص الامدادات من الشركة المنتجة ووجود مافيا للتهريب إلى السوق السوداء.

نقص إمدادات الغاز

أزمة نقص أسطوانات الغاز في المملكة  وخاصة في جدة وصلت إلى حد قيام العديد من مستودعات بيع الغاز بإغلاق أبوابها عدة أيام، فيما شهدت المحال التي أسعفها الدور في الحصول على حصتها من الإمداد زحاماً وتخاطفاً للكميات التي وصلت اليها، وفيما كان هناك العديد من المنتظرين أمام مستودع لتجزئة الغاز في حي الوزيرية جنوب جدة، أكد عدد منهم أن انتظارهم جاء بناء على وعد عن قرب وصول شاحنة متوسطة الحجم، مؤكدين أن نقاط البيع لا تستطيع البيع لهم بزيادة على التسعيرة المقررة والمفروضة على محال تجزئة الغاز، وهي 15 ريالا وفي بعض الأحيان 16 ريالا للحجم العادي، فيما لا يزال هناك بعض المنتفعين من مستغلي تأخر  وشح وصول الغاز لمواقع البيع بالتجزئة، والذين شكلوا سوقاً سوداء تضاعف فيها سعر  الأسطوانة مرات ومرات .

شركة الغاز والتصنيع الأهلية، كانت قد أصدرت بيانا توضيحيا يفيد بتمديدها ساعات العمل لمواجهة الأزمة، ويؤكد التزام الشركة بنفس معدلات الإنتاج المعتادة وهو ما يخالف الواقع المشاهد ميدانيا، وعلى صعيد آخر شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداولاً لشكاوى بثها مجموعة من الموظفين الذين يتهمون الشركة، بفصلهم من العمل، ويدعون أن تقليص الشركة للأيدي العاملة، هو السبب في الأزمة، بحسب صحيفة «الرياض».

وكان المدير التنفيذي الجديد لشركة الغاز والتصنيع الدكتور «إياس الهاجري»، الذي تم تعيينه بعد انتهاء تكليف رئيس مجلس الإدارة «سلمان بن محمد حسن الجشي» بمهام العضو المنتدب وبقائه في منصب رئيس مجلس الادارة، قد عزا سبب مشكلة الغاز إلى نقص الإمدادات التي ترد من محطتي شركة «أرامكو » بينبع والقطيف حيث تراجعت مستويات التغذية من محطة ينبع، وهو ما أثر على حجم الإنتاج واستدعى طلب دعم إضافي من محطة القطيف لتغطية نقص الاحتياج، لكن بعد المسافة بين جدة والقطيف وحالة الضباب التي سادت يومين – خلال الأزمة- قد أثرت على التوريد في ظل بطء حركة الشاحنات الناقلة للغاز.

وأخيرا، بدأت أزمة الغاز في الانحسار تدريجيًا مع توفر كميات من أسطوانات الغاز في عدد كبير من المحلات المختصة ببيعه بمدينة جدة، في ظل تناقص الطوابير والطلب عليها.

وقال« زاهر الزهراني»،مالك محل غاز : «وصلت كمية ممتازة من أسطوانات الغاز  وقمت بتوزيعها مبكرًا على طالبي الغاز، ولم تنته هذه الكمية إلا قبل العصر بلحظات»، منوهًا أن عدد أسطوانات الغاز التي وصلت له تبلغ 120 أسطوانة غاز، مشيرًا أن الأزمة بدأت في الانحسار وعدد من المحلات فتح أبوابها للعمل بعد أن تم تموينها بالغاز، مشيرًا إلى أن عددا من المحلات ما زالت مغلقة حتى اليوم، وهذا يؤكد أن الكميات التي نزلت في السوق قليلة وليست بحجم الطلب إلا أنها أفضل من الكميات خلال الأسبوعين الماضيين، مع وعود بزيادة في نسب توزيع الأسطوانات على المحلات في الأيام المقبلة، بحسب صحيفة المدينة.

تلاعب وتهريب 

أصابع الاتهام أشارت إلى الفساد والإهمال ومافيا التهريب وضعف الرقابة وتلاعب الموظفين، وخاصة في كبرى شركات إنتاج النفط ومشتقاته وهي شركة «أرامكو »، وجاء الاتهام على لسان رئيس اللجنة الوطنية للنقل البري بمجلس الغرف التجارية «بندر الجابري»، الذي كشف عن أساليب عدة يستخدمها المهربون في تهريب أغلى منتجات المملكة إلى الخارج، مبينا أن الخسائر التي تتعرض لها البلاد تفوق الـ100 مليار سنويا، مؤكدا في الوقت ذاته أن هناك تهاونا من قبل بعض موظفي مصفاة الرياض التابعة لشركة «أرامكو» من خلال تسترهم على المخالفين، مشيرا إلى أن عملية خلط الديزل مع الزيت تجري عند أسوار المصفاة دون حسيب أو  رقيب، لتذهب تلك الشحنات بثروات المملكة إلى الدول المجاورة، لافتا إلى أن هناك جهات حكومية تتهاون في معاقبة المخالفين بحزم،بحسب حواره مع جريدة الوطن السعودية

وأوضح «الجابري» أن طريقة التهريب تأتي من طرق عدة بداية من عملية الشراء سواء من قبل الناقل أو المستهلك أو الموزع ليقوم بدوره بتوزيعها على المحطات الواقعة في الجوف أو الرياض أو القصيم وغيرها، وبعد ذلك يستغل المنتج البعض من ضعاف نفوس الذين يوجد بينهم وبين الشركات الأجنبية اتفاقيات لبيعها بأسعار مغرية وبقيمة لا تتجاوز 21 هللة لكل لتر لتقوم الشركة المهربة بدورها في الخلط مع منتجات أخرى مثل الزيت وغيره من خلال مصانع مجاورة لمصافي شركة «أرامكو » سواء في الرياض أو الشرقية أو جدة لكي يتم بيعه خارجيا، سواء في دبي أو الأردن أو البحرين أو الكويت، لأن أسعار الديزل خارج المملكة يغري التاجر المحلي لاستغلال ذلك في عملية بيعها خارجيا.

آليات ضبط السوق 

ويطالب «الجابري» بتطبيق العديد من الآليات لضبط السوق ومنع تهريب مشتقات النفط والوقود ،منها:

أولا:  أن تقوم على شركة «أرامكو »أن تضرب بيد من حديد على مهربي منتجاتها من خلال وضعهم في القائمة السوداء بعد ضبطهم، إضافة إلى حرمانهم من عملية الشراء في المستقبل.

ثانيا:  تفعيل دور مصلحة الجمارك بشكل جيد، ودورها الحقيقي لا يكمن في تفتيش البضائع الواردة فقط ،وإنما يجب عليهم فحص السلع الصادرة من المملكة كون هناك سلع مدعومة من الدولة كالأرز والقمح، ويفترض أن تتم عملية التفتيش بشكل دوري مع رصد غرامات للقضاء على هذه الظاهرة لأن ذلك يصب في مصلحة الدولة.

ثالثا:  تنظيم الشركات التي تستخدم منتجات الديزل وغيرها، لأن بعض الشركات لديها تلاعب في عداداتها مما يعني أن تلك العدادات لا تقرأ الكميات بشكل دقيق وهناك بعض الشركات مثل «سبيكو» المتعاملة مع «أرامكو »عداداتها في بعض المواقع غير دقيقة وليست مصاغة بطريقة نظامية، ومن الضروري وضع الأمر في عين الاعتبار لكي يتم استدعاء ومحاسبة المخالف، ونحن نعرف أن الأنظمة والقوانين موجودة ولكن لم تطبق بطريقة جيدة ولابد من تجريم مثل هذه المخالفات بوضع غرامات إضافة إلى السجن والتشهير بالشركة المخالفة.

فاتورة دعم الوقود 

وفي قراءةٍ لرقم  الـ50 مليار دولار لدعم الوقود في السعودية سنوياً، يرى مراقبون في الشأن المحلي أن تخفيض أرقام تلك الفاتورة، ورفع مستوى الوعي حول الهدر البترولي قد تظهر بصماته بعد تطبيق المعيار السعودي لكفاءة الوقود الذي متوقعاً أن يكون له أثرٌ كبيرٌ في كبح المعدلات المتنامية من استهلاك البترول محلياً، والتشجيع على اعتماد السياسات المرتبطة بتطوير التقنيات المبتكرة، وكذلك التخفيف من تأثير التغيُّر المناخي ، وأيضاً حفظ أموال المستهلكين في محطات تعبئة الوقود

ورأى محللون اقتصاديون أنه يمكن للسلطات المسؤولة المبادرة بتفعيل سياسات تهدف لرفع الوعي لدى المستهلك بأهمية معيار الوقود، مثل المكافآت والحوافز للإسراع بتقليل الفترة الزمنية اللازمة للتخلص من أسطول المركبات القديمة ذات الكفاءة المنخفضة في المملكة، ومثلها التسريع بمشاريع القطارات والنقل العام.

وأصدرت المملكة قانوناً لاقتصاد الوقود واختارت أن يحاكي المعيار الأمريكي مع فارق حوالي 4 سنوات في تطبيق المعيار ذاته، وسيتم تطبيق هذا المعيار في الفترة الممتدة بين 1 يناير 2016م و31 ديسمبر 2020م.

ويهدف تطبيق هذا المعيار إلى تحقيق ريادة المملكة في محاكاة المعايير العالمية، وإلى تحسين معدل اقتصاد وقود المركبات في المملكة بنحو (4 %) سنوياً، ونقله من مستواه الحالي عند نحو (12) كيلو متراً لكل لتر وقود، إلى مستوى يفوق (19) كيلو متراً لكل لتر وقود.

ومما يعزز تغطية تكلفة فاتورة دعم الوقود بالسعودية ما أعلنه  مختصون نفطيون أن سوق النفط الخام في مرحلة انتقالية تعوض بها بعض الخسائر الحادة التي لحقت بها على مدى الشهور الماضية بسبب انهيار سعر البرميل، إلا أن أسعار الخام ما زالت منخفضة ومن الصعب العودة إلى المستويات السابقة من الأسعار المرتفعة في ضوء الظروف الراهنة للاقتصاد الدولي خاصة استمرار حالة وفرة المعروض في السوق.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

الطاقة في السعودية دعم الطاقة أزمة الغاز

الكويت تتجه إلى الاقتراض لتمويل مشروع الوقود البيئي

«واشنطن بوست»: هل تدفع هزة النفط الأخيرة السعودية إلى تنويع اقتصادها؟

أزمة غاز تضرب جدة ومكة .. ونشطاء ساخرين: فلول «متعب» و«التويجري» وراءها

خرافات حول ضرائب الوقود

إنفاق السعودية علي وقود السيارات يتجاوز 1.4 مليار ريال شهريا!

الإمارات تبدي موافقتها على تزويد السيسي بالوقود مقابل تسهيلات ائتمانية

تقرير: السعودية تدرس رفع الدعم عن الوقود لمواجهة تهاوي أسعار النفط

«خاشقجي»: حان وقت تطبيق «سياسة التقشف» في السعودية

ضبط 70 ألف نسخة من المصاحف المخالفة في طريقها إلى مكة

مصادر: خطط خليجية لرفع الدعم تدريجيا عن الوقود وتوحيد الأسعار

إحباط محاولة تهريب 136 ألف قرص «إمفيتامين» إلى السعودية

هيئة الرقابة السعودية تشكو إلى الملك «سلمان» إعاقة أجهزة حكومية مهامها

محطات تخزن الوقود في السعودية لبيعه بالسعر الجديد والحكومة تتوعدها

«التجارة» السعودية تعاقب أكثر من 170 محطة وقود امتنعت عن البيع

السعودية.. مئات البلاغات على محطات وقود أوقفت البيع بعد التعديل الرسمي للأسعار

السعودية.. خطة متكاملة لرصد الجهات الحكومية المخالفة ماليا