«نيويورك تايمز»: العدالة في السعودية ”قاسية“ .. لكنها قادرة على منع سقوط السيف

الثلاثاء 24 مارس 2015 11:03 ص

بدأت عملية القتل التي كلفت «بندر آل يحيى» رأسه بمشكلة دين قديم كان عليه لأحد أصدقائه المقربين.

وعن مجمل القصة يحكي «فالح الحميداني»، شقيق الضحية، أن «بندر آل يحيى» دعا صديقه المقرب إلى بيته ليتفاهم معه بشأن الدين الذي عليه له، وعرض «يحيى» على صديقه بندقية يمتلكها لتكون تسوية للدين، ولكن الصديق رفض، فما كان من «آل يحيى» إلا أن استشاط غضبا وصوب البندقية لصدره فأرداه قتيلا في غرفة المعيشة مضرجا في دمائه على الأريكة.

اعترف السيد «يحيى» بالقتل، ومن ثم فإنه في ظل تفسير الشريعة الإسلامية سيواجه العقوبة التي جعلت القضاء السعودي محل نقد في جميع أنحاء العالم، ألا وهي قطع الرأس في الساحة العامة.

لكن عملية التنفيذ لم تتم.

ولكن السيد «يحيى» ظلت قضيته تؤجل من وقت لآخر في الوقت الذي تحرك فيه شيوخ وأفراد من العائلة المالكة لطلب العفو عنه من ورثة الضحية، وفي نهاية المطاف وافقت ابنة القتيل على العفو.

«العقوبات التي نص عليها القرآن هي آداة الله لحفظ الأمن في هذا البلد»، على حد قول «فيصل بن مشعل»، أمير منطقة القصيم، حيث وقعت جريمة السيد «يحيى».

وقال الأمير «فيصل»: «إذا لم يكن هناك قصاص فسوف تكون هناك فوضى عارمة»، لكنه استطرد بأن هذا لا يغفل مسألة الرحمة ولا يعطلها.

هناك جرائم وعقوبات محددة ومعروفة في النظام القضائي في السعودية، مثل القتل وبتر الأطراف لجرائم السرقة، والجلد للزاني غير المحصن أو لشرب الخمر. كما أنه للمملكة قوانين حديثة للجرائم الأخرى مثل تجارة المخدرات واستخدام السلاح فضلا عن جرائم الإنترنت والإرهاب، والتي تتحدث منظمات حقوق إنسان عن أن الحكومة تستخدمها غالبا لمعاقبة المعارضين السلميين.

وعلى الرغم من ذلك، توجد جرائم وعقوبات كثيرة غير محددة بشكل واضح، مثل السطو غير المسلح ومحاولة السرقة وممارسة الجنس الذي لا يصل إلى درجة الجماع والتحرش والتزوير، إلا أن النظام القضائي في المملكة يعطي للقضاة استقلالية كبيرة لتحديد الجرائم وإصدار العقوبات.

واشتكى محامون سعوديون من عدم وجود بنود وأحكام محددة ما يتسبب في صدور أحكام مختلفة بشكل كبير لجرائم متشابهة.

ومن جانبه قال «عبد العزيز الجاسم»، محام بالرياض، إنه اطلع على قضايا اغتصاب قادت إلى فترات في السجن تراوحت ما بين عامين إلى 18 عاما، مستطردا: «هذا اختلاف فجّ».

وأكثر ما يلفت الانتباه للقوانين التي تطبقها المملكة العربية السعودية ضمن نظامها القضائي هو حد القتل وبتر الأطراف. ويقول المحامون السعوديون إن العقوبات التي وردت بين آيات القرآن إنما هي زواجر عن ارتكاب الجريمة، ومن ثم فإن النظام يقيد استخدامها.

الزنا والردة عقوبتهما الإعدام في المملكة العربية السعودية، ولكن نادرا ما يتم تنفيذ العقوبة، لأن القانون يجعل من الصعب الإدانة، فالزنا على سبيل المثال يحتاج لشهادة 4 مسلمين رجال شاهدوا الواقعة، وأي واقعة من المستحيل تقريبا إثباتها بهذه الطريقة.

ونادرا ما يتم تطبيق عقوبة قطع يد السارق في المملكة بسبب الظروف المحيطة بالجريمة، أو أن القضاة يجدونها فعلا كريها، بحسب ما أشار إليه المحامي السعودي «أحمد جهيمي» المدعي السابق، والذي أشار إلى أن تنفيذ عقوبة قطع اليد خلال العام الماضي كان مرة واحدة فقط.

واسترجع قاض من الرياض قضية ضمت أربعة لصوص اقتحموا غرفة معيشة لشخص ما وسرقوا الأثاث والتلفزيون والثلاجة. لقد استوفت الجريمة أركانها بما يتطلب عملية قطع اليد، ولكن القاضي سمح لهم بالاعتراف بجريمة أقل، ومن ثم حكم عليهم لمدة سنتين في السجن و 100 جلدة لكل واحد منهم.

وأضاف القاضي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، «ليس الهدف تنفيذ العقوبات، ولكن تخويف الناس من ارتكاب الجرائم».

ويعلق مراقبون على هذا الأمر بأنه تمييز يقوده نظام محافظ، وهو ما يؤدي غالبا إلى عقوبات قاسية ضد أولئك الذين تعتبرهم الدولة تهديدًا للطبيعة الدينية لها مثل الليبراليين.

ويرى الكثير من المحامين السعوديين أن قضية «رائف بدوي»، الناشط الليبرالي السعودي الذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات و1000جلدة، متعلقة بهجومه على المؤسسة الدينية وهو فعل يمثل زعزعة للاستقرار أكثر من الزنا أو القتل في المملكة.

«القضاة محافظون للغاية، لذلك فإنهم يميلون إلى استخدام السلطة الذاتية لإعطاء الأحكام المحافظة بالغة القسوة التي تحرج العائلة المالكة دوليا في بعض الأحيان»، بحسب «ستيفان لاكروا»، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة باريس والمتخصص في الشأن السعودي.

وقتل السيد «يحيى» صديقه، «مطلق الحميداني» في عام 2002، ما أصاب الناس بصدمة في منطقة القصيم، وهي مقاطعة من الكثبان الرملية والبلدات المنتشرة في وسط المملكة العربية السعودية، التي تمتاز بالروابط القبلية القوية، ويتباهى السكان فيها بطابعهم المحافظ.

وكثيرا ما زار الرجلان بعضهما البعض، وكان السيد «الحميداني» ضابطا في الحرس الوطني، وكان متزوجا وعنده من الأطفال ستة. ويعود الرجلان أيضا لعشائر بارزة، ما يرفع شبهة القتل الانتقامي إذا لم يشعر ذوو قربى القتيل بالعدالة.

«ليس لدينا سوى قوانين الشريعة»، هكذا قال «فالح الحميداني» أخو الضحية، في إشارة إلى قطع رأس السيد «يحيى».

وبما أن حياة السيد «يحيى» على المحك، فقد أخذت قضيته طريقها عبر المحاكم التي أنشئت لعقوبات قاسية. وأدانته لجنة من ثلاثة قضاة بالقتل، ما دفع إلى استئنافها أمام لجنة من خمسة قضاة، والذي أكدوا الحكم، ونقلوا القضية إلى خمسة قضاة في المحكمة العليا.

إذا كان هناك تشكيك من غالبية القضاة، على أي مستوى بشأن الجريمة، فإن التنفيذ يتوقف. ولكن شيئا لم يحدث، لذلك ذهبت القضية إلى الديوان الملكي للمراجعة النهائية قبل أن يوقع الملك أمرا بالإعدام.

صدر الحكم ضد السيد «يحيى» بالقتل، ما يعني أن ورثة الضحية فقط هم الذين يمكنهم العفو عنه. لقد تم تأجيل التطبيق الفوري للقصاص لأنه ينبغي الحصول على موافقة الورثة بلا استثناء، وقد كان الابن الأصغر للضحية يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، ما جعله دون السن القانونية للموافقة، والمحددة بـ15 عاما. ذهب السيد «يحيى» إلى السجن انتظار لبلوغ الصبي لأخذ موافقته على قطع رأس قاتل والده.

ويعتقد كثير من المسلمين أن إنقاذ حياة شخص، حتى لو كان قاتلا، كفيلة بأن تكون سببا لدخول الشخص إلى الجنة، لذلك فتحت إمكانية عفو ورثة الضحايا عالما من النشاط يهدف إلى وقف تنفيذ أحكام الإعدام.

وبعد إدانة السيد «يحيى»، أطلقت عائلته حملة نيابة عنه، وأصبح زعيما دينيا في السجن، وكسب احترام رجال الدين الذين حملوا قضيته. لقد بذل الشيخ «راشد آل شلش»، رجل دين ويرأس لجنة في منطقة القصيم تناضل من أجل العفو، جهودا مضنية لإنقاذ حياة «يحيى».

وخلال مقابلة معه، دافع الشيخ «شلش» عن عملية قطع الرؤوس مرجعا ذلك لأسباب إنسانية واجتماعية. ورد على من يدينون ذلك بأنها وسيلة للموت السريع التي لا تعذب الشخص مثل الحقنة المميتة أو الكرسي الكهربائي.

وبدلا من الاعتذار عن شناعة الفعل، فقد امتدحه بأنه وسيلة لوقف الجريمة.

وبادر الشيخ «شلش» بطرح سؤال: «عندما ترى السيف يضرب عنق شخص ما، هل تشعر بالاشمئزاز؟». وتابع: «هناك من يريد أن يقتل، ولكن عندما يرون القصاص كعقوبة فإنهم يتوقفون».

ولكن لأسباب دينية، قال إنه يسعى لتأمين العفو عن طريق زيارة أسر الضحايا، وجمع الأموال لدفعها لمن يقبلون بالعفو. ورغم أن العفو ممكن طالما لم يسقط السيف، فإن هناك حالات تنتهي في بعض الأحيان بدراما عالية في الساحة العامة.

وأعدمت المملكة العربية السعودية 88 شخصا في عام 2014، في حين تم إعدام 35 شخصا في الولايات المتحدة. ثلاثون شخصا من الذين طبقت بحقهم أحكام الإعدام في السعودية كانوا مدانين بالقتل، وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه أخبار مؤكدة وتفصيلية بشأن إحصاءات العفو، فإن الشيخ «شلش» ساعد في إتمام 13 من أصل 17 حالة تدخل فيها في السنوات الأخيرة. وقال إن أكثر من نصف الحالات التي انتهت بالعفو لم يكن فيها أي أموال أو ديات، في حين أن هناك بعض الأسر تلقت مئات الآلاف من الدولارات. وفي إحدى قضايا القتل تم دفع دية بلغت 1.3 مليون دولار.

لقد بُذلت جهود مضنية تدخل فيها رجال دين لمناشدة أهل الضحية وورثته من أجل العفو عن السيد «يحيى».

وقام أعضاء من العائلة المالكة بزيارة «الحميداني» أخو الضحية، وأرسلوا له ممثلين وقادة قبليين بارزين يعرضون عليه شيكا على بياض مقابل العفو. لقد بدا منه في كل مرة إصراره على القصاص. ونظرا لأن القانون يعطي الحق لأي شخص من الورثة بأن يعفو، فقد التقى الشيخ «شلش» بتسعة أفراد حتى وجد تلميحا بالعطف والعفو، كان هذا العطف متمثلا في «نورا» ابنة الضحية.

وطلب الشيخ «شلش» من مدير المدرسة الثانوية التي تدرس بها «نورا» الحديث مع الفتاة لأخذ رأيها، وتم ترتيب الأمر عن طريق الهاتف. ووقعت «نورا» لاحقا عفوا رسميا عندما كانت في سن الـ17 من عمرها. ولم يعرف أحدا من عائلتها شيئا عن ذلك الأمر، وأصابتهم صدمة فور علمهم به، بحسب ما قاله السيد «الحميداني»، ولكن العائلة قبلت ذلك معتبرين أنه حقها وهي صاحبة الرأي فيه.

وأضاف «حميداني» أن «نورا» كانت قد قالت له قبل أن يسمع أنها وافقت «إذا كانوا قتلوا أبي فبماذا ستفيده تلك الدية؟ مكافأة أبي إن شاء الله ستكون عند الله وسيذهب إلى الجنة».

وأعرب الشيخ «شلش» عن قلقه أنه على الرغم من العفو، فإن أسرة القتيل يمكن أن تسعى إلى الانتقام في حال إطلاق سراح السيد «يحيى»، لذلك تم جمع دية للأسرة بلغت 800 ألف دولار، فضلا عن 130 ألف دولار لابنة القتيل بسبب موقفها.

و«نورا» الآن طالبة جامعية في السنة الثانية، وقد رفضت أسرتها السماح بمقابلتها. كما رفض السيد «يحيى» الذي غادر السجن في عام 2011 عند سن الـ 33، أيضا التعليق. لقد تزوج حديثا وحصل على شهادة في القانون.

وأعرب الشيخ «شلش» عن سعادته بسبب «إنقاذ رقبة الشاب بندر آل يحيى من الموت». وقد بقيت قنوات التواصل مفتوحة مع «الحميداني» وعائلة الضحية.

  كلمات مفتاحية

السعودية عقوبة الإعدام

الإعدامات في السعودية تضاعفت 3 مرات والعفو الدولية تطالب بوضع حد لهذا السجل ”المخزي“

«العفو الدولية» تحذر من زيادة معدلات تطبيق عقوبة الإعدام في السعودية

الإذاعة الألمانية تصف أحكام الإعدام في السعودية بأنها «رسالة ضد أي إرادة للتغيير»

إيران والسعودية والعراق ومصر يتصدرون الشرق الأوسط في تنفيذ أحكام الإعدام في 2014

تنفيذ حكم القتل قصاصا في إندونيسية قتلت مخدومتها بالمدينة المنورة

السعودية تطلب تعيين 8 «سيافين» لتنفيذ حد الإعدام وأحكام قطع الأيدي والأرجل

هل تتجه السعودية لإلغاء مهنة «السياف» وتعميم الإعدام رميا بالرصاص؟

«هآرتس»: في المملكة العربية السعودية .. أيام قطع الرؤوس قد تكون معدودة

«التليجراف»: السعودية أعدمت 110 أشخاص خلال 2015

الداخلية السعودية تنفذ حد «الغيلة» في إثيوبية قتلت مواطنة بفأس وهي ساجدة

السعودية: «الدية» و«العفو» ينقذان 33 قاتلا من الإعدام في أربعة أشهر